الرئيسية

حكايات شباب مغاربة بحثوا عن نجاح متعب في الغربة

غنية دجبار
استكمال الدراسة في الخارج حلم يراود أغلب الشباب المغاربة الذين يطمحون للوصول إلى مراكز مهمة، ومستوى اجتماعي ومادي يضمن لهم حياة كريمة. «الأخبار» تنقل قصص شباب كان الطموح هو سلاحهم الذي جعلهم ينجحون في تحقيق أحلامهم في الخارج، قبل أن يسجلوا نجاحا باسم المغرب، بعدما جمعوا بين الدراسة والعمل وتجاوزوا كل الصعوبات والعراقيل.
تفتخر عدد من الأسر المغربية بأبنائها الذين استطاعوا تحقيق ذواتهم خارج أرض الوطن، حيث يتطلب الأمر مجهودا أكبر بعيدا عن مساعدة الأسرة الصغيرة والكبيرة.
من هؤلاء من يحققون إنجازات باهرة اعتمادا فقط على ذواتهم وعلى إمكانيات بسيطة بعدما اضطروا إلى مزاولة بعض الأعمال في أوقات الفراغ من أجل تغطية مصاريف دراستهم وحاجياتهم بـ«أرض الغربة».

ياسين: «لا شيء مستحيل بالنسبة إلي»
ياسين شاب في الواحدة والثلاثين من العمر يعمل حاليا في أحد أهم الشركات المنتجة والموزعة للأدوية في العالم، هذا الشاب المنحدر من عائلة بسيطة والتي رسخت فيه مبادئ عديدة منها الإخلاص، التفاني في العمل والوفاء، يقول لـ «الأخبار»: «الحمد لله أنني نشأت في عائلة جعلت مني هذا الشخص الذي ترونه أمامك الآن، فبالرغم من أن أبي ليس رجلا غنيا إلا أنه ضحى بالكثير من أجل أولاده، وأراد أن نكون استثماره في الحياة.
لا أنكر أنني كنت في بداية مشواري الدراسي أبدو «كسولا» إلى أن بدأت نتائجي الدراسية تتحسن شيئا فشيئا لأصبح دائما الأول في القسم.
مرت السنون ووصلت السلك الثانوي، في هذه المرحلة وهي فترة المراهقة بدأت نتائجي الدراسية في التراجع، الشيء الذي جعل أخي الأكبر ينبهني إلى مسألة مهمة، وهي أن مستقبلي كله رهين بنتائجي في الثانوية، لأنه كان يريد أن يرسلني للدراسة في الخارج».
منذ أن سمع ياسين ذلك الكلام من أخيه حتى بدأ بالتفكر، فتغير مائة وثمانين درجة، لتصبح نتائجه في الباكالوريا عالية، الشيء الذي خول له السفر إلى الخارج.
ويضيف: « تم قبولي في الأقسام التحضيرية بمدينة باريس، وفي السنة الأولى التي انتقلت فيها للعيش هناك، توفي والدي. ولكن بالرغم من ذلك حاولت جاهدا للحصول على أفضل النتائج حتى يظل أبي فخورا بي.
وبالفعل كنت الأول على الدفعة، كان كل الأساتذة يشيدون بمستواي الدراسي وبأخلاقي، فكانوا يقولون لزملائي المغاربة يجب أن تكونوا فخورين بأن لديكم شاب مغربي مثل ياسين».
هذه الجملة أثرت في كثيرا ومنحتني دافعا أكبر للكفاح والمثابرة من أجل الوصول إلى هدفي. لا أنكر أن الغربة لم تكن سهلة، فقد كنت خجولا بطبعي ولم أنسجم بسهولة مع الوضع، ولكن الحمد لله كنت دائما ما أصادف أناسا طيبين ساعدوني وواسوني في غربتي. وهذا بفضل رضى الوالدين.
يكمل ياسين كلامه قائلا: «بعد تجاوز الأقسام التحضيرية بتفوق، حصلت على الماجيستر في الرياضيات، ثم توجهت لدراسة الهندسة. الكل في الأول عارض مسألة توجهي لدراسة الرياضيات، ظنا منهم بأن هذا التخصص ليست لديه آفاق كثيرة، ولكن أنا كانت لدي قناعة بأن هذا المجال هو الذي سيكون سببا في نجاحي وتحقيق كل ما أطمح إليه».
بعد أن أكمل ياسين دراسته الجامعية، وجد نفسه أمام مأزق وهو الأزمة الاقتصادية، فقد تقرر إرسال كل الطلبة الذين أتموا دراساتهم إلى بلدهم، وهنا قرر ياسين أن يغير الوجهة، فانتقل للعيش بجمهورية تشيك.
هذا البلد الهادئ والمستقر، كان المحطة التي ستغير الكثير من الأشياء في حياة هذا الشاب الطموح، يقول ياسين: «بعد أن انتقلت للعيش في التشيك، واجهت بعض الصعوبات، ولكن هدفي الأساسي من الهجرة إلى هذا البلد كان هو أن ألج شركة كبيرة لإنتاج وتوزيع الأدوية.
فتقدمت للعمل بهذه الشركة، ولكن للأسف تم رفضي لأنني لم تكن لدي الخبرة في تخصص معين، وبالرغم من ذلك لم أفقد الأمل، لأنني من النوع الذي إذا وضع هدفا أمام عينيه يصل إليه.
عدت للدراسة من جديد، فاخترت أن أدرس شعبة مهمة هي التي ستخولني لاقتناص منصب في تلك الشركة، وبالفعل بعد أن أرسلت سيرتي الذاتية تم استدعائي على الفور لإجراء مقابلة العمل الأولى، وبعد سلسلة من المقابلات تم قبولي.
الحمد لله أنا الآن حققت حلما مهما من بين أحلامي، والكل يشيد بمستواي في هذه الشركة لدرجة أنني حصلت على جائزة تقدير بعد أربعة أشهر فقط .
لذلك أنصح الشباب المغاربة بالكفاح والمثابرة من أجل الوصول إلى أهدافهم، فلا شيء مستحيل يكفي فقط أن يعملوا بجد وتفان».

زكرياء: «استفدت من تكافؤ الفرص»
زكرياء اختار أيضا فرنسا كوجهة للدراسة، يقول لـ «الأخبار»:» كان حلم اكتشاف الحضارة الأوروبية ملحا بالنسبة إلي كباقي الشباب في مثل سني، كون الدول الأوربية كانت تفتننا بتقدمها، هذا بالإضافة إلى أننا لا نثق في نظامنا التعليمي، فلو لم أنجح في مسابقة ولوج إحدى المدارس العليا الكبيرة، لن تكون لدي خيارات أخرى غير الكلية، وطبعا ستكون فرص العمل بعد ذلك ضعيفة جدا، كون الحصول على وظيفة مهمة في بلدنا يعتمد بالأساس على الوساطة.
العديد من الشباب يحصلون على شهادات عليا، ولكنهم بعد سنوات من الدراسة يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل. وهذا ما جعلني اختار الهجرة من أجل الدراسة، فالحمد لله لدي العديد من أفراد العائلة في أوروبا الشيء الذي سهل علي القرار.
ويضيف :»اخترت أن أدرس الإعلاميات، فمنذ صغري كنت أحب كل ما له علاقة بالحاسوب، هذا بالإضافة إلى كون هذا المجال يفتح آفاقا كثيرة للعمل، أي أنني كنت سأضمن فرصة حصولي على وظيفة بسهولة». ويقول زكرياء:» بعد أن سافرت إلى فرنسا، شعرت وكأنني ولدت من جديد، فقد انتقلت إلى العيش في باريس مباشرة بعد حصولي على شهادة الباكالوريا، أي أن التغيير كان مفاجئا، فبعد أن كنت مراهقا كثير الحركة، أصبحت شابا مهاجرا من أجل الدراسة، عليه أن يجد عملا بالموازاة مع دراسته ليتمكن من توفير مبلغ مالي سيساعده في مصاريفه ليخفف العبء قليلا على والديه.
بدأت شخصيتي تتغير شيئا فشيئا، حتى أتمكن من مواجهة صعوبات الغربة. التكيف مع نظام الحياة في فرنسا ليس سهلا، فقد كان علي قطع مسافات كبيرة للذهاب إلى مقر عملي ودراستي. هذا بالإضافة إلى كون إيجاد عمل لطالب جامعي ليس بالأمر السهل، لأننا كنا ملزمين بعدم تجاوز واحد وعشرين ساعة من العمل أسبوعيا، ومن حسن حظي كنت أقطن عند أحد أفراد أسرتي، وإلا فإنني كنت سأكون ملزما بإيجاد ضامن لأتمكن من كراء شقة.
والتمييز الذي كان يضعنا فيه الطلبة من أصل فرنسي كان أيضا من بين الصعوبات التي واجتها في فرنسا، ولكن الحمد لله كان المستوى الدراسي للطلبة المغاربة ممتازا.
وأخيرا، بالموازاة بين الدراسة والعمل لم يكن بالأمر السهل، خاصة وأنني كنت أعمل في وظيفة تتطلب مجهودا بدنيا، بالإضافة إلى العمل لساعات متأخرة من الليل.
ولكن الميزة التي وجدتها في فرنسا وللأسف هي غير موجودة في بلدنا، هي تكافؤ الفرص، فلما أنهيت دراستي تم توظيفي على الفور في الشركة التي أجريت فيها فترتي التدريبية.
عملت بضع سنوات في تلك الشركة، ثم انتقلت إلى شركة أخرى وبمنصب أهم».
يقول زكرياء، أنه كان موفقا عندما اختار دراسة الإعلاميات، لأن هذا المجال من بين المجالات القليلة التي لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية.
ويسعى هذا الشاب في السنوات المقبلة إلى الانتقال إلى إحدى البلدان الأنجلوساكسونية حتى يأخذ خبرة أكبر، ثم التفكير بعد ذلك في الرجوع إلى المغرب.

يوسف: «لا أفكر في الرجوع إلى المغرب»
يوسف، تجربته عكس ياسين وزكرياء، فهو لم يختر الهجرة من أجل الدراسة، لأنه في الأصل كان غير مهتم بهذا الجانب، ولكن فرصة يوسف جاءت بعد أن شارك في قرعة الولايات المتحدة الأمريكية.
وقع عليه الاختيار وسافر على الفور إلى هذا البلد، يقول يوسف:» بعد أن حطت بي الرحال في نيويورك، وجدت نفسي في مدينة ضخمة إلى حد الخوف، كنت لا أعرف أين أتوجه ولا ماذا أفعل.
لحسن الحظ التقيت بشاب مغربي أصبح صديقي، وقررت أنا وهو أن نعمل بإصلاح الأجهزة الإلكترونية، كالحواسيب والهواتف النقالة…فولعي بهذا المجال جعلني أحظى بشهرة واسعة وثقة كبيرة من زبائني.
مرت بضع سنوات وتمكنت من جمع بعض الأموال، وحينها فكرت مليا في مستقبلي، قلت هل سأظل دائما أعمل في هذا المجال، فهو مشروع خاص ليست فيه أي ضمانات أو امتيازات على المدى البعيد.
فخطرت ببالي فكرة، وهي الدراسة. بالرغم من أن سني أصبح متقدما بضع الشيء حينها، لأنني بلغت الثامنة والعشرين من العمري، إلا أن السن لا يعتبر عائقا أمام الدراسة في ذلك البلد، يكفي فقط أن تتوفر على المال الكافي وباستطاعتك ولوج أي شعبة تريدها. وبالفعل اخترت أن أدرس الرياضيات، وتفوقت في الدراسة ليتم بعدها توظيفي في شركة مهمة، أصبحت بفضلها أتقاضى راتبا خياليا، لم أكن أحلم يوما بالحصول عليه.
فدائما ما أجلس مع نفسي وأفكر في مصيري لو كنت لم أترك المغرب، هل كنت سأفكر في الرجوع إلى الدراسة بعد سنوات من تركها؟ وهل كانت ستتاح لي فرص الحصول على وظيفة مناسبة ستضمن مستقبلي ومستقبل عائلتي.
أنا الحمد لله أعيش الآن مرتاحا من جميع النواحي، ولم أندم ولو للحظة لاختياري الهجرة، ولكن للأسف فكرة عودتي إلى المغرب تظل مؤجلة حاليا».

المغرب يحتل الرتبة الثالثة عالميا في هجرة الأدمغة
تعتبر المنح الدراسية مهمة بالنسبة للراغبين في استكمال دراستهم بالخارج، لهذا تحرص وزارة التعليم والبحث العلمي على مواكبة كل المستجدات المرتبطة بمنح التعاون الدولي، والتي تسهر عليها مديرية التعاون والشراكة بنفس الوزارة. فالموسم الجامعي الحالي 2015-2016، عرف عروض منح كثيرة من تونس، السنيغال، ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ولكن في أحد التصاريح لوزير التعليم العالي والبحث العلمي، قال إنه يستغرب من عدم تقدم الطلبة لهذه المنح التي يتم الإعلان عنها، لذلك قام بدعوتهم إلى البحث والسعي من أجل تحصيل علمي في إطار مبادرات منح التعاون الدولي التي تنظم بين المغرب والدول في إطار الشراكة والتعاون.
وقد أعلن لحسن الداودي أن هذا الدخول الجامعي الجديد سجل ارتفاعا بنسبة عشرة بالمائة بالمقارنة مع الموسم الماضي، أي قرابة 700 ألف طالب. هذا بالإضافة إلى أن 18 بالمائة من خريجي الجامعة المغربية وخاصة المهندسين يعملون في أمريكا وأوروبا.
أما رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران فقد كشف مؤخرا عن بعض الأرقام بخصوص الجالية المغربية بالخارج. فعدد مغاربة العالم عرف ارتفاعا خلال العشر سنوات الأخيرة بحوالي 4.5 ملايين شخص مقابل 1.7 مليون سنة 1998.
وأبرز بنكيران أن هذه الفئة أغلبها من الشباب، فـ 70 بالمائة منهم يقل عمرهم عن خمسة وأربعين سنة، 20بالمائة منهم فقط ازدادوا في الخارج.
الجالية المغربية توجد في أكثر من 100 دولة متمركزة بشكل أساسي في أوروبا. ويتميز مغاربة العالم بقدرتهم السريعة على الاندماج في مجتمعات الإقامة وأيضا على قدرتهم على الوصول إلى مراتب التمثيل السياسي.
وأشار رئيس الحكومة إلى أن ظاهرة الهجرة أصبحت تشمل المغاربة ذوي الكفاءات في مختلف الميادين، فـ17 بالمائة منهم حاصلون على مستوى باكالوريا +5، وهذا ما يجعل المغرب يحتل الرتبة الثالثة عالميا في هجرة الأدمغة حسب تصنيف البنك الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى