سري للغاية

حسن فرج : «تردد والدتي الألمانية يوميا على القصر كان يثير استغراب الحريم»

يونس جنوحي

يتحدث الكثيرون عن بدايات عبد الفتاح فرج، وكيف وصل إلى منصب السكرتير الخاص للملك الحسن الثاني.. ماذا تعرف عن المسار المهني لوالدك؟
أعرف ما أسمعه من الناس، وأزكيه بما رأيته لدى عائلته، خصوصا والدته ووالده أيام كنتُ أزورهما في الطفولة رفقة أختي خديجة ووالدتي، التي أصبح اسمها الحاجة غيثة، بعد أن اعتنقت الإسلام طبعا. وهناك شهادة تُثبت هذا الأمر أيضا، حتى لا يشكك أحد في اعتناق والدتي للإسلام. عندما كنا نزور عائلة عبد الفتاح، بدا واضحا أنه يتحدر من أسرة محافظة جدا، وغاية في البساطة. ما سمعته أنه كان نابغة في مساره الدراسي، ومنذ سنوات شبابه الأولى، كان يبدو عليه أنه متميز عن المحيطين به. وأؤكد لك أن عائلته ولا حتى نحن الذين عشنا معه، لم نكن نعلم أي شيء عن حياته المهنية.. كان رجل أسرار بامتياز.

ألم تكن له علاقات مثلا بأصدقاء من مراحل الشباب..؟

كان منغلقا كما قلت لك، وعلاقاته تنحصر في محيط الملك والقصر، وبيته محاط بالسرية دائما. وجدت في أرشيف العائلة بعض الصور التي تؤرخ لبداياته كموظف، وبدا واضحا من خلال الصور أنه كان يسبق أقرانه والعاملين معه. حيث يبدو جليا أنه كان مهتما كثيرا بهندامه وتسريحة شعره، أكثر من الآخرين، كما أن المكان الذي يتخذه في الصور الجماعية، كان دائما يعكس انعزاله.. لذلك ربما لم أزعج نفسي كثيرا بالتساؤل عن أصدقاء طفولته والفترات المبكرة من شبابه.

كيف التقى زوجته الألمانية؟ قلتَ لنا إن علاقتهما كانت غريبة ولم يكونا يتشاركان غرفة النوم نفسها..

قصة لقائهما عرفتها عندما كبرتُ.

ألم تكن والدتك تحكي لك أنت وأختك مثلا عن لقائها الأول بعبد الفتاح؟

حكت ذلك في وقت متأخر. أخبرتنا أنهما التقيا في ألمانيا، في برلين تحديدا. كانت هي تعمل مترجمة، وعملت في ما بعد لدى وزارة الشؤون الخارجية لألمانيا. عبد الفتاح كان يعمل محاسبا، تابعا لوزارة المالية، عندما التقاها. حيث ذهب إلى ألمانيا في زيارة رسمية في إطار العمل مع لجنة من الموظفين المغاربة. لم يكن يخطط ربما لأن يصل منصبا رفيعا مثل السكرتير الخاص للملك الحسن الثاني، لكن بدايته كانت في المالية، وكان ضمن وفد زار ألمانيا وهناك لمح «بريجيت»، والدتي، التي ستعتنق الإسلام عند زواجهما وسيصبح اسمها «الحاجة غيثة».

كان حبا من النظرة الأولى إذن..

(يضحك) عندما لمحها هناك، تعرفا على بعضهما البعض، رغم أنه لم يلبث في ألمانيا وقتا طويلا، وتبادلا العناوين، وبدأ التعارف بينهما عبر المراسلة التي استمرت بينهما مدة طويلة، وبعدها سألها عبد الفتاح إن كانت قادرة على أن تعيش حياتها في المغرب، وطلبها للزواج من خلال المراسلة أيضا، وعندما وافقت، كان الأمر يعني تلقائيا أن تتحول للعيش معه في المغرب بحكم عمله.

متى التقيا بالضبط؟

التقيا في سنوات الخمسينات.. كانا شابين في بداية مشوارهما المهني. تقول إنها جاءت إلى المغرب، بطلب من عبد الفتاح، خلال سنوات الستينات.

تقول الروايات إن عبد الفتاح فرج مدين بمنصبه كسكرتير للملك الحسن الثاني للمستشار أحمد رضا اكديرة.. ماذا تعرف عن هذا الأمر؟

بطبيعة الحال هو الذي اقترحه. مرة أخرى أقول إن عبد الفتاح فرج لن يتحدث لك مثلا عن علاقته باكديرة أو يذكر أمامنا أنه هو من اقترحه للعمل إلى جانب الملك الحسن الثاني.. لكن هذا ما يقوله أصدقاؤهما. هذا أمر معروف.

هل كانت بريجيت، أو «الحاجّة» غيثة تدرك حساسية المهنة التي سيشتغل بها عبد الفتاح؟

بطبيعة الحال. تفاهما على كل شيء عند الزواج، والتقاها الملك الحسن الثاني وبارك زواجهما خصوصا بعد أن اعتنقت الإسلام وأصبح اسمها «غيثة». كانت مقربة جدا من الملك الحسن الثاني.

يعني؟

أقصد أنها كانت تتوجه إلى القصر الملكي بشكل يومي. وهذا أمر عشته أيضا معها عندما كنا أطفالا أنا وخديجة، خصوصا في السنوات المبكرة من الطفولة. كنا نتوجه للقصر الملكي يوميا مع تمام الساعة العاشرة صباحا. وأرى كيف أن والدتي كانت مقربة جدا من الأميرات، ومن الملك الحسن الثاني أيضا، فقد كان يسأل عنها ويتحدث معها رفقة نساء القصر.
كان منظر والدتي مثيرا للاستغراب حقا، لأنها كانت تدخل يوميا للقصر الملكي، وتصطحبنا أنا وأختي، إلى المكان الذي تستقر به الحريم داخل القصر، وننتظر هناك جميعا إلى أن يفرغ الملك الحسن الثاني ليبدأ أنشطته الصباحية داخل القصر، ونسلم عليه. مصدر الاستغراب هو أن ملامحها أوربية لا تخطئها العين.. شعرها أصفر وعيناها زرقاوان، ومقربة جدا من كبيرات القصر، وتحضر بشكل يومي. بعد ذلك لم تعد تصطحبنا لأسباب ذكرتها لك، تتعلق بعدم رغبة عبد الفتاح فرج في أن يتعرف علينا الناس. ومن يومها لم أعد أعلم شيئا عن زيارة والدتي للقصر.

ماذا تعرف عن قصة إسلامها؟

كانت تحكي لأستاذ الموسيقى، الذي أصبح صديقا مقربا جدا للعائلة، أنها أسلمت فور زواجها بعبد الفتاح. (يصمت قليلا) لدي وثيقة بين الأوراق تثبت اعتناقها الإسلام بتاريخ مضبوط.
الملك الحسن الثاني كان محافظا جدا، ولا بد أنه ركز على مسألة اعتناق والدتي الإسلام عند زواجها بعبد الفتاح فرج، ليتم اختيار اسم «غيثة»، وهو الاسم الذي سيلازمها إلى أن ماتت.

بقيت علاقتها بعائلتها وطيدة.. صحيح؟

أكيد.. وقد كانت تصطحبنا بشكل دائم ومنتظم إلى منطقة صغيرة تسمى «أولم» ونرى أقاربها، وبقيت مواظبة على الزيارات إلى آخر أيام حياتها. والدها كان طبيبا، وأمها صيدلانية، وأخوها كان مهندسا، بينما هي كانت تعمل في الخارجية، واعتزلت كل شيء بعد زواجها بعبد الفتاح فرج.
أخوها انتحر، وكان أمرا مؤلما جدا بالنسبة لها رغم أنها لم تكن تتحدث عنه كثيرا. وأصولها الألمانية كانت حاضرة بقوة في شخصيتها، وفي كل المواقف التي اتخذتها في حياتها، وحتى الطريقة التي أشرفت بها على تربيتي أنا وخديجة.

أحيانا، عندما تتحدث عنها، يُفهم من كلامك أنها لم تكن أما نموذجية..

لم تكن تسرف في إظهار عطفها كبقية النساء أو الأمهات العاديات. تستطيع أن تسأل عنك من بعيد، أو توصي الأساتذة بالاهتمام بك أكثر. وهو أمر حدث معي كثيرا، فقد أوصت أستاذ الموسيقى أن يراعي ظروف طفولتي، عندما كان يقسو عليّ عبد الفتاح.. لكنها لم تكن تُظهر الأمر أمامي. السبب في كل هذا هو ما عاشته في طفولتها.

هل كانت لديها مشاكل أسرية؟

لا بالعكس.. أقصد ظروف الحرب العالمية الثانية. لقد عاشت طفولة صعبة جدا، وقاست رفقة أسرتها الصغيرة الجوع والبرد والحرمان. ظروف الحرب لم تكن سهلة أبدا، خصوصا أيام هتلر.. حكت معاناتها لأستاذ الموسيقى الذي أصبح صديقا للعائلة كما أخبرتك. كانت ترافق والدها إلى المستشفى، وكانت ترى الجثث تكوم بعضها فوق بعض لعدم توفر المساحة لاستقبالها.
من أقوى ما ذكرَته، ولا شك أنه أثّر في طفولتها كثيرا، منظر طفلة في مثل عمرها كانت في وضعية الجلوس في إحدى الردهات. أمي كانت تلعب وحيدة بكرة، وكانت ترميها في اتجاه الفتاة حتى تلعب معها، واستغربت لأنها لا تصدر أي حركة. في الأخير أمرها العاملون هناك بألا ترمي الكرة في اتجاهها لأنها ميتة، وحملوها لتوضع فوق الجثث الأخرى..
وطلبت منهم والدتي أن يعطوها حذاء الطفلة لأنها لم تكن تتوفر على حذاء، نظرا للظروف الصعبة التي كان يمر منها والدها رغم أنه كان طبيبا، وللظروف الصعبة التي كانت تمر منها ألمانيا بسبب الحرب.
عندما سمعت هذه القصص، خصوصا من صديق العائلة، بما أن أمي لم تكن تتحدث كثيرا عن الماضي، فهمت أمورا كثيرة تتعلق بشخصيتها رحمها الله.

هل كانت أسرتها تعلم أنها أصبحت زوجة سكرتير الملك؟

ليس لدي جواب محدد عن هذا السؤال، بعض أقاربها كانوا يعتقدون أنها زوجة رجل أعمال بالمغرب.

كانوا ينظرون إليها كسيدة

ناجحة.. صحيح؟
كان وضعها ممتازا بعد الزواج بعبد الفتاح، ولا شك أنهم أدركوا هذا الأمر أيضا. أتحدث هنا عن عائلتها الصغيرة، لأن وفاة أخيها الوحيد منتحرا جعلتها تحس بالوحدة، خصوصا بعد رحيل والديها أيضا، لكن علاقتها ببعض أقاربها بقيت وطيدة جدا.. وكانوا يقدّرون أنها ميسورة من الناحية المادية.

كيف كانت علاقتك بهم أنت وخديجة؟

سطحية جدا، كانوا يعاملوننا بكثير من السذاجة، وربما كانوا يعتقدون أننا في المغرب مجرد كائنات متخلفة.. يحاولون التواصل معنا بالإشارات.. وغيرها..

ألم يكونوا يعلمون أنك ابن سكرتير الملك الحسن الثاني، وأنك تعيش داخل إقامة فخمة في حي راق يسكنه رجال الدولة والدبلوماسيون والأمراء..؟

كانوا ينظرون إلينا على أننا متخلفون، ولم نحظ يوما باهتمامهم.

وماذا عن علاقة «غيثة» بعائلة عبد الفتاح؟

لا شيء كان يميزها، كانت تحرص على لقاء والديه في المناسبات، سيما عندما كان عبد الفتاح فرج يصطحبنا إلى زيارة والديه وإخوته، لكن الأمر كما أخبرتك كان شكليا فقط، وتحول في مرات كثيرة إلى ما يشبه النفاق.. يأتي إليهم حتى لا يأتوا إليه، وبطبيعة الحال فإن أمي لم تكن تستطيع مثلا أن تتصل بعائلته أو تزورهم دون علمه.
علاقتها بهم ازدادت سوءا، خصوصا بعد وفاة عبد الفتاح في ألمانيا سنة 2005 وبروز مشاكل الإرث على السطح.

لديك ثلاثة أعمام وعمة واحدة.. صحيح؟

نعم هذا صحيح. إخوة عبد الفتاح كانوا ثلاثة بالإضافة إلى أخت واحدة فقط.

هل دخلت والدتك معهم في مواجهات بسبب الإرث؟

لا.. بقيت بعيدة تماما ولم يكن لها أي اتصال بهم، لكنها كانت تسألني دائما وتطلب مني أن أتوجه إليهم وأحاول معرفة موقفهم من موضوع تركة عبد الفتاح فرج ولغز ثروته، وعدم ورود اسمهم في الوصية التي كتبها هناك في ألمانيا قبل موته.

اسمك أيضا لم يكن واردا..

صحيح، وهذا جزء من مشكل تركة عبد الفتاح فرج.

سنأتي إلى تفاصيل النزاع. هل تحس أن «غيثة» مسؤولة بشكل ما عن مآل ثروة عبد الفتاح فرج؟

لا أظن.. لقد كانت مستقلة عنه في الأفكار والطباع، وتعارضه بشدة في أمور كثيرة. وتواجهه وأحيانا يكون الصراخ بينهما مرتفعا. كانت والدتي صلبة وتدافع عن مواقفها حتى النهاية. لذلك لا أجد أي رابط بينها ومصير العائلة، لأن الأمر كان اختيارا لعبد الفتاح فرج بالدرجة الأولى. لم تكن تؤثر عليه مثلا، بل كانت تعارض ما كان يقوم به، خصوصا لما كان يميز بيننا أنا وخديجة ويعاملها معاملة استثنائية. مشكلة تركة عبد الفتاح فرج الآن سببها المعاملة الخاصة التي كان يوفرها لخديجة مقابل تهميش أسرته وتهميشي أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى