الرئيسية

فنانون مغاربة ضحايا البوليس السياسي وقطاع الطرق ومجرمي الأنترنت

إعداد: حسن البصري

خلقت الممثلة المغربية دنيا بوطازوت الحدث، حتى وهي تغيب عن شاشة التلفزة وتكتفي بإطلالتها على المغاربة من نافذة الوصلات الإشهارية، بعد أن تعرضت لحادثة سير يوم الجمعة الماضي، على مشارف مدينة مراكش وتحديدا في حي المحاميد، حيث ضايقها أحد السائقين بعد مطاردة أربكتها، وجعلتها تفقد السيطرة على سيارتها فتصطدم بجذع شجرة.
توبع المتسبب في حادثة انقلاب سيارة دنيا بتهمة «عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر والفرار»، بعد أن كانت بوطازوت تلح على البعد الإجرامي للمطاردة وتطالب بمتابعته بتهمة «محاولة القتل». نقلت الفنانة المغربية إلى مصحة خصوصية، حيث خضعت لإسعافات خفيفة لأن الإصابة كانت طفيفة، بينما نقل السائق إلى سجن بولمهارز في انتظار حسم القضية.
صنف الإعلام المغربي الحادثة في خانة «الاعتداء على الفنانين»، رغم أن القضية لا تعدو أن تكون سوى مناوشة طرقية يمكن أن يتعرض لها كل مستعملي الطريق، بل إنها لا تنطوي على بعد إجرامي، حسب شهادة السائق أمام القضاء، لأنه لم يكن يعرف أن المعنية هي فنانة مشهورة.
لا يمكن مقارنة حادثة بوطازوت بحادثة السير التي تعرضت لها الفنانة اللبنانية اسمهان، التي انجرفت بها سيارتها في مجرى مائي بمصر، فلقيت حتفها على الفور.. لكن علامات استفهام عديدة انتصبت حول وفاة أسمهان، بل إن زوجها الثالث أحمد سالم، وأم كلثوم أول من ظلموا في موتها، كما لا يمكن أن نصنف حادثة بوطازوت في خانة العدوان الممارس على الفنانات على غرار ذكرى التونسية، أو حين قام متطرفون دينيون بتصفية المخرج العالمي مصطفى العقاد وابنته، كما أدى تحزب بعض المطربين إلى تصفيتهم الجسدية كما حصل للمطرب العراقي البعثي داوود القيسي واللائحة طويلة.
تغيرت الجرائم المرتكبة ضد الفنانين، فأخذت أبعادا أخرى وانتقلت من التصفية الجسدية إلى جرائم «تافهة» كالقرصنة وتسريب أعمال فنية قبل عرضها وفي أسوأ الحالات التحرش والاعتداء الالكتروني.

بقر علال ينطح الكوميدي الحبيب القدميري
مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، عاشت البلاد تحت وقع الجرائم السياسية، وأصبحت التصفية الجسدية وجبة يومية بين مغاربة، قاموا بإجلاء المستعمر دون أن يتمكنوا من إجلاء الضغائن والأحقاد. امتد الصراع بين الاستقلاليين والشوريين ليتجاوز نزاع السلطة إلى محاولة بسط النفوذ على الفن والفنانين، حيث أصيب المغاربة بالهلع حين امتدت يد بوليس حزب الاستقلال لتسكت صوتا انتقد بسخرية الزعيم علال الفاسي، فقد تم اغتيال الفنان الفكاهي الحبيب القدميري في بداية الاستقلال في إطار عمليات تصفية معارضي حزب الاستقلال. يقول المحجوبي أحرضان في مذكراته، إن القدميري ذهب ضحية اعتقاده بأن الاستقلال جاء بحرية الرأي. حصل ذلك في مرحلة كانت فيها يد «المسيرين»، وهم مفتشو حزب الاستقلال المكلفون بخلايا الحزب، أطول من يد المخزن، «يستطيعون القيام بما يريدون، بما في ذلك فرض إتاوات على أصحاب الثروات، حيث كانت بطاقة الحزب كفيلة بتحويل أي خائن إلى مقاوم وبتحويل أي مقاوم إلى خائن»، وحسب رواية المحجوبي، فإن تصفية الفنان الكوميدي جاءت «مباشرة بعد تقديم إحدى سكيتشات القدميري على أمواج الإذاعة تقول الأم لولدها:
ـ قل لي يا وليدي، آشنو هو هاذ الكنز اللي لقيتي حتى وليتي تلبس هاد الشي؟
فيرد الابن: ـ أنا وليت مسير حزبي.
وكانت تلك الكلمة التي قتلت القدميري، الذي اختطف واغتيل».
لكن الرواية الأقرب إلى الحقيقة هي التي رواها الفنان عمر محسن السملالي الذي اشتغل ضمن طاقم برنامج فكاهي كان يقدم على أمواج الإذاعة تحت عنوان «رفه عن نفسك»، «أصل الحكاية سوء تأويل لكلمة قالها الفنان الحبيب القدميري، حين كان يقدم عرضا ساخرا في سينما المامونية بالدار البيضاء، حين فاه بكلمة «بقر علال»، فاعتبرها الاستقلاليون إهانة لرمز سياسي وهو علال الفاسي، فتقررت تصفيته جسديا، حيث اختطف من باب منزله في سيدي فاتح بالمدينة القديمة، لينقل إلى شاطئ مريزيكة، ويقتل رميا بالرصاص فتسجل الجريمة ضد مجهول.
في نهاية ثمانينات القرن الماضي، عاشت الفنانة ثريا جبران، وضعا مشابها لمحنة القدميري، لكن بخسائر أقل، فقد اختطفت على يد مجهولين، حين كانت تستعد للمشاركة في برنامج تلفزيوني. احتجزت ثريا وتم حلق شعرها على نحو غريب وتعريضها لكدمات لازالت خدوشها منقوشة على جسدها، فقد فضل النظام أن يكتب تحذيراته على رأس ثريا بسبب «الرسائل السياسية المزعجة لدوائر السلطة». وعلى نفس الموال نال كثير من الفنانين الذين أزعجوا النظام بسبب تغريدهم خارج السرب، حيث ذاقوا مرارة الحصار تارة والمصادرة تارة أخرى ثم الاعتقال مرات عديدة، على غرار سعيد المغربي وأحمد السنوسي، وغيرهما من الفنانين.

باطما يستنجد بفتوات الحي المحمدي
تعرض الفنان الراحل العربي باطما أحد مؤسسي مجموعة ناس الغيوان في نهاية الثمانينات لهجوم من طرف قطاع طرق، حين كان في طريقه إلى بيته، مساء ذات ليلة ممطرة، عند مدخل العمارة التي كان يقطن بها في ممر سوميكا غير بعيد عن شارع محمد الخامس بالدار البيضاء، تعقبه لصوص منذ مغادرته إحدى الحانات وقرروا سلبه ما بحوزته من نقود كشف عنها في جلسته مع بعض أصدقائه.
يقول حسن السكراتي وكيل أعمال فنانين وصديق الراحل العربي، إن اللصين استغلا عدم وجود مصباح في الدرج المؤدي إلى شقة باطما، فرصدوا تحركاته البطيئة، وأجهزوا عليه، «صاح العربي أنا باطما أنا باطما لكن لصا كان منهمكا في تفتيشه ظل يرد عليه «مكنعرفوا لا باطما لا فاطما»، بينما كان رفيقه يشهر في وجهه سكينا ويحكم قبضته عليه، كي لا يصرخ فيتحلق حولهم الناس».
يضيف السكراتي، وهو يحكي لـ «الأخبار» ما بعد انصراف اللصين اللذين جرداه من مبلغ مالي قدره 2000 درهم ورسموا على وجهه كدمات، «قال لي العربي إنه لم يكن يتوقع اعتراض سبيله من طرف لصين في الدرج المفضي إلى الشقة، لقد اتصل «عروب» هاتفيا بأحد أصدقائه في بيته ودعاه إلى استنفار بعض فتوات الحي المحمدي للقيام بعملية تمشيط في المدينة بحثا عن الجانيين». لكن المثير في القضية أن أسماء الفتوات كانت تثير السخرية، بل إن العربي اعتبر الحادث ضربا للمجموعة التي كان مجرد الانتماء إليها وقوفا في صف الشعب.

المؤبد لقاتل البيضاوي فنان العيطة
أدانت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، السائق قاتل المطرب الشعبي عبد الله الشناني المعروف بالبيضاوي، بالسجن المؤبد بتهمة «القتل العمد مع سبق الإصرار» و»السرقة الموصوفة»، كما أدين رفيقه بالسجن عامين بتهمة «إخفاء» مسروق.
أصل الحكاية يعود إلى ليلة من ليالي شهر شتنبر 2013، حين عثر على المطرب عبد الله البيضاوي، الذي كان يبلغ حينها 64 سنة من العمر، جثة هامدة على سريره في بيته بمدينة المحمدية، وبعد أن توجهت أصابع الاتهام إلى سائقه الشخصي تم توقيفه في مراكش وبحوزته أموال ومجوهرات كانت ملك الهالك.
تقول محاضر الضابطة القضائية المسربة إلى الصحافة، «بعد اعتقاله مباشرة سلم المتهم المسروقات للفرقة المكلفة بالبحث حيث اعترف أن السيارة تركها بمدينة ابن جرير وبإرشاد منه تم التوصل إلى مكان السيارة (توارك رمادية اللون تحمل رقم -أ- 14)، بأحد المواقف بالمدينة، قبل أن يعترف بأنه بعث المفاتيح ووثائق السيارة عن طريق البريد بواسطة ظرف إلى عنوان الضحية بمدينة المحمدية».
أحيطت القضية بكثير من التكتم وأصر المتهم على أن السرقة هي الدافع وراء الجريمة، بينما كشفت تفاصيل التحقيق عن وجود أشياء غامضة في الملف. لكن تصريح رئيس الفرقة الجنائية لأمن المحمدية بدد كل الشكوك حين قال: «أقسم بالله أن مقتل الفنان الشعبي عبد الله البيضاوي من طرف سائقه كان الهدف من ورائه هو السرقة فقط، أما ما تم ترويجه من إشاعات من طرف بعض أفراد عائلة الأخير حول وجود دوافع جنسية بين الضحية والقاتل فلا أساس لها من الصحة، وأن الهدف من ورائها هو البحث فقط عن ظروف التخفيف للقاتل».

اعتداءات بالجملة وتنديدات بالتقسيط
في مثل هذا الشهر من العام الماضي تعرض الممثل المغربي حسن ميـكيات، لاعتداء شنيع من قبل صاحب فرن شعبي ومعاونيه بحي النهضة 2 بالرباط، الحي الذي يقطنه حسن، مما دفع بهذا الأخير إلى تقديم شكاية لدى الدوائر الأمنية متهما خمسة أشخاص أحدهم صاحب الفرن، بالاعتداء عليه وعلى ابنه عبد الرحمان البالغ من العمر عشرين سنة.
استعان صاحب الفرن في مواجهة فنان وابنه بالسلاح الأبيض والعصي وهو ما دفع ميكيات إلى تعزيز شكواه بشهادة طبية تؤكد إصابته برضوض على مستوى العين والرقبة، مع تحديد مدة العجز البدني في 30 يوما.
حسب رواية الفنان المسرحي التي أدلى بها للمحققين، فإن دوافع النزاع تعود إلى «صراع دام سنوات بين ساكنة الحي الذي أقطن فيه، وصاحب فرن شعبي، حيث سبق للساكنة أن وقعت على عريضة تقدمت بها إلى قائد المنطقة، توضح من خلالها الأضرار التي تلحقها وأطفالها جراء ما يصدر عن الفرن من روائح كريهة ودخان يتسبب في اختناقهم، خاصة أن صاحب الفرن يستعمل وسائل مختلفة منها عجلات السيارات الفاسدة وغيرها من الوسائل التي تتسبب بدرجة أولى في تلويث البيئة ومحيط الحي». وبعد محاولات التسوية ووعد بإصلاح ما أفسده الفران تقرر طي الملف.
وغير بعيد عن حي النهضة، نجا المسرحي عبد الحق الزروالي، من موت محقق بمدينة الرباط حين كان في طريقه إلى بيته بسلا، إذ اعترضت سبيله عصابة بالقنطرة الفاصلة بين العدوتين، حيث حوصر من طرف سيارة أخرى، اعتقد أن الأمر يتعلق بمطاردة معجبين قبل أن ينكشف سر المطاردة، ويغادر الجناة سيارتهم وهم يشهرون أسلحة في وجه عبد الحق الأعزل، فأصبح في مواجهة عصابة حقيقية لا علاقة لها بالمشاهد السينمائية، أطلق الرجل ساقيه للريح وأطلق نداء استغاثة في منتصف الليل استوقف بعض مستعملي الطريق ففر أفراد العصابة.
كما تعرضت الفنانة المغربية سعاد العلوي، في واضحة النهار للسرقة المقرونة بالضرب والجرح، مما خلف جروحا طفيفة على مستوى الركبة واليد اليمنى. لم تلجأ سعاد للقضاء، لكنها عبرت في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي عن تذمرها من العدوان: «تعرضت للسرقة من طرف ثلاثة أشخاص.. ولينا كنتكريساو مع 2 ديال النهار. هاد الشي ولا كيخلع».
وتعرض الفنان الأمازيغي علي الدعناي، أحد قيدومي المسرح الأمازيغي، لاعتداء بالضرب ومحاولة السرقة، بمدينة أكادير، حين كان في طريقه إلى مقر عمله صباحا، وأمام مرآى الجميع. ونقلت صحيفة محلية تصريحا للمعتدى عليه قال فيه: «طلبوا مني تسليمهم الدراجة وما بحوزتي.. أخبرتهم أنني فنان مسرحي.. ماعقلوش عليا ضربوني وشفروني». لكن أمام سيل المداهمات التي استهدفت الفنانين، فإن الهيئات النقابية تفضل اللجوء إلى الصمت بدعوى تداول القضية في المحكمة.

كوميديون «بغاو يضحكو هجروه»
سجلت بين الفينة والأخرى اعتداءات بأقل خسائر بشرية، لكنها لم ترق إلى درجة الجريمة التي تستهدف الفنان مع سبق الإصرار والترصد، ومنها من ذهبت إلى حد المطاردة والتهديد بالقتل، كما حصل مع الفنان الكوميدي محمد الخياري، أو ما يعرف بواقعة سوق الأربعاء، حين حاول صهر مسؤول تصفية الخياري بالسلاح الأبيض، على حد قول هذا الأخير. وكانت انتقادات الفنان لطريقة تدبير المدينة وراء هذا الهجوم.
وتعرض الكوميدي جمال قويد مدير «مهرجان طنجة للضحك» لاعتداء من طرف مجهولين بمنطقة الشرف. وحسب فصول الرواية فقد كان جمال برفقة صديق له مقيم في الديار الاسبانية، قبل أن تتم مداهمتهما من طرف مجهولين يحملون أسلحة بيضاء، بل إن أحد المعتدين قام برشهما بعبوة غاز مسيل للدموع «كريموجين» مما اضطرا معه للقفز من أعلى الربوة، متحملين رضوضا وجروحا وكدمات نقلا على إثرها إلى قسم المستعجلات، «الأمر لا يتعلق بمجرد حادث عرضي، بل هو تصفية حسابات لبعض الأشخاص من أعداء النجاح، خصوصا بعد اعتراف ثلة من الفنانين المغاربة بالنجاح الباهر الذي عرفته الدورة الأولى من مهرجان طنجة للضحك»، يقول جمال في تصريحاته الصحفية.

الجريمة الإلكترونية تهدد أهل الفن

تعرض الممثل المغربي سعيد باي لتهديد بالقتل حرقا من قبل متطرفين مجهولين، مما اضطره إلى رفع شكاية في الموضوع إلى الدوائر الأمنية، منتدبا محاميا أصر على متابعة صاحب التغريدة المهددة بـ «الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص و سلامتهم وحرياتهم والتهديد باختطافهم أو احتجازهم»، واصفا هذا التهديد الالكتروني بالعمل الإرهابي.
جاء التهديد بالقتل على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الهاتف من طرف مجهولين على خلفية مشاركته في الفيلم الأمريكي «ابن الرب».
واضطر عبد الله الداودي، المطرب الشعبي، إلى رفع شكاية ضد مدون فيسبوكي كان يعمد إلى كتابة بعض عبارات الانتقاد لأدائه مصحوبا أحيانا باتهامات له بسرقة أغاني من بعض الفنانين، فتم اعتقال المدعو «طوطو» وإدانته بالسب والشتم ومحاولة تشويه صورة فنان، لتكشف خيوط القضية عن وجود وكيل أعمال فنانين وراء الجريمة، وهو ما جعل المحكمة تصدر قرارا يؤيد طرح عبد الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى