الرأي

رجاء.. احترم عقلي

عندما نفكر فنحن بحاجة إلى التحرر من كل ما قد تفرضه علينا سلطة ما، مجتمعية كانت، أو أبوية، أو مدرسية، أو سلطة أستاذ أو خال، أو عم أو صديق .. لكي نستطيع بفكرتنا الوصول إلى قناعة تعبر عنا -نحن-لا عن المجتمع أو عن الأستاذ أو عن الأب والأم أو حبيب، فواجب علينا أن نمنح لعقولنا نصيبها من الحرية كي تنتج تصورا يناسبنا -نحن- .. لا شخصا آخر.
المجتمع العربي مجتمع لم يستطع بعد أن يستوعب مبدأ حرية الفكرة، واستقلاليتها وتجردها من كل ما قد يقص جناحيها من عادات وأعراف وطقوس .. فمازال الأستاذ يفقد أعصابه إن خالفه تلميذه ومازال الوالد يصرخ في وجه ابنه إن أبان عن تصور لا يناسب قناعات والده .. مازلنا نفرض على أبنائنا الوصاية حتى في التفكير، وفي الحلم، و في الاختيار ..
فابن الطبيب يجب أن يكون طبيبا، وابن المحامي يجدر به أن يكون محاميا كوالده، وابن الداعية يجب أن يصعد المنابر .. نقزم أحلام أبنائنا لنجعلها توافق أهواءنا، لكي نستشعر لذة الاستنساخ، لذة متشبعة بطعم الغرور وتمجيد الرأي الأوحد!
قد تكون أستاذي ومعلمي وقد تكون حبيبي وقد تكونين أختي وقد تكون أعز شخص أملكه، كل هذا لا يعني أن أتطابق معك شكلا ومضمونا، كل هذا لا يجبرني أن أكره ما تكره وأحب ما تحب، كل هذا لا يعنيني إن وصلت لقناعة لا تغريك، كل هذا لا يهمني إن تبنيت موقفا لا يوافقك، كل هذا لا يغير من محبتي لك ومن احترامي لك شيئا . فيحق لي، ولك .. أن نفكر بالطريقة التي تناسب عقولنا، يحق لي، ولك .. أن نتخذ المواقف التي تتطابق مع قناعتنا دون أن تمارس أو أمارس سلطة عليك أجعلك بها نسخة عني .. فلا عيب إن كان ابنك أدبي الشغف وأنت علمي التخصص .. لا سوء في أن تحب ابنتك كتابة الرواية وأنت تحبين الجراحة، لا بأس أن يخالفك تلميذك في تصورك عن السياسة العالمية والحروب المفتعلة .. ليس بالأمر الخطير أن ترفض صديقتك معاداة صديقة أخرى لأنها فقط لا تروقك .. لا بأس في أن أختلف عنك فكرا مادام اختلافي لن يجعلني أكن لك الكره والضغينة.
يستحيل على مجتمع أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام مادام يسكنه فكر سجين .. سجين التقاليد، سجين الإكراه، سجين تأله الكبار .. لا يقدر وطن أن يتخطى تخلفه مالم يسمح للعقول بحرية التفكير .. وحرية الاختيار .. وحرية الموقف، فلا عجب أن نسمع عن مجتمعات بلغت أقصى مراتب الإنتاج عندما سمحت للفكر الحر أن يتطور ويعيش، وأخرى ما زالت تقتل أبناءها لأنهم فكروا بالشكل الخطأ، وتجرؤوا على استخدام خلاياهم الدماغية بما لا يرضي الجو العام والتخلف السائد .
احترموا عقول أبنائكم ابتداءً من سنواتهم الأولى، دعوا لأفكارهم الصغيرة القدرة على التحليق بعيدا عن عقدكم المجتمعية واتركوا لعقولهم المساحة الكافية لكي تتمدد وتبلغ مرادها من البحث والتساؤل .. فالقمع الفكري لا ينتج لنا سوى عاهات بشرية، لا تخرج من صندوق المجتمع الأسود الذي يجعل من كل فكرة جديدة، تهمة تقتل صاحبها وإن لم تثبت إدانته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى