شوف تشوف

الرأي

قلة الأدب وتمارين «أوراق الزبدة»

عندما يتدنى النقاش السياسي، يصعد السياسيون بحديث المقاهي إلى مكاتبهم، وهكذا يصرحون بوجهة نظرهم في قضايا الوطن والمواطنين، من باب تزجية الوقت ليس إلا..
الحديث عن الفلسفة والشعر والعداوة التاريخية بينها وبين المواد العلمية، كلام قديم. وبوصول هؤلاء الشعبويين إلى الوزارات، أصبح هذا النقاش أكثر بيزنطية من ذي قبل.
لا بد أن الله يمتحن صبرنا فقط، والأكيد أن هذه السنوات العجاف ستمر سريعا إن نحن تجاوزنا كلام رئيس الحكومة ووزرائه جميعا. إذ لا يعقل أبدا أن يتحدث وزير التعليم العالي عن لا جدوى التعليم العالي في المغرب، وكأنه مواطن عادي ينتقد الأوضاع من صالون بيته، حيث آية الكرسي و«السدادر» وعلب اللوز والمقبلات، ويتبعه رئيس الحكومة، بكل «وزنه» ليقول لنا إن البلاد لم تعد في حاجة إلى الفلسفة والشعر والأدب.
وإذا تأملنا كلامه، فإننا في الحقيقة نخلص إلى أنه لا حاجة فعلا إلى الأدب في زمن «قلة الأدب» التي نتربص فيها جميعا.
الذين يعرفون العلوم الحقة، يدركون جيدا أن الفلسفة هي أساس العلوم جميعا، وكل المناهج العلمية الحديثة التي أسست لبداية التجارب العلمية وتفسير الظواهر الكونية وحتى الصعود إلى الفضاء، بدأت بالفلسفة. المشكل أن علميي الآلات الحاسبة، مثل بنكيران، لا يدركون أبدا جدوى العلوم، ولا يربطهم بها إلا إنجاز التمارين والإعداد للامتحانات على أوراق «الزبدة» التي تباع بالكيلوغرام.. وهذا أمر تتحمل فيه الدولة مسؤولية كبيرة، لأنها لم تلقن أبناء المغاربة أي شيء عن الجدوى من العلوم والرياضيات، وحصرت كل شيء في إنجاز التمارين، والتناوب على مسك الآلة الحسابية العجيبة التي تعج بالرموز والأرقام. ونتيجة هذه الفوضى كلها، أن يصل أستاذ سابق للفيزياء، في المستوى الإعدادي، إلى رئاسة الحكومة، ويصرح دون أن يخجل من نفسه، ألا حاجة بنا إلى الفلسفة والأدب. ولو كان يملك فكرة عن المناهج العلمية والتاريخ الذي مرت به العلوم، لما أصبح رئيس حكومة أصلا!
لو كان بنكيران يدرك قيمة الأدب، وقيمة الفلسفة أيضا، لجلس إلى الأرض، ليكتب عن تصوراته السياسية ويناقش المغاربة والخصوم السياسيين بهدوء، ويشرح تصوراته العميقة للإصلاح السياسي الذي تحتاجه البلاد.
وبما أنه لا علاقة له لا بالأدب ولا بالعلوم، فإنه يكتفي بتفريق التصريحات كيف اتفق، حسب المصالح والمراحل، وهكذا يتحالف مع صلاح الدين مزوار الذي قال إن الإسلاميين ظلاميون.. وهذا الأمر وحده يكشف أن الحكومة كلها بعيدة عن المنطق.. فكيف يؤمن زعيمها بجدوى الفكر والفلسفة!
أخطر ما يعانيه المغرب اليوم هو غياب الفكر السياسي. لا يوجد سياسي واحد اليوم قادر على شرح تصوراته السياسية، هذا إن كانت لديه، وقناعاته أيضا. الكل ينام قرير العين في انتظار الصباح، والكل ينتظر اتصالات الصحافيين ليوثقوا هرطقات السياسيين كل اليوم، ويدبجوها على شاكلة تصريحات صادمة تصلح للعناوين الأولى للجرائد، وينساها الجميع في اليوم الموالي.
إلى الآن.. لا ندري بالضبط شعور أساتذة الفلسفة وهم يسمعون كيف أن رئيس الحكومة، وهو المنصب الذي له دلالة فلسفية عميقة، يستهزئ بالفلسفة والأدب، اللذين لا تقوم حضارة ولا إصلاح بدونهما. ونتمنى فعلا أن يرد عليه أساتذة الفلسفة الحقيقيون..
أما وزير التعليم العالي، فلا يمكن أبدا فهم ما يريد أن يقوله، خصوصا بعد مطالعة البلاغ الرسمي الذي يشرح فيه ملابسات تأويلات تصريحه بخصوص التعليم الخصوصي. فالرجل أحيانا يريد أن يقول إنه يريد فعلا أن يصلح التعليم العالي في المغرب، لكنه يقول إن التعليم انتهى.
هناك حل واحد لمشكلة وزير التعليم العالي مع التصريحات.. عليه أن يتصل برئيسه في الحكومة والأمين العام للحزب الذي ينتمي إليه، ويسأله: من نحن؟ وماذا نريد؟
وسيرى كيف أن رئيس الحكومة لن يملك الجواب أبدا عن سؤال الوزير، لأن الرجلين معا، لا علاقة لهما لا بالتعليم، ولا بالفكر، ولا بالفلسفة. أما الأدب، فقد ذهب مع «الأولين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى