الرأي

حزروا.. فزروا

شيء واحد في بلادنا لا يرتفع سعره، بل تكثر بضاعته وتتعدد ماركاته، فكروا للحظة ما هو؟ لا ليس الخبز، ولا الكتب، ولا الملابس.. إنه المكياج. تجده يحتل أكبر مساحة في الأسواق، طاولات ممتلئة عن آخرها بكل الألوان والأشكال، تشجيعا للنفاق وإخفاء تجاعيد الزمان، زبوناته متوفرات، ومدخول تجاره لا بأس به يرد له رأس ماله ويفوته.. هذا قلم لرسم الحاجب، وآخر لرسم العين، وتزيينها بالظلال الملونة، تركيب الرموش التي تتناسب مع أرفع ماركات العدسات المستعارة.. هذه بودرة لتبييض البشرة وإخفاء العيوب وأخرى لجعلها تبدو سمراء.. الناس لا يقنعون بما أعطاهم الله، بل يبدعون ويتفننون، في تغيير الماسكات حسب ما تقتضيه الموضة العالمية لفصل الشتاء أو الصيف. لا أضرب المنازل بالحجارة وبيتي من زجاج، لكن كان بودي لو تبرمج سياسة لتشجيع القراءة كما يشجع المكياج.. الكتاب بثلاثة دراهم، الرواية بثلاثة عشر درهما.. فتح صالونات تؤم الخبراء في فن اختيار الكتب الأنسب حسب ميول الزبون، في جميع المجالات، وهكذا سنحظى بعقل أكثر أناقة وأوسع معرفة، وأشمل خبرة بما يدور في دروب التعامل مع الحياة ومقابلة لجان التوظيف، والحصول على أرقى المناصب في جميع الميادين.. لا أعتقد أن المكياج وحده المطلوب في مهنة سكرتيرة.. فما على الأجساد يزول بالماء والصابون ويبقى الفكر ثابتا لا يتغير إلا بكتاب يؤلفه كاتب نادر الوجود، قادر على خلخلة البنية الفكرية لمتلقيه، حتى يهدي بحُماه ويصح بعد حين.. فكرت لو كان للإصدارات الجديدة مجلات خاصة تديرها شركات تعرض أهم الكتب، تجنيسها ونوعها ولأي فئة هي موجهة، القليل عن مضمونها وتحديد ثمنها،.. يكون للمجلة وكلاء يخدمون الزبائن حيث تصلهم البضاعة التي يرغبون بها، في أي مكان كانوا.. وهكذا يستفيدون من أهم موضات بناء الفكر الهداف، ولا يمشوا عكس التيار، فيجرفهم ويموتوا. أليست الأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها؟ ونحن لا نريد الموت إلا بحلول أجلنا، لا أن يموت الفكر ونصبح أجسادا دونه تهيم في أسواق مخصصة لبيع المكياج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى