مدن

قصبة تادلة.. مدينة أقبرتها السياسات الإسمنتية

قصبة تادلة، «الحفرة»، أو «مدينة المتقاعدين».. أسماء متعددة لمدينة تخدع زائريها بجمالها المؤثث بمساحيق عمرانية متراصة على واجهات الشوارع والطرقات ونظافتها التي أصبحت ماركة مسجلة باسمها. ورغم الجمال العمراني للمدينة، فإن ساكنتها تحتاج إلى نماء سوسيو اقتصادي، فأغلبها تعيش على صفيح الفقر والبطالة نظرا لعدم وجود مصانع ومشاريع تستطيع امتصاص جحافل البطالة من مختلف الأعمار.
ورغم تعاقب مئات المنتخبين على المجلس البلدي من مختلف الألوان السياسية حاملين معهم برامج انتخابية صرفت عليها الملايير من الدراهم، فإن دار لقمان بقيت على حالها: بناء عشوائي وفوضى في الملك العمومي وفقر وبطالة في تزايد مستمر.
السكن العشوائي.. تأتي الرياح بما لا يشتهي المسؤولون
شكل القضاء على حي القصبة الإسماعيلية آخر مسمار يدق في نعش السكن القصديري بمدينة قصبة تادلة، لتعلن هذه الأخيرة نفسها مدينة بدون صفيح. ومع حلول سنة 2011 التي صادفت ما سمي «الربيع العربي» وظهور حركة «20 فبراير» بمدينة قصبة تادلة، وما عرفته من دينامية عبر تجمعات ضد الفساد، استغل بعض السكان هذه الحيوية في الخطاب العشريني وانشغال السلطات المحلية بحركة «20 فبراير»، ليشيدوا أحياء عشوائية.
ما بين هيكلة العشوائي ومولاي بوعزة وظهر الحمارة، تجد حزاما عشوائيا يقدر بـ4000 مسكن يفتقد إلى أدني شروط العيش الكريم من (ماء وكهرباء وقنوات الصرف الصحي وطرقات…) ورغم ذلك ترى أسرا تقطن به هاربة من جحيم الكراء. يقول أحمد، وهو أحد القاطنين بالعشوائي: «لقد قهرني الكراء والترحال من منزل إلى منزل، وأتى بي الفقر إلى هنا.. فأنا متقاعد وأجرتي قليلة لا تكفي لتلبية متطلبات العيش، كنت أكتري منزلا بنصف راتبي فقررت أن أشتري بقعة في العشوائي وأشيدها وأستقر بالرغم من غياب الماء والكهرباء وقنوات الصرف الصحي».
هذا وتزداد محنة قاطني العشوائي كلما وطأت أقدامهم الإدارة العمومية للحصول على شهادة السكني، حيث ترفض السلطات تسليمها لهم لأنهم حسب تعبير بعضهم خارجون عن التغطية، لا يتوفرون على رقم منزل ولا على عنوان بريدي، أضف إلى ذلك غياب الأمن حيث أصبح العشوائي وكرا للمنحرفين وتجار المخدرات والدعارة.
وبعد أربع سنوات من المعاناة، يطالب سكان هيكلة العشوائي كل المسؤولين بإخراج تصميم التهيئة العمراني إلى الوجود، معبرين عن استعدادهم للتعاون عبر إعطاء الموافقة على هدم أي منزل يعترض هذا الإصلاح.
من جهته، قال أحد المستشارين بالمجلس البلدي بقصبة تادلة، إن ملف العشوائي يتحمل فيه الكل مسؤوليته (وزارة السكني والتعمير والمجلس البلدي والسلطات المحلية…) ويضيف المستشار الجماعي ذاته أن الجماعة الحضرية لقصبة تادلة التزمت بمسؤوليتها القانونية وأنجزت محاضر مخالفة التعمير ووجهت شكايات إلى وكيل الملك وتابعت الملف إلى حدود صدور قرار الهدم، لكن عدم تنفيذ قرار الهدم في حق ساكنة العشوائي منذ بداية المشكل، يقول المستشار الجماعي، أدى إلى تشجيع البناء العشوائي ما جعل هذا الأخير ينتشر مثل النار في الهشيم، وبالتالي لو تم تنفيذ قرار الهدم لتم طي ملف العشوائي والقضاء عليه.
وتابع المستشار الجماعي قائلا إن التجمع السكني العشوائي أصبح اليوم واقعا يحتاج إصلاحه لملايين الدراهم، والجماعة لوحدها لا تستطيع بميزانيتها الذاتية أن توفر هذه الملايين من الدراهم، لكن مجهود الجماعة خلال الأربع سنوات الماضية، «أفرز لنا، حسب المستشار الجماعي، خروج تصميم إعادة الهيكلة، أي تسطير وثيقة منظمة بالطرقات والماء والكهرباء، بعد ذلك سنسلم هذه الوثيقة لمكاتب الدراسات قصد معرفة التكلفة الإجمالية لهذه التجهيزات، وفي الأخير سنبحث عن المتدخلين والشركاء قصد حل المشكل».
احتلال الملك العمومي
من أجل لقمة العيش
بشارع 20 غشت شريط طويل من الباعة المتجولين من الجنسين، يعرضون بضائعهم على قارعة الطريق، يعلمون أن مكان تجارتهم ممنوع قانونيا وأنهم يهددون سلامة المارة ويشوهون منظر الشارع ويعرقلون حركة السير، فلا الرصيف للمارين ولا الطريق للسائقين، إذ من الصعب أن تقود دراجتك أو سيارتك باطمئنان وسط غابة من الراجلين، خصوصا نهاية الأسبوع.
المسؤولون يغمضون أعينهم عن هذه التجاوزات وكأنهم يشجعونها ويباركون مرتكبيها، فشارع 20 غشت يشكل القلب النابض للمدينة ومتنفس لساكنتها ويعرف حركية في السير و الجولان، ما يجعله قبلة للباعة المتجولين لعرض بضاعتهم على رصيف الطريق باحثين عن دريهمات تخفف عنهم تكاليف الحياة.
يقول الحسين، وهو رئيس جمعية الباعة المتجولين، إن الجمعية تتوفر على 65 منخرطا أغلبهم يبقي موردهم الوحيد هو تلك «الفرّاشة»، فالحسين الذي اشتغل عاملا بمعمل إكوز مدة 22 سنة، لم يجد ما يفعله بعد إقفال هذا الأخير أبوابه غير «الفرّاشة» لتغطية مصاريف الكراء والأبناء، فهو لا يستطيع حسب قوله أن يشتري ساروت محل بالملايين ويؤدي ثمن الكراء، لهذا التجأ إلى الشارع لممارسة تجارته.
وفي انتظار الحلول التي وعدت بها السلطات المحلية في شخص باشا المدينة الذي قال لهم بالحرف بعد حوار طويل، حسب الحسين، «إنه بعد مرور الانتخابات الحالية سيوفر لهم مكان سيخصص للباعة المتجولين حتى لا يستغلها البعض في الحملات الانتخابية الحالية».
من جهة أخرى، قال أحد المستشارين بالجماعة الحضرية لقصبة تادلة، إن مشكل القطاع غير المهيكل والذي يدخل في بابه تنظيم الباعة المتجولين، تفكر فيه الجماعة عن طريق تهيئة سوق نموذجي ينتظم فيه الباعة المتجولون، وهو المشروع التي ستحاول فيه الجماعة المزج بين إمكانياتها والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وبخصوص السوق المركزي، يضيف المستشار الجماعي، أن مداخيل الجماعة مبنية على الأكرية والضريبة على القيمة المضافة، وبالتالي فمشروع السوق المركزي كان في الأساس مشروعا استثماريا ولهذا تم تفويته عن طريق بيع الساروت وأداء واجبات الكراء وفقا لدفتر التحملات.
مشاريع إسمنتية ضد التنمية
تفاءل سكان قصبة تادلة خيرا بمشروع نقل الماء من سد أيت مسعود إلى مدينة خريبكة، فهذا المشروع أنعش خزينة الجماعة بملايين الدراهم، إضافة إلى استفادة الجماعة الحضرية لقصبة تادلة من مشاريع، أهمها تهيئة مدخلي مدينة قصبة تادلة من جهتي بني ملال وفاس، مع إنجاز حديقة «الرياض» بتكلفة مالية تعادل 700 مليون سنتيم، إضافة إلى إنجاز محطة تصفية المياه العادمة التي تصب في نهر أم الربيع، وأخيرا إنشاء مركز تكوين لفريق شباب قصبة تادلة لكرة القدم.
لكن سرعان ما انقلب هذا التفاؤل إلى تشاؤم، فهذه المشاريع- حسب سعيد وهو شاب معطل، هي مشاريع ضد التنمية باعتبار أنه ليس لها أي انعكاس اجتماعي على الساكنة، وخصوصا الشباب الذي يعيش بؤسا اجتماعيا وبطالة جراء افتقار المدينة للمصانع.
ويضيف سعيد أنه لو كان المسؤولون حريصين على مصلحة البلاد، لطلبوا معملا يشغل الشباب وليس مساحة خضراء وبنايات إسمنتية.
من جهة أخرى، أكد أحد المستشارين بالجماعة الحضرية لقصبة تادلة أن المدينة تعرف نسبة كبيرة من الشباب العاطل، لكن مسألة التشغيل ليست مرتبطة بالمجلس الجماعي واختصاصات المجلس الجماعي في الميثاق الجماعي واضحة في هذا المجال، بل مرتبطة بسياسة حكومية.
المسبح البلدي.. تقشف في صحة وسلامة المواطنين
في فصل الصيف يكون المسبح البلدي ملاذا لساكنة تادلة للاحتماء من حرارة الشمس الشديدة، والتي تصل إلى 40 درجة، ونظرا لكون المسبح الوحيد لا يفي بحاجة الساكنة، فإن هذه الأخيرة تطرح علامات استفهام حول أسباب غياب المرافق الترفيهية بالمدينة.
فحديقة الألعاب الموجودة بالمدينة أقفلت أبوابها وأصبحت مفضلة لدى المشردين والمنحرفين، والكلام طال حول تهيئة جنبات نهر أم الربيع، أما المسبح الوحيد في مدينة تقدر ساكنتها بأكثر من 40 ألف نسمة، فإنه يطرح سؤال الوقاية والسلامة لقاصديه.
يقول هشام، وهو أحد قاصدي المسبح البلدي، إن حالة المسبح هذه السنة هي الأسوأ، نظرا للفوضي التي يعيشها هذا الأخير لا من ناحية النظافة ولا من ناحية السلامة الصحية، مضيفا أنه من ناحية النظافة فالمسبح متسخ ومياهه ملوثة، أضف إلى ذلك أنه لا يتوفر على مراحيض ما يجعل قاصديه يقضون حوائجهم داخل الماء وهو ما يهدد سلامتهم الصحية.
وبالنسبة للسلامة يقول هشام إن المسبح صغير مقارنة مع حجم الجيوش البشرية التي تتقاطر عليه من المدينة وخارجها، بالإضافة إلى أن المجلس البلدي الذي يسهر على تسييره هذه السنة يمارس التقشف على سلامة المواطنين من خلال توظيفه لمعلمي سباحة في مسبح يدخله 200 شخص في الحصة الزوالية، دون أن ننسي إقفال المجلس البلدي أبواب مستودعات الملابس في وجه قاصديه ما يعرض أمتعتهم للسرقة والضياع.
من جهة أخرى، لا زال الغموض يلف أسباب تأخر الأشغال بالمسبح النصف أولمبي بالمدينة، والذي كلف الجماعة ميزانية تفوق 600 مليون سنتيم، هذا المسبح الذي كانت الساكنة ترى فيه متنفسا ترفيهيا جديدا لها طول السنة وليس فقط في الصيف، تخاف اليوم أن يبقي ركاما إسمنتيا ينتظر سنوات لبنائه، ومع هذا الانتظار الذي طال أمده تردد الساكنة لازمتها المعهودة «جاء الصيف فتاه الشباب».

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى