شوف تشوف

الرأي

عز الدين العراقي في «اتحاد كتاب المغرب»

لم يستغرق الوقت طويلا. أشر الدكتور عزيز الحبابي، من دون تفكير، على عضوية طبيب تقدم بطلب الانتماء إلى اتحاد كتاب المغرب. ولم يمانع رفاقه في المكتب المركزي في أحقية رئيس مصلحة الجراحة الصدرية في مستشفى ابن سينا بالرباط، أن يتمتع بصفة كاتب، مثل غيره من الأدباء والشعراء والنقاد.
لم يكن الانتساب إلى الاتحاد ترفا، أو صفة في متناول اليد. وعلى رغم محدودية النشر في الملاحق الثقافية للصحافة الحزبية السائدة وقتذاك، فإن معايير الاختيار كانت دقيقة، لا تسمح بولوج نادي الثقافة لغير حماة شرف الكلمة. وإن لم يتسن التأكد من واقعة أن الزعيم علال الفاسي، الذي كان عضوا فاعلا في اتحاد كتاب المغرب، كان وراء اقتراح انضمام الدكتور عز الدين العراقي إلى اتحاد كتاب المغرب. فالثابت أن المنظمة كانت تحظى بتقدير الزعامات السياسية، ومخاوف السلطة السياسية.
دافع عبد الكريم غلاب عن الدكتور عز الدين العراقي، باعتباره كاتبا ألف في الأدب والثقافة والأبحاث الأكاديمية، ولم يكن تولى بعد مسؤولية في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال. وأسعفه مروره بقطاع التعليم، قبل أن يصبح وزيرا للتربية الوطنية، في الاهتمام بإشكاليات معرفية. وبسبب طبعه الانطوائي لم يكن يرغب في الواجهة، ويقول عارفوه إنه كان يحفظ الشعر ويجادل في القضايا الأدبية والفكرية في جلسات غير مفتوحة. ورأيته مرة يتناول عشاءه وحيدا في فندق فخم في مراكش، كان لا يزال وزيرا أول. وقيل لي لا تستغرب فمن عادته أن يكون بلا رفقة.
واضطر الزعيم النقابي محمد نوبير الأموي إلى أن يرد على صاعه أثناء محاكمته بتهمة القذف والتشهير بحكومة العراقي، إلى القول أمام المحكمة، إن الرجل لم يكن عادلا في توزيع نقاط الامتحانات على طلبته في كلية الطب، وكان يفضل «سلالات» على أخرى.
شيء غير محتمل وغير مقبول، فالانتساب إلى عالم الثقافة والفكر يحرر الإنسان من أي رواسب سلبية. لكن الرجل الذي كتب في أبحاث طبية، ظلت تغويه نبرات أدبية. وكانت تلك وسيلته في الانضمام إلى اتحاد كتاب المغرب في فترة عرفت المزيد من المعارك الفكرية والأدبية والسياسية، غير أن بوادر الولاء الحزبي كانت بدأت تظهر. وبينما يصطف كتاب إلى اليسار يعارضون ثقافة السلطة، ويناهضون أساليب التهجين، اختار آخرون صف الموالاة، على طريقة من يرقص لا يخفي وجهه. اندلعت نيران سياسية، ليس بين التقليد والحداثة، كما هو شأن كل الظواهر الثقافية فحسب، بل بين اتجاهات متباينة في النظر إلى دور الثقافة ومسؤولية المثقفين الطليعيين في ترسيخ أسس ثقافة فاعلة ومتفاعلة ضمن محيطها الأقرب والأبعد.
لكن غالبية حملة الأقلام ومبشري الإبداع كانوا أقرب إلى مواقع المعارضة، بل إنهم صاغوا معالم مواجهة ثقافية متقدمة في حينها. وحين أرادت السلطة أن تفرض هيمنتها على اتحاد كتاب المغرب، عبر تجييش الموالين من مثقفيها لسرقة الاتحاد، أو تحويل مساره، وجدت نفسها تخوض حربا بلا أسلحة.. كون الثقافة ارتبطت بالالتزام، كما تحددت مفاهيم الالتزام في رفع لواء الدفاع عن الحرية والتصدي لثقافة الخنوع. وتدل أعداد الأدباء المنتمين إلى اتحاد كتاب المغرب، من بين الذين رمي بهم في الزنازين، على حقيقة خشية السلطة من ثقافة التغيير.
ربما لا يعلم كثيرون أن عضو اتحاد كتاب المغرب الدكتور عز الدين العراقي، الوزير الأول الأسبق، تحمل مسؤولية الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، استنادا إلى ما قدم عن سجله في الكتابة الأدبية والأبحاث الأكاديمية، على ندرتها. فقد كانت الصفة إلى جانب التجربة السياسية من بين المؤهلات التي تتطلبها هكذا مسؤولية في أكبر تنظيم دولي بعد حركة عدم الانحياز التي توارت في الظل.
وعرف عن الكاتب عبد القادر الصحراوي، أنه تحمل مسؤولية وزارة الأنباء، وفي استبيانات عن شخصه أنه كان عضوا في اتحاد كتاب المغرب، إضافة إلى انتمائه السابق إلى كتلة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المعارضة في البرلمان. فقد كان قلمه خارجا قبل أن يستبدل مداده ويغمسه في محبرة أخرى. وكان الكاتب محمد العربي الخطابي من أبرز دعاة الانفتاح على الصحافة الأجنبية والثقافة العربية، ما أهله بدوره لتولي مسؤولية وزارة الأنباء في فترة لاحقة، وبقي وفيا لعادته في احتساء قهوته على سطح مقهى في الشارع العام، وممارسة الكتابة التي لم ينقطع حبلها.
في رواية أن الكاتب عبد الكريم غلاب، الذي شغل رئاسة اتحاد كتاب المغرب والنقابة الوطنية للصحافة، كان يتوق إلى منصب وزير الثقافة، وجاء من يقترح منصبا بديلا كوزير منتدب مكلف بالإصلاح الإداري. ولا يمكن استثناء عضوين آخرين بارزين في اتحاد كتاب المغرب هما الصديق محمد الأشعري والزميل الراحل محمد العربي المساري.
من يذكر أمجاد اتحاد كتاب المغرب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى