شوف تشوف

الرأي

في تلازم الدفاع عن الوحدة والحرب على الإرهاب

يعكس التنسيق القائم بين المغرب وإسبانيا، كما غيرها من البلدان الأوروبية، في نطاق التصدي للتهديدات الإرهابية، مستويات متقدمة من الوعي بأهمية بناء حاجز قوي، يحد من مظاهر الانفلات الأمني وتغلغل التنظيمات الإرهابية. وفي الوقت الذي يتأكد عمليا وميدانيا نجاعة هذا التوجه المنطلق من رؤية استباقية، يصبح لافتا أن الأمر لا ينسحب على محور العلاقات بين دول الشمال الإفريقي.
سرعتان مختلفتان، إحداهما تخص الاندماج الجماعي في إيقاع العلاقات المغربية ـ الأوروبية الذي يشمل مجالات التعاون الأمني، كما الاقتصادي والسياسي والثقافي، في مقابل أن المنطقة المغاربية تئن تحت وطأة سرعة غاية في البطء والاتكالية واللامبالاة. ولئن كانت البلدان الغربية والمتوسطية خصوصا هبت إلى مواجهة هذه المخاطر، على خلفية الحادث الإرهابي الذي طال أسبوعية «شارل إيبدو» فاللافت أن حوادث مماثلة وأكثر عنفا لم تحرك سواكن جهود التنسيق على الصعيد المغاربي، مع أن بلدانه، لاسيما ليبيا تعاني من تزايد نفوذ التنظيمات الإرهابية.
الأخطر في ظاهرة الإرهاب عابر القارات أنه يقوض الاستقرار ويضرب مقومات وسلطات الدول في بسط قوة القانون الذي يحظر القتل واستباحة الأرواح وهدر الكرامة وهدم العمران والمعالم الحضارية. في هذا السياق يتعين استحضار الخلاصات التي كان توصل إليها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لدى إعلانه بأن استشراء اليأس وانسداد الآفاق أمام المقيمين في مخيمات تيندوف جنوب غربي الجزائر، قد يدفع إلى تغذية النزعة الإرهابية.
أهمية التصريح الصادر عن أكبر مسؤول في المنتظم الدولي، أنه يشير إلى نوعية المخاطر التي تتدثر وراء أنشطة الحركات المسلحة ذات النزعة الانفصالية. وقبله كان سلفه كوفي عنان قد تحدث عن الدور الذي يضطلع به المغرب من خلال تسييج الأقاليم الصحراوية الآهلة، والحد من تسلل المهاجرين غير الشرعيين وآفات التهريب وتجارة الأسلحة والمنتوجات المختلفة. ما يؤكد أن المغرب في سعيه الدؤوب لحماية سيادته ووحدته الترابية، يضطلع كذلك بدور محوري في الحد من انتشار الظاهرة الإرهابية والجريمة المنظمة ومجالات الانفلات الأمني.
الأوروبيون على الضفة الشمالية للبحر المتوسط يقرون بنجاعة جهود المغرب التي تنطلق من رؤية شمولية متكاملة، تضع في الاعتبار كافة المخاطر، فالانفصال شكل من أشكال الإرهاب وإن تدثر بلبوس مختلف، والهجرة غير الشرعية وكل ما يترتب عن النزوح الجماعي يعتبر نتاج أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية يغيب فيها الاستقرار والتنمية. وبالتالي لا يمكن الاطمئنان إلى أي جهود فردية أو جماعية، من دون استئصال الأسباب الكامنة وراء إشاعة عدم الاستقرار.
في قضية الدفاع عن السيادة والوحدة، يقوم المغرب بواجبه كدولة متحضرة ذات حقوق مشروعة غير قابلة للتصرف تحت أي طائل. غير أن الثابت أن اندلاع نزاع الصحراء خلال فترة الحرب الباردة كان جزءا من صراعات النفوذ لاقتسام المناطق. والكل يذكر كيف أن المعسكر الشرقي وكوبا في حينه دخلوا على الخط. ولم يزد ذلك الموقف المغرب إلا إصرارا على التمسك بعدالة قضيته المشروعة، وإن قوبل وقتذاك بنوع من الحيف من النادي الغربي الذي كان يكتفي برقابة تطورات الأوضاع.
انقلبت المعادلات، ولم يتغير شيء من يقين المغاربة أنهم ربحوا قضيتهم في الحرب والسلم معا، خصوصا وأن الموقف الوطني عززته مبادرات بناءة، تعكس الجنوح إلى السلم والعدل والإخاء، في مقابل انكفاء الأطراف الأخرى وراء سياج التعنت ومحاولات تبخيس جهود الأمم المتحدة.
في مناسبة احتدام الأزمة مع السويد، وهي بلد أوروبي، يتعين إبلاغ الأوروبيين صراحة وبكل شجاعة أن دفاع المغرب عن سيادته التزام مبدئي لا محيد عنه. وأن اندماجه في صلب الحرب على الإرهاب كما غيره من الآفات والظواهر ليس مجالا للمقايضة. فقط ينبغي أن يدرك الأوروبيون في أقصى الشمال أن الانجذاب إلى الطرح الانفصالي تحت أي ذريعة إنما يروم بث الفوضى وعدم الاستقرار، ليس في المغرب فحسب، بل في كل منطقة الشمال الإفريقي، ولابد هنا من استحضار الهاجس الأمني الذي يكتنف النظرة الأوروبية، خصوصا في ظل النزوح الجماعي للاجئين القادمين من سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان وما إلى ذلك من الأصقاع التي تعاني من عدم الاستقرار.
على أن الأهم في منظومة الاستقرار أن المغرب اختار طريق الوحدة والديمقراطية، وهو بصدد جعل الصحراء نقطة ضوء تشع على الجوار المغاربي والساحلي والإفريقي، وأي تقييم خارج هذا المنظور محكوم عليه بالإفلاس وقصور الرؤية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى