شوف تشوف

الرأي

حقائق الصراع في مصر وأوهامه (1/2)

أن يلتبس الأمر علينا بحيث لا نعرف حدود وطبيعة المعركة التي نخوضها، فذلك يعني أن ثمة خللاً في الرواية يجب تصويبه.
صورة الشرطة وهي تطارد مظاهرة طلاب الثانوية العامة احتلت حيزاً كبيراً من الصفحة الأولى لجريدة «المصري اليوم» التي صدرت في30/ 6. ولأن مواقع التواصل الاجتماعي تداولتها وعممتها مع تعليقات مختلفة على خروجهم احتجاجاً على تأجيل الامتحانات بسبب تسريبها، فقد أدى الشحن والتجاذب إلى ظهور مصطلح «تنظيم الثانوية العامة»، وليس معروفاً مصير الطلاب الذين أُلقي القبض عليهم بعد المطاردة الأمنية لهم التي أشارت إليها الصحيفة، لكننا لا نستطيع أن ننسى أن عشرات المتظاهرين السلميين الذين خرجوا مثلهم احتجاجاً على موضوع الجزيرتين، أطلق عليهم أيضاً «تنظيم الأرض»، وهؤلاء صدرت ضدهم أحكام عدة تراوحت بين السجن والغرامة والبراءة. ولا أعرف إلى أي مدى يمكن أن نأخذ على محمل الجد قصة المجموعة التي قيل إنها استجلبت بعض أسماك القرش لإطلاقها في المياه المصرية لطرد السياح وشل حركة السياحة، لكني وجدت الخبر متداولاً على العديد من المواقع خلال اليومين الأخيرين. بالقدر ذاته، لم تكن مقنعة الأخبار التي نشرت في وقت سابق عن إلقاء القبض على مجموعة أو تنظيم تشكل للمضاربة على الدولار في السوق السوداء. وبينما بدا ذلك إجراء استهدف إيقاف المضاربة، فإننا وجدنا أن الدولار الذي كان يعادل سبعة جنيهات مصرية آنذاك واصل ارتفاعه بعد ذلك حتى وصل إلى 11 جنيهاً في الوقت الراهن.
لست في وارد التثبت من دقة تلك المعلومات، لأن دلالتها هي التي تعنيني. أعني ما همّني فيها هو تعدد الجهات والاشتباكات التي أصبحت السلطة طرفاً فيها. وإذ بدت عملية ترحيل الإعلامية ليليان داود نموذجاً أخيراً لحملات أجهزة السلطة، إلا أنها تظل واقعة استثنائية لا تخلو بدورها من دلالة. ذلك أنه ما كان يخطر على أحد أن تنشغل الدولة المصرية بكل جلالها بمعركة التخلص من إعلامية في إحدى القنوات، بحيث تضع خطة انقضاض سريع لترحيلها خارج البلاد فور انتهاء عقدها، والتفاصيل التي ذكرت في هذا الصدد صورت المهمة كأنها عملية «كوماندوس» بمقتضاها تم اختطاف السيدة من بيتها خلال دقائق واحتجازها في مكان مجهول لساعات عدة، ثم وضعها على أول طائرة متجهة إلى بيروت.
حين يحاول المرء رصد الاشتباكات التي خاضتها السلطة خلال العام الأخير، سيلاحظ أنها توزعت على جهة عريضة شملت مجالات عدة. إذ إضافة إلى مظاهرات طلبة الثانوية العامة ومظاهرات الأرض، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل ما سُمّي مظاهرات «مجموعة 25 يناير» و«6 أبريل» وموظفي الخدمة المدنية وحملة الماجستير والدكتوراه وأمناء الشرطة وعمال الترسانة البحرية، ذلك طبعاً غير الاشتباكات الحاصلة مع نقابة الصحافيين والمحامين، وقبلهما نقابة الأطباء، أما اشتباك السلطة مع منظمات المجتمع المدني فقد اتخذ أشكالاً متعدّدة. منها إغلاق بعض المنظمات أو إحالة نشطاء منظمات أخرى إلى المحاكمة بتهم مختلفة أو مصادرة أموال البعض ومنعهم من السفر.
الملاحظة الأساسية على هذه القائمة أنها تشمل العديد من مكوّنات المجتمع المدني وتستهدف المستقلين والمخالفين والمعارضين، الأمر الذي يسوّغ لنا أن نقول إن أغلب ــ إن لم يكن كل مظاهر النشاط المجتمعي ــ أصبحت مستهدفة، ومن ثم معرّضة لكل ما يخطر على البال صور القمع والتنكيل. وللأسف فإن النصوص القانونية الفضفاضة تتيح فرصة إنزال مختلف صور العقاب بأصحاب الرأي الآخر. إذ ما أيسر أن يُتهم أي مواطن بتكدير السلم الأهلي أو ترويج أخبار كاذبة أو التحريض على مؤسسات الدولة أو الدعوة إلى التظاهر أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو إلحاق الضرر بالبيئة أو عرقلة السلطات العامة.. إلى آخر الاتهامات التي فصلتها المادة الثانية من قانون الإرهاب على نحو يتعذر افتراض البراءة فيه.
إذا صح ذلك التحليل فهو يعني أن معركة النظام المصري في الوقت الراهن لم تعد مع الإسلام السياسي الذي تمثل في «الإخوان» ومن لفّ لفهم، حيث الكتلة الأساسية لهؤلاء جميعاً مودعة في السجون. وبصورة نسبية فبوسعنا أن نقول إن هذه المعركة حسمت في بر مصر لصالح السلطة التي هي الطرف الأقوى في المعادلة. أستثني من ذلك شبه جزيرة سيناء، الذي لم يحسم الأمر فيه بصورة نهائية، لأن جولات الاشتباكات المسلحة التي تستهدف وحدات الجيش والشرطة لم تتوقف في تلك الرقعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
لا نستطيع أن نهوّن من شأن ما يجري في سيناء بطبيعة الحال. فسكان المنطقة أهلنا ورجال الجيش والشرطة أبناؤنا وجميعهم أعزاء علينا لهم علينا حق الكرامة وحقن الدماء. إلا أننا نقرر على صعيد التحليل أن الوضع الأمني هناك، وإن أصبح أقل سوءاً مما سبق، مختلف عنه في محافظات الدلتا وصعيد مصر، وأن الاشتباك مع منظمات المجتمع المدني وأنشطته في تلك الساحات هو موضوع المواجهة في الفضاء المصري. إلا أن المعركة الحقيقية تجاوزت تلك الدائرة، بحيث تمثلت في إدارة الأزمات الكبرى التي تواجه المجتمع، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى