شوف تشوف

الرأي

حَمَلَة السلاح وحَمَلَة الطباشير

في الوقت الذي انضم فيه إدريس جطو لقافلة رجال الدولة الذين يصرون على شيطنة نساء ورجال التعليم، من خلال إثارة نقاش مغلوط حول مسألة الغياب، وعلى رأس القافلة رئيس الحكومة، نجد وزير الداخلية يصر بوضوح على الدفاع عن موظفي وزارته، وخاصة رجال السلطة، بالرغم من الحوادث التي كان بعض هؤلاء أبطالا لها. هكذا وقبل يوم واحد من قراءة إدريس جطو لتقريره الذي تضمن معطيات غير دقيقة، إن لم نقل مغلوطة، حول تغيبات موظفي قطاع التعليم، تدخل وزير الداخلية محمد حصاد في المنصة ذاتها، ليرد على أسئلة برلمانية تهم «تجاوزات رجال السلطة». والملاحظ في رد وزير الداخلية هو أنه كان واضحا وصريحا في الدفاع عن موظفي القطاع الذي يشرف عليه. ففي مقابل اعترافه بوجود تجاوزات سماها بـ«المعزولة»، من طرف رجال السلطة، عندما أشار مثلا إلى أنه «خلال سنتين تم عقد 18 مجلسا تأديبيا، عرفت عزل 70 رجل سلطة»، فإنه بالمقابل لم يفته بأن يذكر بظروف العمل الصعبة التي يعمل بها هؤلاء، والتي تفرض عليهم ما أسماه «أعباء جسيمة»، ومنها «الاحتكاك المباشر بالمخالفين للقانون».
رد محمد حصاد هو درس لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني، الذي لا يفوت أي مناسبة للحديث بالسوء عن موظفي القطاع، والدرس هنا هو أن الاعتماد على معطيات جزئية وحالات معزولة للإساءة لكل موظفي هيئة التعليم، هو أمر مرفوض تماما، بل ولا أخلاقي. فكما اختار وزير الداخلية عدم الانجرار وراء الدعاوى التي تجمع رجال السلطة على صعيد واحد مع قائدي القنيطرة والدروة، المتهمين على التوالي بالتعنيف والتحرش، مفضلا بالمقابل التذكير بالأعباء الجسيمة التي يتحملها هؤلاء، فإننا تمنينا أن يأتي اليوم الذي يعتلي فيه وزير القطاع قبة البرلمان، أو أي منبر آخر، ليدافع بالطريقة ذاتها عن الأعباء الجسيمة التي تنوء بها أكتاف نساء ورجال التعليم اليوم، ليذكر الرأي العام بحقيقة أن حوادث التغيب والإخلال بالواجب المهني التي تتورط فيها أقلية محدودة جدا من نساء ورجال التعليم لا يمكن إطلاقا أن تطمس حقائق التضحيات الخرافية التي تقوم بها الأغلبية الساحقة من نساء ورجال التعليم، سواء في المدن، وهم يعانون يوميا نتائج تدهور صورة المدرسة العمومية في المجتمع المغربي اليوم، أو في القرى وهم يواجهون ظروفا سيئة، وبعضها لا نبالغ إن قلنا أنها ظروف غير آدمية. تمنينا أن ينطق رئيس الحكومة، وهو المصاب بإسهال التصريحات غير المسؤولة في حق نساء ورجال التعليم، وكان آخرها بمناسبة الإضراب العام الأخير، أن يستيقظ فيه رجل التعليم الذي كانه قبل ثلاثين سنة، ويقول كلمة حق في هذه الفئة من الموظفين، والذين يتهافت الجميع اليوم لشيطنتهم والإساءة لهم. تمنينا، على الأقل، أن يتذكر تضحيات نساء ورجال التعليم، وهم الذين حملوه على أكتافهم إلى منصبه على رأس الحكومة، بعد عقود كان فيها مجرد واعظ منسي في زقاق ضيق بحي المحيط، ويقول لهم «شكرا»، ولو من باب قوله تعالى «ولا تبخسوا الناس أشياءهم». ولكن هي أمنيات فقط.. أمنيات في ظل حكومة قررت أن تبادل الحقائق والوقائع بالأوهام والمغالطات، تماما كما تبادل التضحيات بالنكران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى