سري للغاية

حسن فرج: «أمي غيثة دُفنت في نفس القبر مع عبد الفتاح لأنهما اشتريا قبرا واحدا»

حاوره: يونس جنوحي
وصلنا الآن إلى جنازة والدتك. كيف كان رد فعل أختك خديجة عندما رأتك في الجنازة؟
قبل الجنازة. أولا، أمضيت أمسية اليوم الذي سبق الجنازة، أي 12 فبراير 2014 في أولم، ونزلت في فندق هناك في انتظار الصباح. الفندق كان بجوار الكنيسة التي كان مخططا أن تتم فيها مراسيم الجنازة، وقد صُدمت لأن خديجة أرادت للجنازة أن تتم في كنيسة وهي تعلم جيدا أن والدتي اعتنقت الدين الاسلامي لعقود طويلة وبمباركة من الملك الحسن الثاني. في الصباح، أي الخميس 13 فبراير، استيقظت باكرا، وجلست لأتناول طعام الإفطار، وانتابني إحساس غريب، ولما رفعت عيني إلى النافذة، لمحت سيارة نقل الأموات تمضي في اتجاه بوابة الكنيسة، فأدركت أن جثمان والدتي وصل أخيرا. التحقت بالكنيسة، وكنت أعلم أن الحاضرين قد اتخذوا أماكنهم، وسبقوني إلى المكان. دخلت دون أن أثير انتباه أحد، واتخذت مكاني في الصف الخامس من جهة اليمين. جلستُ إلى جوار قريبة والدتي وابنتها وأخذت أتفرس وجوه الحاضرين، ولمحت أختي خديجة وإلى جانبها صهرها يجلسان وحيدين في الصف الأمامي، في المكان المخصص لأبناء الشخص الذي تقام له الجنازة

  • لم يكن زوج خديجة حاضرا؟

لا. في كل المراحل التي حكيت لك، وكلما ظهرت خديجة يظهر معها صهرها، أي زوج حماتي.
لم ينتبها لوجودي في الكنيسة، لأن خديجة كانت تظن أن الخدعة انطلت عليّ وأنني لا أزال عالقا في سويسرا. لحسن الحظ لم أخبرها بمكاني الحقيقي أثناء المكالمة. وبقيت أنظر إليهما فقط. خديجة كانت ترتدي لباسا غريبا يشبه الفساتين التي يرتديها المسيحيون أثناء الجنائز، بالإضافة إلى قبعة نسائية كبيرة ومزخرفة.

  • متى انتبهت لوجودك في الجنازة؟

انتبهتْ لوجودي بالضبط عندما بدأ القس في ترديد الصلوات وإلقاء كلمة تأبينية في حق والدتي غيثة. عندما كانوا يرددون الصلوات المسيحية، كانت قريبة والدتي، تبتسم في وجهي وتحاول أن تعطيني كتاب الصلوات التي ينشدونها حتى أرددها معهم لكني لم أفتحه وبقيت أردد دعاء لوالدتي بالرحمة، لأنها مسلمة الديانة وليست مسيحية. وهكذا كان المنظر متناقضا، فهم كانوا يرددون صلوات مسيحية فيما أنا كنت أردد بعض الأدعية.
عندما أخذ القس الكلمة وبدأ في تعداد مناقب الوالدة وذكر أبرز المحطات في حياتها، شكر الموجودين على حضورهم، حيث بدأ بأختي خديجة التي كانت جالسة في الصف الأمامي كما أخبرتك، ثم انتقل بعينيه مباشرة إلى الصف الذي أجلس فيه، وشكرني باسمي ثم قال للحضور إنني ابن غيثة وشكرني على تكبد عناء السفر لحضور الجنازة ثم شكر قريبة غيثة وابنتها على حضورهما أيضا.
عندما ذكر اسمي، التفت جميع الحاضرين جهتي وبدؤوا ينظرون إلي في ارتياب، فيما أختي خديجة تجمدت في مكانها هي وصهرها ولم يقويا على النظر إلي. استطرد القس في حديثه وواصل كلمته في حق والدتي الراحلة، ووصلت لحظة نقل الصندوق إلى المقبرة.

  • قلت إن والدتك أصيبت بحروق من الدرجة الثالثة.. أي أنها حروق في غاية الخطورة. هل رأيتها؟

لا يمكن، حتى أنهم أحكموا إغلاق الصندوق ووضعوا فوقه قضبانا حديدية أنيقة حتى لا يتم فتحه بعد إغلاقه لدى السلطات المختصة، والتي عاينت جثمانها للتأكد من هويتها قبل السماح ببدء إجراءات الدفن.

  • هل أوصت غيثة قيد حياتها أن تُدفن إلى جوار زوجها عبد الفتاح فرج في مدينة أولم أو أي مكان آخر؟

عندما اشترى عبد الفتاح فرج مكانا في المقبرة بـ «أولم»، كان قد رتب هذا الأمر، لأن هناك اختيارات عائلية لشراء القبور، وقد اقتنى عبد الفتاح مكانا واحدا لشخصين. الأمر يشبه قبرا من طابقين. هذا ما قام به عبد الفتاح فرج قيد حياته، ووافقت عليه والدتي غيثة أيضا.

  • تريد أن تقول إن أمك غيثة دُفنت فوق زوجها عبد الفتاح فرج؟

هذا ما جرى بالضبط. القبر كان من طابقين. عندما أخرجنا الصندوق الذي ترقد داخله والدتي غيثة من بوابة الكنيسة إلى السيارة التي ستنقلها إلى المقبرة القريبة مشيا على الأقدام، كان كل الذين رافقوها يقرؤون أناشيد مسيحية في الطريق، وكنت أنا أتخذ مكاني في الصف الأمامي إلى جانب القس تماما وكنت أردد ما يقوله المسلمون المغاربة أثناء تشييع الجنائز، حيث كنت أردد «لا إله إلا الله محمد رسول الله». بصوت مسموع. ولم يعترض أحد على ما كنت أقوم به لكنهم لم يتوقفوا عن ترديد الأناشيد المسيحية علما أنني أخبرت القس أن والدتي مسلمة الديانة وليست مسيحية، لكن خديجة، كما قلت لك أصرّت أن تتم مراسيم الدفن في الكنيسة.

  • لم تتحدث مع أختك خديجة؟ في أي موضوع؟

 أثناء الجنازة أقصد..

لا لم نتحدث. هي بقيت معزولة رفقة صهرها في مكان بعيد، ولم تبادر بالحديث إلي ولا مع قريبة غيثة وابنتها. كانت ترتدي نظارات سوداء، ووقفت في آخر الصف هي وصهرها أثناء الطريق إلى المقبرة، وعندما وقفنا لإلقاء النظرة الأخيرة على الصندوق قبل أن يهيلوا عليه التراب، التفت خلفي لأتفقدها، فوجدت أنها غادرت بمجرد ما تم إنزال الصندوق إلى الأسفل.

  • يعني لم تتمكن من الحديث إليها نهائيا..

لم نتكلم ولم يكن لدينا ما نقوله أصلا. عندما انتهى كل شيء وغادرنا المقبرة، اكتشفت أنها كانت واقفه في الخارج مع صهرها، وكانا قد جاءا إلى «أولم» في سيارة متهالكة، وهو الأمر الذي أثار انتباهي واستغربت في الحقيقة ألا تكون لديها سيارة فاخرة. في الأيام التي تلت الجنازة، اكتشفت أنها اشترت سيارة بينتلي فاخرة، وسأحكي لك تفاصيل اقتناء تلك السيارة لأني اكتشفت أشياء كثيرة بهذا الخصوص، ولدي فواتير ووثائق تكشف أن أختي خديجة تصرفت في حسابات بنكية لوالدتي وصرفت شيكات باسمها.

  • طيب سنصل إلى ثروة والدتك غيثة وحساباتها البنكية بعد وفاتها. لماذا في نظرك ستأتي أختك إلى الجنازة بسيارة متهالكة وهي كما تقول أنت.. تملك «بينتلي» فاخرة.

حتى لا تثير الشبهات. فأنا كنت أعلم أن لديها مشاكل مالية كبيرة من زواجها الأول عندما حررت لي وكالة لأدير أمورها قبل أن تتصالح مع زوجها الثاني. لو رأيت سيارة البينتلي وقتها، فسأشك في أنها تصرفت في أموال والدتي قبل وفاتها.
عندما كانت واقفة خارج المقبرة هي وصهرها، كان المكان خاليا تماما، وبدأ الناس القلائل الذين حضروا لتوديع غيثة، في المغادرة تباعا ولم يتبق غيري أنا والقس وقريبة غيثة وابنتها. عندما رأتني خديجة قادما في نفس الاتجاه، اتجهت بسرعة هي وصهرها إلى السيارة وغادرا المكان. بقينا وحدنا إذن، وسرعان ما جاءت سيارة شرطة في اتجاهنا واستأذنوا القس في الحديث إليه على انفراد، وانصرفوا إلى مكان بعيد، خلف أحد الجدران وبقي معهم خلف الكنيسة لبضع دقائق ثم عاد إلي معتذرا.

  • هل كان إجراء الشرطة عاديا؟

لا أعلم لكنه كان مريبا جدا، خصوصا أنني لم أرتح لنظرات القس بعد عودته من لقائه بالشرطة. استأذنت خالتي وابنتها في الانصراف وودعتهما، فيما قلت للقس إنه يتوجب عليّ الرحيل أيضا، فطلب مني أن أمكث لليلة أخرى في «أولم» وأخبرني أنه يدعوني لأتناول طعام العشاء في منزله. استغربت أن يدعوني ولم تكن تجمعني به أية علاقة سابقة.
شككت في أن تكون الدعوة على خلفية حديثه مع الشرطة. لكن وحتى أبدو طبيعيا، شكرت دعوته وأخبرته أني سأكون سعيدا بتلبية الدعوة.

  • ماذا وقع إذن في ذلك المساء؟

أول ما لفت انتباهي أنني وجدت في منزله، الذي كان في قريبا من الكنيسة، ومن منزل غيثة أيضا، زربية تعود لوالدتي، فتسمرت أمامها واستغربت أن تكون لديه زربية والدتي في منزله، وانتبهت إلى وجود مقتنيات أخرى أيضا. سألته من أين حصل عليها، فأخبرني أن والدتي غيثة قدمتها له كهدية. لكني في الحقيقة لم أصدق هذا الأمر.
عندما جلسنا للعشاء، أخذ يخبرني عن علاقته الجيدة مع والدتي غيثة وكيف أنها كانت تحرص على لقائه والحديث معه وتزور الكنيسة وأضاف أيضا أنها كانت سخية في تقديم مساعدات مالية للكنيسة. وأنا كنت أعلم أن هذا الأمر غير صحيح لأنها كانت مسلمة وليست مسيحية.
قصة هذا القس مُريبة، لأنني بعدما تعرفت عليه جيدا، قمت ببحث دقيق حول مساره واستعملت المعلومات التي توفرها شبكة الأنترنيت، ووجدت أنه تعين كقس في الكنيسة القريبة من والدتي في «أولم» في سنة 2005 وغادرها في سنة 2014 تحديدا.
هذه أمور كثيرة على الصدف. لأن والدتي استقرت بـ«أولم» سنة 2005 وماتت في فبراير 2014. وهو تعين وغادر في نفس الفترة، بالإضافة إلى أن مساره في المجال الديني والكنائس يبقى مجهولا تماما قبل سنة 2005. وهذا أمر مثير للاستغراب أيضا.

  • .. يعني؟

يعني أنه كان في مهمة لمراقبة والدتي غيثة. لأني اكتشفت أيضا أن مساعدته، أو السيدة التي تعمل معه في مكتبه ألمانية وتحمل اسم غيثة وكنيتها أيضا «فراي». تنطق بالألمانية «فراي، وتكتب مثل «فرج» تماما. وهذا لغز كبير في حد ذاته.

  • هل رأيت هذه الكاتبة أم أنك سمعت بها فقط؟

بل رأيتها وكانت حاضرة في الجنازة، وحياها القس أمام الجميع بصفتها صديقة سابقة لغيثة، وقد استغربت أنا وخالتي وابنتها لكون المرأة التي تحمل اسم غيثة تشبهها في قَصة شعرها الأشقر، وتقاربها في السن أيضا. وعندما قدمها القس للحاضرين في الجنازة، باعتبارها صديقة لغيثة، قال إن اسمها «فراي».
أتساءل دائما كيف وصل هذا «القس» إلى مقتنيات والدتي لأني متأكد أنها لا تمنح أبدا زربية كهدية.
عندما عدت لمحاولة الاتصال به، لأحصل على أجوبة لأسئلة محيرة جدا، وجدت أنه اختفى تماما ولم يعد يشتغل قسا لا في «أولم» ولا في أي مكان آخر.
أنا متأكد من أنه اشتغل لصالح جهة ما في ألمانيا، لأنه كان حريصا على التعرف على والدتي، وأغراضها في بيته ودعوته لي للعشاء، وحديثه معي كان كله منصبا حول حياتها وما إن أخبرتني أشياء قبل وفاتها.

  • وما الذي سيكون لديها مثيرا حتى يستدعي اهتمامه؟

الصندوق الحديدي الذي كان في شقة «أولم». لقد أمضى عبد الفتاح فرج أيامه الأخيرة في تلك الشقة. وجاءه إليها مسؤولون كبار في الدولة ورفض أن يعيد إليهم ما أخذه معه من وثائق حساسة تعود ملكيتها للملك الحسن الثاني. وبعد وفاته، من الطبيعي أن يتحول الاهتمام إلى زوجته غيثة لأنها كانت الأقرب إليه.

  • الآن وقد انتهت قصة والدتك غيثة. ماذا تعرف عن قصة وفاتها؟

الأمر الآن معروض أمام القضاء. لقد وجهت رحمها الله ضربة قاضية لأختي خديجة. هل تعرف لماذا؟ لأنها وضعت شكاية في سويسرا أياما قليلة فقط قبل وفاتها ضد أختي خديجة! وهذا أمر لم تعرفه خديجة إلا بعد وفاة والدتي، وشكل ضربة قاضية لها. مما يضع علامات استفهام كثيرة حول الوفاة. خصوصا أن المحكمة في سويسرا ستستدعيني كشاهد.. وهناك سأعرف أمورا كثيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى