الرئيسيةمجتمعمدن

قرى إقليم بولمان تدخل في عزلة

بولمان: محمد الزوهري

تعيش العشرات من دواوير إقليم بولمان في عزلة قاتلة، بسبب هشاشة الطرق المحلية وانعدامها في أغلب المناطق النائية، ما يجعل الوصول إلى العديد من التجمعات السكنية أمرا في غاية الصعوبة على متن وسائل النقل العمومي، الأمر الذي يفرض على الأهالي، في أفضل الحالات، التنقل على متن الدواب أو على الأرجل صوب المراكز القروية والأسواق المحلية أو في اتجاه الطرق المعبدة، لأجل قضاء المآرب الخاصة، وتتعقد الأمور أكثر في الحالات المرضية المستعجلة والولادات المستعصية، ما يجعل بعض المواطنين يذهبون ضحايا هذا الوضع.

تهميش وعزلة
يؤكد عدد من سكان المنطقة أن مظاهر العزلة التي يعيشها الإقليم منذ الاستقلال، وكذا صعوبة تضاريس المنطقة، ساهمتا في تكريس مظاهر التهميش والعزلة، وأدخلها في دوامة النسيان. وفي هذا الصدد يرى عبد الغني البوريسي فلاح من جماعة «فريطيسة» أن الحاجة إلى الطرق بالمنطقة صارت أشبه بالحاجة إلى الماء والمواد الغذائية، باعتبار أن الطريق تمثل شريان الحياة والوسيلة الأساسية للتنقل من أجل جلب الماء والتغذية.
وبينما تتعقد حياة سكان المناطق القروية ببولمان، صار هؤلاء مقتنعين بأن شق الطرق القروية نحو مداشرهم، كفيل بالنهوض بمستوى عيشهم ورفع الغبن عنهم. ويوضح نجيب أحد شباب منطقة الرميلة بنواحي «أوطاط الحاج» أن السكان قادرون على فتح المسالك الطرقية صوب دواويرهم إذا ما توفرت لهم وسائل العمل اللازمة والمساعدات الكافية من قبل الجماعات المحلية أو مندوبية وزارة التجهيز بالإقليم.

بنية هشة
من علامات هشاشة البنية الطرقية بالإقليم أن انهارت قنطرة حديثة التشييد، مُقامة على وادي «شوف شرق»، في بداية الصيف الحالي، ما تسبب في شل شرايين الحياة بين مدينة ميسور والمناطق القروية المجاورة، حيث أصيب الأهالي حينها بالذهول، وتساءلوا «كيف تشوهت فجأة معالم هذا الجسر الذي لا يتجاوز عمره سبع سنوات، بعدما ظلوا إلى الأمس القريب يتنقلون عبره لقضاء أغراض حياتهم اليومية، خاصة وأنه لم تكن هناك أمطار ولا فيضان تسبب في هذا التصدع».
وسبق للقنطرة ذاتها أن شيدت في 2008 بدعم مالي يقدر بملايير السنتيمات من دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد ظلت قنطرة واد «شوف شرق» الممر الوحيد الذي يربط كل دواوير الجماعة القروية «سيدي الطيب» بمدينة ميسور، كما أن هذه القنطرة لم تعمر سوى سنوات قليلة. واللافت أكثر أن وادي «شوف شرق» ليس دائم الجريان، ولا تعرف المنطقة سوى تساقطات مطرية رعدية بين الفينة والأخرى.

pont_maksour

مشاريع طرقية
تبلغ مساحة إقليم بولمان نحو 15 آلف كلم مربع، وتقطنه ساكنة لا تتجاوز مائتي وخمسين ألف نسمة، غالبيتها قروية. ويتوفر الإقليم على شبكة طرقية بطول يناهز حوالي 2000 كلم مربع، منها 169 كلم فقط وطنية مبنية، وأزيد من ألف كلم إقليمية، غالبيتها العظمى غير معبدة، عبارة عن مسالك تتعرض للانجراف والانقطاع خلال تساقط الثلوج والأمطار.
وتتحدث المديرية الجهوية للتجهيز في بولمان أن استفادة الإقليم من البرنامج الوطني للطرق القروية الممتد على مدى عشر سنوات، أسهم في إنجاز 328 كلم من الطرق بغلاف مالي ناهز 165 مليون درهم. وأوضح تقرير صادر في وقت سابق عن المديرية أن هذه البرنامج ساهم في رفع نسبة الاستعمال الطرقي من 29 إلى 52 في المائة، وساهم أيضا في ربط الإقليم بالأقاليم المجاورة كتاوريرت وفكيك وتازة.
ويشكل البرنامج الوطني الثاني امتدادا للبرنامج الأول، حيث مكن أيضا من إنجاز 263 كلم من الطرق القروية، منها 112 كلم تم إعدادها بشراكة بين وزارة التجهيز والنقل بنسبة 85 في المائة والمجالس المنتخبة، بغلاف مالي يفوق 155 مليون درهم.
ومكن هذا البرنامج، حسب مديرية التجهيز دائما، من فك العزلة عن 40 ألف ساكن قروي تقطن بـ 85 دوارا، وكذا ربط إقليم بولمان بإقليم صفرو المجاور، ورفع نسبة الاستعمال الطرقي إلى 66 في المائة، بعدما شمل هذا البرنامج أربع عمليات بطول إجمالي يصل إلى 83 في المائة، وذلك إلى حين الوصول إلى مستوى المعدل الوطني للاستعمال الطرقي والمقدر بـ 80 في المائة.
ومن المشاريع المنجزة، أخيرا، وفق مندوبية التجهيز، بناء الطريق الرابطة بين الطريق الجهوية 503 والطريق الإقليمية 5101 بجماعة انجيل، التي تمتد على مسافة تزيد عن 13 كلم وتصل بدوار عشلوج، حيث ساهمت في فك العزلة عن 3100 مواطن يقطنون بستة دواوير، فضلا عن مساهمتها في ربط الساكنة بمستوصف ومدرسة ومسجد بالمنطقة.

الدواب للتنقل
رغم هذه المشاريع الطرقية المعلن عنها، فإن أرض الواقع مازال يكشف عن اختلالات عميقة ومظاهر عزلة قاسية بالكثير من المناطق الجبلية وشبه الصحراوية ببولمان، حيث تعيش العشرات من الدواوير النائية حصارا لا يطاق، يتعمق أكثر خلال تساقط الثلوج أو حدوث العواصف الرعدية، ما يجعل الأهالي ينقطعون عن العالم الخارجي لعدة أيام، كما حصل في شهر أبريل الماضي بالنسبة للعشرات من السكان بمنطقة «فريطيسة»، عندما حاصرتهم الثلوج طوال أكثر من أسبوع، في حين يتعين على نسبة كبيرة من سكان الإقليم استعمال الدواب على وجه الخصوص للتنقل للأسواق والمرافق الإدارية والاجتماعية المحلية، كوسيلة وحيدة لقضاء أغراضهم الخاصة، ولو تطلب منهم الأمر قطع عشرات الكيلومترات، بسبب انعدام سبل المواصلات الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى