الرأي

في مدح رئيس الحكومة

« لا شك أن هذا الرجل أخطأ على الشريعة كما أخطأ على الحكمة والله الموفق للصواب والمختص بالحق من يشاء» – تهافت التهافت
بأي معنى يمكن فهم الخطأ في تدبير الأبرياء؟ ولماذا يكلف الخطأ في السياسة الاحتراق بنار الماسات؟ ألا يكون هذا الشعب عرضة للتدمير عندما يصبح غريباً في وطنه تتحكم فيه جماعة مصابة بمرض الصراع؟ ألا يكون هذا السيلان في العدمية السياسية مجرد إعلان عن التقاعد المطلق؟ وكيف يمكن لمن أخطأ في حق المجتمع العلمي أن يعتذر وهو يمتلك الجمهور عشاق الجلاد؟ ألم يكن رفع الظلم على المظلوم شعاركم؟ والحال أن بعض السياسيين لا يجدون الأتباع إلا بعد زمن طويل، في حين أن آخرين يفقدون بعد فترة ما كان لديهم من أتباع، ذلك أن الاعتماد على المتقاعدين والأرامل، والمرضى، سيحول السياسة إلى مقاولة تبحث عن النزلاء، وتقوم باضطهاد كل معارض، وبخاصة الطبقة المثقفة التي تواجه بسلاح الإقصاء والعنف والظلم، ومن العقيم أن يصبح التيار المدني مهيمنا على البحث العلمي، ويعين المريدين على رأس المؤسسات، من أجل إرغامها على العدمية، فهناك رجل ينتمي إلى القرون الوسطى، يتحكم في مصير المستقبل، ويجتهد في البحث عن التغطية الصحية من أجل سلامة الأبدان، والتمتع بالمنح، لكن ينسى أن هذه الأبدان فقدت الأرواح، وإلا ما معنى سنة بيضاء في الكليات؟ وما معنى الامتحان في حصتين على الأكثر؟ ألا تكون شهادة الزور أكبر خطأ في حق الأمة؟.
يتحدث الفارابي عن أهل المدينة الجاهلة التي يسيرها حزب الله قائلا: «وإذا عرفوا من الخيرات بعض هذه التي هي مظنونة في الظاهر أنها خيرات.. وهي سلامة الأبدان، اليسار والتمتع باللذات، وأن يكون رئيسها مكرماً ومعظماً. فكل واحد من هذه سعادة عند أهل المدينة الجاهلية»، وبما أن أهل التيار الديني لم يتجاوزوا مرتبة النظار، فإنهم لا يفهمون سوى لغة التراث الكلامي والسفسطائي، ولذلك سنحاورهم بهذه اللغة المشتركة بين العقل الأنواري والعقل الأسطوري لأن اللغة مأوى الروح، ومسكن الوجود، والإنسان ثروة لا تقدر بثمن. والذين يتحدثون معه بلغة الأرقام، لا يفهمون هذا الإنسان الممزق الكينونة. يتحرك أمامهم بالأبيض، لون السلام، ولكنهم يواجهونه بالأسود لون الحرب، فكيف يمكن أن يحقق سعادته في السياسة الجاهلة؟ ولماذا يحرم من السياسة الفاضلة؟، ألا يكون هو نفسه مسؤولا عن شقائه عندما يختار العزوف السياسي ويترك السياسة تصارع المتقاعدين والأرامل وتجار الحقيقة؟
يقول الفارابي: لا يمكن لأي إنسان أن يكون رئيساً للدولة الفاضلة لأن الرئاسة تكون بسببين: أحدهما أن يكون بالفطرة والطبع معداً لها، والثاني بالهيئة والملكة الإرادية، لأن الرئاسة تتحكم بأرواح الناس الذين يضعون نفوسهم كوديعة عندها. ومن الحكمة أن تتوفر في الرئيس الذي نريده اثنتا عشر خصلة، وهي حسب الفارابي: «أن يكون تام الأعضاء، جيد الفهم، ذكيا، حسن العبارة، محباً للتعليم، غير شره على المأكول والمشروب والمنكوح، محباً للصدق، كبير النفس، وأن تكون الثروة هينة عنده، ثم أن يكون قوي العزيمة» فهل تتوفر هذه الشروط في رئيس حكومتنا؟ أم أننا سنصاب بصدمة السياسة المقدسة ونهاجر كما فعل ابن باجة والفارابي وابن رشد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى