الرئيسية

قريش وبنكيران والطير الأبابيل

بعد أن خذلتها المنجزات وتراجعت شعبيتها، أصبحت قيادة الحزب الحاكم تقتصر على أسلوب الرياء لإرضاء الشعب وطلب ود أصوات الناخبين. ومن سمع القيادية والبرلمانية في حزب العدالة والتنمية، آمنة ماء العينين، تطلب من الشعب المغربي حماية التجربة السياسية الحالية لأنها «من صناعته ونابعة من إرادته»، سيتيقن أن الحزب الحاكم لم يعد يحس بأدنى حرج في أن يرتضي لنفسه المناصب والرواتب وامتيازات ونعيم السلطة، في حين يرتضي للشعب «الكرفي» ويطلب منه تنفيذ ما عجز هو عنه.
وفي أسبوع واحد فقط خرج الوزير رباح يدعو إلى اليقظة ومحاربة المفسدين وأباطرة الانتخابات، وقبله خرج الوزير الرميد يطلب من المواطنين إسقاط الرشوة بالمكالمات الهاتفية، أما القيادي التليدي فقد حذر بدوره من اختراق مجتمعي وخلق لفتنة داخلية، في حين اختار البرلماني بوانو هو أيضا أسلوب التحذير من الخرجات الإعلامية للجهات الداعمة للفساد، فيما دعا حسن حمورو، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بدوره الإعلام إلى لعب دور الضمير في عملية الانتقال الديمقراطي، أما «سيدهم» بنكيران فقد فضل في هذا الشهر المعظم إحياء صلة الرحم مع شعاراته التي حملته إلى السلطة، وقال في لقاء باللجنة الوطنية لحزبه: «سنستمر في معارضة الفساد والاستبداد إلى النهاية»، مع أن المؤسف حقا هو أن بنكيران لم يجد من يهمس في أذنه ليقول له: «هادي راها قديمة عندك».
كل الأحزاب الحاكمة في العالم تتكلم إلى الشعب بالأرقام والمنجزات وتعرض حصيلتها ومشاريعها التي وعدت بها في برنامجها الانتخابي، أما عندنا فوزراء حزب العدالة والتنمية يتنقلون في سيارات مصفحة ويحكمون باسم السلطة التنفيذية، ويمارس فريقه البرلماني سلطة التشريع ومساءلة الحكومة ومنتخبيه في المجالس الجماعية يقررون في عيش المواطنين ويتحكمون في صرف ميزانيات ضخمة، وحين يتكلمون يفعلون ذلك وكأنهم «أيها الناس»، يشتكون ويفتون ويتوعدون ويقدمون النصح، وهذه هي «حنة إيديهم»، التي يقبضون مقابلها كل شهر الرواتب والامتيازات من المال العام، أما برنامجهم الذي بفضله نالوا ثقة الناخبين، فأصبح مجرد تذكار مزعج من زمن «الربيع العربي».
لقد كان علينا أن ننتظر سماع أرقام التقرير السنوي لبنك المغرب الذي قدمه عبد اللطيف الجواهري أمام الملك، لنكتشف أن كل ما وعد به بنكيران وحزبه من نسبة نمو ورفع نسب التشغيل وخلق الثروة والتقليص من العجز والتضخم، لم يتحقق منه شيء، والأخطر من ذلك أن بلادنا حققت، خلال الولاية الحكومية الحالية، إحدى أكبر حالات الاندحار على المستوى الاقتصادي كما كشفتها أرقام بنك المغرب، وظهر جليا بعد كل هذه السنين أن بنكيران قاد الدولة بمنطق لا يختلف كثيرا عن «شطارة الغربال يطلق الدقيق ويشد النخال»، بعدما «زير السمطة» على الشعب وأطلق الحزام للقروض الخارجية وقلص من الاستثمارات العمومية، ووضع البلاد وخيراتها ومواردها رهينة لدى البنك الدولي والمؤسسات البنكية المانحة، والنتيجة اليوم هي 5 مغاربة من أصل 10 بدون عمل، وتسريح بعشرات الآلاف لليد العاملة من القطاع الخاص وتدنّ خطير للقدرة الشرائية وتراجع كبير للقروض الموجهة للسكن، دون الحديث عن إفلاس للمدرسة الوطنية ووضعية الصحة العمومية.
أرقام تقرير بنك المغرب لا تختلف كثيرا عن الأرقام التي نسمعها هذه الأيام بخصوص الأزمة الاقتصادية في اليونان، التي ظلت تعيش طيلة 30 سنة على القروض الأجنبية والمساعدات الأوربية حتى أفلست الدولة ولم تجد من أين تؤدي فواتيرها للبنك الدولي الذي أصبح بنكيران زبونا فوق العادة لديه، لكن حين كان والي بنك المغرب يطلع الملك على خطر السكتة القلبية الثانية التي دخلت إليها البلاد، كان السي بنكيران «فوق السداري مدور عليه المخاد» بمنزله يخطب في «الفايسبوك» عن غزوة بدر..!
هذا باختصار هو المشهد العام الذي توجد عليه الدولة اليوم، أما بنكيران فقد تحول إلى داعية برتبة رئيس حكومة يقضي بقية ولايته «متكي» في بيته وفكره مشغول بقريش والطير الأبابيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى