الرئيسية

رشيد الصباحي وحياة بلعولة.. شريكان في مهنة المتاعب وفي خندق المعارك

حين سئل الإذاعي المغربي رشيد الصباحي عن سر اختياره زميلة في «دار البريهي» زوجة له، قال: «كانت شابة تدعى حياة بلعولة تعمل إلى جانبي في الإذاعة، وبحكم هذا التقارب، حصل بيننا نوع من الاحتكاك المهني، وكنا نلتقي لأجل العمل، لأننا كنا نعمل في استوديو واحد ولكن كل تبعا لاختصاصه، ثم إن وجود نوع من القرابة العائلية دفع بنا نحو شراكة الزواج، بعدها تبين أن حياة ربة بيت مقتدرة توازي بين عملها في البيت وخارج البيت».
لم تكن الإعاقة حاجزا في وجه علاقة بدأت أخبارها تتسلل إلى العاملين في المحطة الإذاعية، بل إن التفاهم ذوب جميع الإكراهات التي انتصبت أمام شاب رأى النور في العاصمة الرباط سنة 1950، وعاش كفيفا منذ ولادته دون أن يتمكن الأطباء من علاج المرض الذي أغمض عينيه. لكن الفتى الضرير وضع شخصية عميد الأدب العربي طه حسين مثلا أعلى وراح يحطم الحواجز، حيث درس في مؤسسة تابعة للمنظمة العلوية للمكفوفين في الرباط والدار البيضاء، وتشبع بطريقة «برايل»، ما مكنه من الحصول على شهادة الباكلوريا وولوج كلية الحقوق التي تخرج منها سنة 1978 وفي حوزته شهادة الإجازة، (شعبة العلوم السياسية).
بفضل إدريس العلام، الذي كان يقدم برنامجا للأطفال، تمكن الفتى رشيد من المشاركة في إعداد الحلقات ما مكنه من التشبع بأبجديات العمل الإذاعي وهو لازال طالبا، بل إن العلام فسح له باب تنشيط بعض البرامج الخاصة بالأطفال، حين لمس حجم الرغبة التي تسكنه، خاصة حين أوكل له مهمة إعداد برنامج خاص حول المعاقين سنة 1973، إلى نهاية 1975، أطلق عليه اسم «عالم النور»، وكان يهدف من خلاله إلى إبراز طاقات وكفاءات الأطفال المكفوفين.. لكن الصباحي لم يوظف بشكل رسمي في الإذاعة إلا سنة 1979.
في تلك الفترة كانت الشابة حياة بلعولة تدشن مسارها الإعلامي من المحطة الجهوية لإذاعة العيون سنة 1976، قضت في ربوع الصحراء سنوات التأسيس لتلتحق سنة 1980 بالإذاعة المركزية بالرباط. وفي أول جلوس لها وراء الميكروفون، طلب منها مشاركة رشيد الصباحي في إعداد برنامجه الصباحي، قبل أن تنتج لنفسها برنامجا آخر، «مجمع الأحباب» الذي نالت من خلاله شهرة واسعة، وكانت تشرك فيه جمهور المستمعين في الحديث حول كل القضايا بما فيها الفنية· وحولت هذا البرنامج إلى جلسة حميمية بصوتها الشجي.
كانت حياة هي عين رشيد على العالم الخارجي، حيث كانت تساعده على إنجاز العديد من الالتزامات، فيما ساعدها على وضع مجموعة من التصورات لبرامج جماهيرية لقيت استحسان المتلقي. ونجحت حياة، على الرغم من وجود من كانت تسميهم «أعداء النجاح»، الذين تربصوا بها وعاشت من جراء معاركهم وضعية نفسية سيئة. لذا اختارت أن تواجههم بزيارة الديار المقدسة وأداء مناسك الحج وتعبئة الوجدان بالإيمان والتقوى.
جعل رشيد وحياة من عش الزوجية مرفأ آمنا كلما داهمتهما غارات الخصوم، وفضلا الاعتناء بالأبناء وتحويل البيت إلى ملحق لمكتب الإذاعة، ففيه يضعان البرامج على سكة النجاح، سيما وأن الزوج انتقل من صحفي إلى مشرف على قسم الإنتاج الإذاعي، وهو المنصب الذي لم يزد حياة إلا استهدافا من طرف من تعتبرهم إخوة في الحرفة أعداء في الحياة.
على امتداد زواجها من رشيد الصباحي، ظلت حياة سعيدة بابنهما «رؤوف»، الذي كان ملاذها حين يضيق الحال، كما أن ابنتها «فاطمة» شكلت مرسى الدفء حين كانت تشعر بالبرودة وهي تنساب في جسدها.
اختارت فاطمة التمثيل واختار رؤوف الإخراج والإعلام، لأنهما استنشقا الفن والإعلام في ثنايا بيت ينطق بالإبداع.
حصل بين الزوجين انفصال فرضته إكراهات العمل المشترك، ومشى كل إلى غايته، وهو يقول إن «القدر شاء». وفي ظرفية الفراق عاشت حياة معركة جديدة مع المرض، إثر نزيف في الدماغ حولها إلى أسيرة مصحات، وفي 25 مارس 2007، ودعت الأسرة الإذاعية الحاجة حياة بلعولة، وثم دفنها بمقبرة «الشهداء» بالرباط، بحضور عدد كبير من زملائها وزميلاتها الذين شيعوها بعيون دامعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى