الرئيسية

«فنانات بين قوسين»

مراد العشابي

سيكون على الصحافيين الذين يرغبون في إجراء حوارات مع بعض «الفنانات» الصاعدات ألا يكتفوا بآلة تسجيل بل عليهم أن يصطحبوا معهم عدلين و12 شاهدا وموثقا محلفا، وأن تحلف «الفنانة» المستجوبة بأن لا تغير تصريحاتها كما تغير ملابسها كل يوم.

هذه الاجراءات الاحترازية والاستباقية أصبحت ضرورية لسبب بسيط يتمثل في أنه ما أن تنشر الصحيفة نص الحوار كاملا غير منقوص ودون تحوير، كما تقتضي ذلك الأعراف المهنية، حتى تسارع «الفنانات» الصاعدات إلى التنكر لأقوالهن ونفيها جملة وتفصيلا، والأدهى من ذلك أنهن يتطوعن لإعطاء دروس في الصحافة والنزاهة والموضوعية، وتحولن صفحاتهن الاجتماعية إلى منبر لتوزيع صكوك الاتهام على الإعلاميين وصكوك الغفران والبراءة والنقاء والصفاء على أنفسهن وكأنهن قديسات لم يأت الزمان بمثلهن أبدا.

حدث هذا مرتين على الأقل مع الممثلة لبنى «الخطار» حسب تعبيرها، بطلة فضيحة «الزين اللي فيك» التي اتهمت سعيد الناصري بالتحرش، وكما حدث مع المغنية خريجة المدارس اللندنية سحر الصديقي والتي اتهمت بدورها بعض المخرجين المغاربة الذين يطلبون السهر معها بالتحرش، وهو ما أجبرنا بعد نفي «الفنانتين» لمحتوى الحوارين معهما أن نرد لهما الصاع صاعين عبر نشر التسجيل الكامل لتصريحاتهما على قناة موقع «فلاش بريس» على اليوتيوب حتى يكون القارئ على بينة من «لعب الدراري» الذي أصبح لازمة في الوسط الفني مما أكد لنا بالحجة والدليل صحة الحكمة المغربية التي تقول «اللي تصحر مع الدراري يصبح فاطر» أو «اللي تصحر مع سحر ولبنى الخطار يصبح فاطر».

وإذا كانت بعض الفنانات تنقصهن الموهبة، فإن البعض الآخر تعوزه الشجاعة، فهن غالبا ما يستعملن الإعلام من أجل تصفية حسابات شخصية، لكن ما أن يتصل بهن كل من أحس بنفسه أنه مقصود بكلامهن حتى يسارعن إلى إعلان براءتهن مما نشرته الصحف براءة الذئب من دم يوسف، وتحميل الصحافي تهمة اختلاق التصريحات والمواقف ولعل حداثة سنهن وضعف تجربتهن لم يسمح لهن باكتساب وازع أخلاقي يحصنهن ضد الكذب والعبث، خصوصا أن حبل الكذب قصير لن يساهم أبدا في أن يتسلقن الدرجات ويحرقن المراحل في طريقهن إلى اكتساب أمجاد فنية زائلة إن لم تكن وهمية.

قد نتفهم قليلا تعطش «الفنانات» الناشئات إلى الوصول بسرعة في عالم تطغى عليه وسائل الاتصال الحديثة التي بإمكانها خلق «فنان» في خمس دقائق لكي يحصد ملايين المشاهدات و»الأيكات» على المواقع الاجتماعية، الفنان أصبح في زمننا هذا مجرد سلعة تباع وتشترى وترمى بعد الاستهلاك، فهذا عصر «الفاست فن» على وزن «الفاست فود»، الذي هو بلا لون ولا طعم، لا يسمن ولا يغني مستهلكه من جوع، إنها صناعة تفريخ نجوم بلا غد ولا مستقبل ولا وزن، اللهم إلا وزن الريشة في ميزان الفن الحقيقي القابل للحياة والاستمرار على امتداد الأجيال والعصور وهناك من «الفنانات» و»الفنانين» من يرتضون لأنفسهم وضعية البضاعة سريعة الاستهلاك التي تمكنهم من الاغتناء السريع قبل أن يغادروا الميدان غير مأسوف عليهم، فهنيئا لهم ما اختاروا أصابوا أو أخطؤوا، لكن لا ينبغي أن يضحوا من أجل الوصول إلى ذلك المبتغى بالفضيلة الأخلاقية والنزاهة في السلوك والمصداقية كأشخاص أولا قبل أن يكونوا فنانين، فقد نغفر لهم رداءة منتوجهم الفني لكن يصعب أن نتغاضى عن التردي الأخلاقي والسلوكي، ولن نطبق في حقهم أبدا مضمون شعار: «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى