الرأي

عزيزي الصحفي..

لا يمكن لقبيلة الصحفيين إلا أن يبتهجوا وهم يسمعون وزارة الاتصال تخصص لهم منحة أو دعما، سموها ما شئتم، لمساعدتهم على نوائب الدهر. والحقيقة أن تتبع المراحل التي مر منها خروج هذه المنحة إلى العلن، وليس الجيوب، يصلح لكي يكون سيناريو لفيلم مكتمل الأركان.
لا أدري في ماذا كان يفكر وزير الاتصال الذي لا يمكن أن نحصي له إنجازا، باستثناء جلوسه في طاولة واحدة مع كل الذين يعرفون كيفية تشغيل الحاسوب ونشر المقالات، ويعتقدون أنهم صحفيون، ليدرس معهم واقع الصحافة الإلكترونية. ويبدو أن وزيرنا في الاتصال يريد دعم خلق نوع جديد من الصحافة لا توجد إلا في المغرب، فالمعروف في دول العالم أن الصحافة واحدة وطرق النشر فيها متعددة. يمكن أن تنشر الأخبار في الصحف الورقية وعبر الحمام الزاجل أو في قارورات تُلقى في البحر، كما يمكن نشرها عبر المواقع الإلكترونية. فبدل أن يحاول الخلفي احتواء هذا القطاع وجعله مندمجا مع الصحافة التي نعرفها جميعا، ويمنع المتطاولين الذين يعتقدون أن أول خطوة لممارسة الصحافة في المغرب هي سرقة «الويفي» لنشر الأخبار، قام بفتح الأيام التواصلية ولا أدري ماذا أيضا، حتى يستمع للصحفيين «الإلكترونيين»، وهذه الصفة لا توجد إلا في المغرب والدول المتخلفة.
ما كاد الصحفيون المساكين يستيقظون من هذه الصدمة الأولى، حتى خرجت عليهم وزارة الاتصال بقنبلة منحة الدعم التي قررت أن تفوتها لنقابة الصحفيين، التي لا ندري ماذا يكون دورها بالتحديد، حتى يوزعوها «بمعرفتهم» على الصحفيين.
أطوار المسلسل الشيق بدأت عندما أعلنت النقابة عن بدئها دراسة طريقة توزع بها هذا الدعم الحكومي على الصحفيين الذين أصبحوا يشبهون المطلقات والأرامل. ولأن بعض النقابيين لا يفهمون إلا بطريقة الخشيبات، فقد تفتق ذكاؤهم عن خطوة عجيبة تتمثل في توزيع استمارة يجيب فيها الصحفي عن أسئلة بليدة، حتى تكون للنقابة المبجلة نظرة عن وضعه المادي. والحقيقة أنني عندما طالعت تلك الاستمارة عن طريق الزملاء، بحثت فيها طويلا عن مدة الإنجاز، لأنها في الحقيقة تصلح امتحانا لمادة التسول، وليس لاستقاء المعلومات.
متى كان الصحفيون الحقيقيون في حاجة لدعم وزارة الاتصال. الوزير نفسه يعلم أن عددا كبيرا من الصحفيين المزاولين للمهنة منذ سنوات طويلة، لا يتوفرون اليوم على بطاقة الصحافة التي اشترطتها النقابة للحصول على الدعم. وفي المقابل هناك مستحاثات بشرية لا يرون أسماءهم مطبوعة إلا في لوائح وزارة الاتصال التي تعترف بهم اليوم كصحفيين مهنيين، في حين أنهم لم يكتبوا مقالا منذ أيام ركن التعارف في المجلات الخليجية.
بمباركة وزارة الاتصال يستطيع هؤلاء الحصول على بطاقة الصحافة، ويمكن لوزير الاتصال أن يرفع سماعة هاتفه ويتصل بالزملاء المحترمين حتى يخبروه بوجود ممتهنين لمهن أخرى، حاصلين على بطاقة وزارة الاتصال، يستعينون بها كلما «حرق» أحدهم الضوء الأحمر، أو أراد إرعاب مدير مؤسسة ما.
ارفعوا أيديكم عن الصحافة، واتركوا أبناءها في حالهم. لا نريد دعما من الوزارة لأننا لا نعمل في وزارة الثقافة ولسنا فنانين نشتغل كل رمضان. الصحفيون المساكين يستيقظون في الصباح الباكر ويخوضون كل يوم حربا ضروسا مع لوح المفاتيح ويتمددون كل مساء في مقاهي المملكة ليرتاحوا من وعثاء السفر الجليل بين الصفحات.
الإهانة الحقيقية التي تطول الصحفيين اليوم، في جميع القطاعات المرئية والمسموعة والمكتوبة، هي محاولة وزارة الاتصال تفويت هذا الدعم لنقابة لا دور لها إلا التنديد والاستنكار وإصدار البيانات والبلاغات التي ترفض وتشجب ما يطول بعض الزملاء بين الفينة والأخرى. لو أرادت وزارة الاتصال تحسين ظروف الصحفيين، كان عليها أن تفرض مثلا على أولئك الذين يفتحون الجرائد كما تفتح الدكاكين، شروطا ومعايير مادية، تضمن كرامة الصحفيين أولا، والوزير نفسه يعلم جيدا أن هناك صحفيين بيننا اليوم عاطلون لأن الجرائد التي شغلتهم أغلقت في ظروف غامضة. إذا كنتم تظنون أن دعما كهذا، قد ينهض بوضعية الصحفيين، الذين جعلتموهم كالمتسولين، فإننا أمام كارثة حقيقية، لأن هذا يعني أن مشكلة الصحافة هم القائمون عليها وليس التضييق على الحريات أو أي شيء آخر.
معالي وزير الاتصال، أيها النقابيون، اقتسموا الدعم بينكم، بمعرفتكم، وامنحوا الأشباح الذين لا تصدر أسماؤهم لا في الصحف ولا في أي مكان إلا في اللوائح، دعما يستعينون به على نوائب الدهر، واتركوا الصحفيين لحالهم.. فهم يعلمون جيدا أن أقصر الطرق إلى الاغتناء هي السمسرة أو المتاجرة في «الغبرة»، وليس الجري وراء الخبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى