شوف تشوف

الرئيسية

سعيد أكبور.. الدركي الذي صنع جزءا من مجد البطلة نجاة الكرعة

ولدت نجاة الكرعة سنة 1982 في حي شعبي بعين عتيق، التابعة إداريا لعمالة الصخيرات- تمارة، وسط أسرة تتكون من خمسة إخوة آخرين كلهم يعانون من الإعاقة، إلا أن رب الأسرة ومعيلها لمفضل الكرعة وزوجته فاطمة العرعاري، أصرا على ركوب التحدي وتحويل الإعاقة إلى طاقة تجعل كل الأبناء أبطالا.
قالت ليلى، الشقيقة الكبرى لنجاة، إنها استمدت عزيمتها من واقعة طرد تعرضت لها حين كانت تعمل في أحد المصانع بالمنطقة، وعادت إلى بيتها حزينة بعد أن قرر مسؤول مغربي إبعادها بسبب قصر قامتها، علما أن مسؤولا فرنسيا كان وراء التحاقها بالشركة، إيمانا منه بدور الشغل في إدماج المعاقين.
وحكت ليلى نكبتها لأشقائها ودعتهم إلى الإقبال على الرياضة، لأنها الوسيلة القادرة على تحصينهم ضد عاديات الزمن الجاحد. وفي اجتماع مغلق لـ«مجلس إدارة» أسرة الكرعة، تقرر بالإجماع التمرد على الوضع السائد والتسلح بالعزيمة من أجل بلوغ أعلى درجات التألق.
انطلقت موهبة نجاة بممارسة فنون الحرب بإحدى قاعات عين عتيق، بل إنها حصلت على شهادة تدريب، إلا أن إعجابها بأبطال ألعاب القوى غير وجهة نظرها، وجعلها تحلم بصعود «بوديوم» التتويج، على غرار نوال المتوكل ونزهة بيدوان وفاطمة عوام، وغيرهن من المتوجات بالذهب العالمي، خاصة بعد أن انقطعت عن الدراسة وهي في مستوى الرابعة إعدادي، بسبب إصابة خطيرة تعرضت لها في إحدى الحصص الدراسية.
انضمت نجاة إلى نادي الفتح الرباطي، وبدأت بتخصص القفز على الحواجز مع الأسوياء، قبل أن تعود إلى جمعية تمارة لممارسة الركض السريع، إلى أن وجدت في البطل السابق فاتحي راعيها الرسمي الذي وضع تجربته كبطل في رمي القرص، رهن إشارتها، وحين تنبأ لها بمستقبل زاهر، قررت نجاة استكمال المسار وقطع المسافات بين عين عتيق والمركز الرياضي لألعاب القوى، غير متنازلة عن الحلم الذي طالما طاردها في نومها ويقظتها، لتنطلق في حصد الميداليات والبطولات، والبداية كانت سنة 2006 بهولندا لتتوالى الانتصارات من بلد إلى آخر، من إنجلترا إلى نيوزيلاندا، مرورا بالدول العربية، حتى أضحت نجاة شعلة أولمبية تشعل الضوء في عتمة المسار المغربي حين يضيق الحال بالأسوياء.
تعرفت نجاة الكرعة، خلال رحلاتها المكوكية بين عين عتيق وتمارة، على الدركي سعيد أكبور، الذي عايش معاناتها اليومية ولاحظ إصرارها الكبير على الانتقال من شابة مهمشة إلى بطلة عالمية. كانت نجاة تروي لسعيد تفاصيل معاناتها بعد أن تحول إلى مستشارها الرياضي الذي يتقاسم معها مخاض ولادة بطلة، رغم أنه كان بطلا في السباحة.
تعامل معها سعيد على أنها «إنسانة سوية، وذات مهارات وإبداعات خاصة، وليست ذات حاجات خاصة». ويبدو أن تقدير الذات والثقة في النفس، والتفكير الإيجابي، كانت مفاتيح نجاحها في تحقيق ما كانت تطمح إليه، كما يقول الدركي الذي تقدم لخطبتها. وفي سنة 2008 دخلت نجاة القفص الذهبي، بعد اقتناع مشترك وإصرار على استكمال المسار تحت سقف واحد.
ولأن الزوج يشتغل في سلك الدرك الملكي، فقد تطلب منهما الأمر انتظار بحث روتيني من القيادة العامة انتهى بالموافقة على الزواج، وبعد شهور قررا الانتقال إلى شقة لا تبعد كثيرا عن سكن الوالدين، وإنشاء عش زوجية ترمي فيه نجاة زوجها بعبارات الود بدل رمي الأقراص.
قال سعيد أكبور لـ«الأخبار»، إن التزاماته المهنية تحول دون مرافقة زوجته في رحلاتها الخارجية، لكنه شاركها فرحة الظفر بجائزة محمد بن راشد آل مكتوم للإبداع الرياضي٬ في نسختها الرابعة٬ خلال الأسبوع الأول من شهر يناير 2013، حين سافر معها إلى دبي، ليتقاسم وإياها فرحة التتويج بلقب فخري يمنح سنويا لشخصيات وأسماء رياضية تقديرا لها على إسهاماتها في مختلف الأصناف الرياضية.
تأمل نجاة في الحصول على لقب آخر يسكنها، وتمني النفس بمولود طالما انتظرته، لتنال لقب «أم»، لكنها تعلم أن الأمر بيد الواحد الأحد، فتصرف نظرها على حلم الأمومة، وتفكر في حصد المزيد من الذهب والسير إلى أبعد حد في سكة الألقاب، مستلهمة رغبتها هذه من قطار يمر بالقرب من بيتها، ويذكرها بأن العزيمة تصنع المجد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى