شوف تشوف

حكومة عدي وسلك

لو أننا جلبنا جداتنا من البيت ومنحناهن حقائب وزارية لاستطعن تسيير الشأن العام أحسن من وزراء هذه الحكومة، فكل ما يجيدونه هو الحلول السهلة التي لا تكلف دقيقة واحدة من التفكير.
فوزير «البيصارة» والتجهيز سبق له أن نصح المواطنين، الذين يجدون سعر المازوط مرتفعا، بأن يضربوها «كعطة» وأن يستعملوا أرجلهم في المشي، وكأن المواطنين بحاجة لمن يذكرهم بأن لهم أرجلا يستطيعون أن يستعملوها لكي يتنقلوا لقضاء أغراضهم.
أما رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران فقد سبق له أن نصح كل من وجد سعر الحليب و«دانون» مرتفعا، بأن يصنع «الرايب» في بيته، وكأن «الرايب» يصنع بالماء وليس بالحليب.
أما محمد الوفا، وزير الشؤون العامة والحكامة، فقد نصح كل من يجد سعر الدقيق مرتفعا بأن يعود إلى صنع «الملاوي»، وكأن «الملاوي» تصنع بالتراب وليس بالدقيق.
أما وزير «الشفنج» والوظيفة العمومية، محمد مبديع، فقد وجد حلا سحريا لأداء المعاشات عندما قال إنهم في الحكومة إذا عجزوا عن أدائها، فإنهم سيرفعون الضرائب وسيخفضون الأجور.
وهكذا عوض العثور على حلول منطقية ومعقولة للمشاكل التي يواجهها المواطنون، فإن السادة الوزراء يقترحون عليهم «الترقاع» وأن «يعديو باش ما عطا الله».
وما قاله مؤخرا وزير الشؤون العامة والحكامة، من كون الحكومة تعتبر دعم البوطا والدقيق منكرا يجب القضاء عليه، يدخل في هذا الباب، فعوض القضاء على استفادة كبار الأثرياء من الدعم المقدم على البوطا والدقيق ستلجأ الحكومة إلى حرمان الجميع فقراء وأغنياء.
والواقع أن رئيس الحكومة اكتشف حلا سحريا لجميع مشاكل المغاربة وأيضا لكل الصناديق المنهوبة من طرف لصوص المال العام، إذ عوض أن يحاكم هؤلاء اللصوص ويجبرهم على رد ما سرقوه، عفا عنهم وتوجه مباشرة إلى جيوب المواطنين.
فلإنقاذ صندوق التقاعد من الإفلاس أجبر رئيس الحكومة الموظفين العموميين على العمل خمس سنوات إضافية بعد وصولهم سن التقاعد القانوني.
ولكي ينقذ صندوق المكتب الوطني للماء والكهرباء من الإفلاس، فرض رئيس الحكومة زيادات في فواتير استهلاك الماء والكهرباء على المواطنين، للمساهمة من جيوبهم في تعويض الأموال المنهوبة من ميزانية المكتب. وفي الأخير يتباهى وزير الشؤون العامة بأن بنكيران أنقذنا من قطع الكهرباء خمس ساعات يوميا.
ولكي ينقذ شركة الطرق السيارة من الإفلاس، زاد في تسعيرة المرور، لكي نكتشف في الأخير أن احتراق شاحنة واحدة في مدخل الطريق السيار ببرشيد أحرق المحطة بكاملها، والسبب عدم توفر المحطات على وسائل الإطفاء.
وهكذا فكل الكوارث التي تسبب فيها لصوص المال العام، الذين أصدر عنهم بنكيران عفوه العام، يتحمل مسؤوليتها المواطنون وحدهم. وحتى حوادث السير ينفي بوليف مسؤولية الوزارة وطرقها فيها ويحملها كاملة لمستعملي الطريق.
هكذا لم يحرق رئيس الحكومة أعصابه ولم يجهد تفكيره في البحث عن حلول عبقرية لإنقاذ صناديق الدولة من الإفلاس، بل لجأ إلى الحل السهل الذي من الممكن أن يلجأ إليه أي مبتدئ لو أنه كان رئيس حكومة مكانه.
ولعل مأساة بنكيران هي أنه يعتقد أنه بلجوئه إلى الحلول السهلة، أي جيوب المواطنين، فإنه سيعالج جميع مشاكل الموازنة العامة. ومن فرط غباوة مقاربته التدبيرية، أصبح رئيس الحكومة يعتقد أنه بالكسكس و«البصطيلة» والشواء وحدها، يستطيع المغرب أن يجلب السياح وينشط السياحة، متناسيا أن هذه الأطباق أصبحت عالمية وبمستطاع السياح أن يأكلوها في كل عواصم العالم، وقد فات رئيس الحكومة أن يعلم أن الكسكس مثلا أصبح هو الطبق الرسمي بفرنسا.
وهكذا فليس لدى هذه الحكومة من مخطط آخر لإنقاذ صناديقها من الإفلاس سوى وضع يدها في جيوب المواطنين، أو الاقتراض من الخارج، وهي حلول ليست فقط سهلة وإنما بليدة على المدى القريب وخطيرة على المدى البعيد.
والمثير للسخرية هو أن رئيس الحكومة يريد أن يقنع الرأي العام بأنه يقوم بإصلاح صندوق المقاصة، أي إلغاء الدعم العمومي عن المواد الأساسية، وصندوق التقاعد من أجل سواد عيون المغاربة، والحال أنه يفعل ذلك مجبرا ومكرها ومسدس مدام كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، موضوع فوق صدغه.
لقد استجاب رئيس الحكومة لتعليمات موظفي صندوق النقد الدولي المرابطين في الرباط، عندما طلبوا منه توقيع مرسوم يقضي بتخفيض ميزانية الاستثمار بخمسة عشر مليار درهم، بحيث وفرت الحكومة 8،1 مليار دولار من المصاريف التي اقتطعتها أساسا من ميزانيات الصحة والتعليم والتجهيز والسياحة.
واستجاب إلى كل الأوامر التي كانت تصدر إليه من هؤلاء الموظفين، الذين أرسلتهم مدام كريستين لاغارد إلى الرباط لكي يراقبوا طرق صرف الميزانية العامة مقابل السماح للحكومة بالاستدانة من هذا البنك ومن بنوك أخرى.
وطبعا فموظفو مدام كريستين لاغارد لا يراقبون الموازنة العامة وطرق تدبيرها حبا في الشعب المغربي وحرصا على مصالحه، بل يفعلون ذلك لأنهم يريدون ضمان عدم إفلاس الحكومة المغربية مما سيحرم البنك الدولي والبنوك الأخرى من أقساطها الشهرية عن فوائد القروض التي منحتها لنا.
ومن أجل ضمان حصولهم على فوائد قروضهم، فإنهم مستعدون لكي يضغطوا على بنكيران من أجل أن يضيق الخناق على الشعب وأن يدفعه إلى إلغاء ميزانيات الاستثمار في القطاعات الحيوية التي تهم الصحة والتعليم، وإلغاء الدعم العمومي عن المواد الأساسية.
وفي الأخير، يأتي بنكيران ويقدم هذا الضغط الذي يخضع له على شكل عمل بطولي وشجاعة لا مثيل لها وجرأة سياسية نادرة لم يستطع الذين سبقوه التحلي بها.
والواقع أن بنكيران لا يفعل غير رهن مستقبل المغاربة بسبب الإفراط في الاستدانة، أما الطبقة المتوسطة في المغرب، فمن فرط الديون أصبحت العائلات تستدين من أجل دفع أقساط الديون، وأصبحت هناك بنوك تقترح على المواطنين الغارقين في الديون شراء ديونهم منهم بقروض تترتب عنها فوائد كبيرة. وهكذا عوض أن يظل المواطن مدينا لعدة جهات فإنه يصبح مدينا لجهة واحدة تمتص دمه إلى نهاية حياته.
ومأساة هذا المواطن الغارق في ديونه هي أنه يعيش العجز في أسوأ تجلياته، فهو بسبب الديون التي تقيده عاجز عن الاحتجاج للمطالبة بتحسين وضعيته المادية خوفا من الطرد من العمل وانتهائه في السجن، بسبب ديون البنك المتراكمة، وعاجز عن اتخاذ أي قرار يهم حياته العائلية بسبب خوفه من الطرد من البيت الذي يدفع أقساطه للبنك، وعوض أن يطور حاسة القناعة فإنه يطور حاسة الطمع والجشع لكي يستطيع تأمين مصاريف وصوله إلى نهاية الشهر.
وكذلك الشأن بالنسبة إلى الدولة التي ترهن حاضرها ومستقبلها في يد البنوك الأجنبية. فبسبب المديونية الخارجية، تصبح الدولة لقمة سائغة في يد الدائنين ويصبح طموحها الاقتصادي خاضعا للشروط والإملاءات الأجنبية. وهذا، للأسف الشديد، هو الاتجاه الذي أخذتنا إليه الحكومات السابقة وغالت فيه الحكومة الحالية بعيون مغمضة.
طيلة العشر سنوات الأخيرة، نجح المغرب في تقليص نسبة المديونية إلى الحد الذي أصبحت معه مديونية المغرب لا تشكل سوى 47 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بعدما كانت الديون الخارجية تلتهم 90 في المائة من هذا الناتج. ويبدو أن السياسة الاقتصادية الحالية التي تتجه نحوها الحكومة هي العودة بالمغرب إلى السنوات السوداء للمديونية، عبر تضخيم ديونه الخارجية من جديد، وفتح شرايين الناتج الداخلي الخام على مصراعيها لتنزف المالية العامة.
إن أول قرار كان يجب أن يتخذه رئيس الحكومة هو تخفيض كلفة الإنفاق العمومي، أي أن يعطي المثال ويبدأ بنفسه أولا. عليه أن يخفض راتبه ورواتب وزرائه وينقص من حجم «أسطول» سيارات الخدمة وميزانيات الأسفار والتعويضات والامتيازات.
عندما سيقوم بذلك فإنه سيشجع دافعي الضرائب على تقبل قراراته مهما كانت مؤلمة، لأنه ضرب «الشوكة» لنفسه أولا وأعطى المثل بنفسه ووزرائه وموظفيه الكبار.
أما أن يستمر رئيس الحكومة في تسليط قراراته المؤلمة على صغار الموظفين والبسطاء، فعليه أن يفهم أن «مصاطة» الشعب لن تصبر طويلا لضربات الشوكة التي يبدو أنه استحلاها. فعندما تصل «الشوكة» إلى العظم لا أحد يمكنه أن يتصور ردة الفعل الناجمة عن الألم.
إلا إذا كان هذا بالضبط ما يطمح إليه رئيس الحكومة، وتلك قصة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى