الرئيسية

كريستين السرفاتي.. مدرسة التاريخ والجغرافيا التي تزوجت سجينا رهن الاعتقال

بعد مرور أربع سنوات عل وفاة زوجها أبراهام السرفاتي، اليهودي المغربي الذي كان يعد من أشرس معارضي نظام الملك الراحل الحسن الثاني، إذ قضى ربع قرن بين المنفى والسجن، التحقت كريستين دور برفيق دربها في مثواه الأخير يوم 28 ماي 2014، بعد مرض عضال لم ينفع معه دواء، حيث شيع جثمانها بحضور عدد كبير من اليساريين الذين واكبوا تجربتها النضالية.
توفيت كرستين دور السرفاتي في العاصمة الفرنسية باريس، وظلت تحرص في أيامها الأخيرة على لقاء عدد من مغاربة المهجر الحقوقيين بالخصوص، كما زارها في المصحة الباريسية عدد من معتقلي سجن «تازمامارت الرهيب»، إذ يعود لها الفضل إلى جانب مناضلين آخرين في تسليط الضوء على هذا المعتقل، من خلال كتاب «تازمامارت سجن ملك». هذا فضلا عن أنها لعبت دورا كبيرا في الكشف عن مظاهر الاعتقال السياسي في المغرب خلال سنوات الرصاص، ولم تسلم منه بدورها حيث اعتقلت في المعتقل السري لدرب مولاي الشريف، قبل أن يكون نصيبها المنع من دخول المغرب بقرار من وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، الذي وقع قرار المنع في شتنبر 1991، لكن الأقدار شاءت أن يموت البصري في المصحة ذاتها التي لفظت فيها كريستين آخر أنفاسها.
حين دفن السرفاتي في المقبرة اليهودية بالدار البيضاء، بعد أن عايش الملوك الثلاثة، كانت زوجته كريستين صامتة على امتداد لحظات الدفن، تحاول مداراة دموعها، قبل أن تقول «أشعر أن أجلي قريب، لا نكهة للحياة بعد رحيل السرفاتي». ووقف كثير من السياسيين خلف الكاميرات ليقولوا كلاما في حق الراحل كان من العسير قوله في عهد الحسن الثاني، إذ أجمعوا على الإشادة بشخصية السرفاتي وخصاله النبيلة، والتي قال عنها صلاح الوديع إنه «خبرها خلال سنوات المحنة وعاشا معا في السجن خلال سبعينات القرن الماضي».
يتحدر السرفاتي من أسرة يهودية مغربية كانت تقيم في مدينة طنجة، وتعود جذورها إلى اليهود الذين طردوا من الأندلس عام 1492 واستقروا بالمغرب. بدأ مسيرته السياسية منذ بدايات استقلال المغرب في صفوف الحزب الشيوعي المغربي، وتولى إدارة مكتب اليساري الراحل عبد الرحيم بوعبيد في بداية الستينات، عندما كان هذا الأخير وزيرا للاقتصاد، وهو مهندس في مجال الطاقة ومن أوائل الكفاءات المغربية في ميدان المناجم.
بدأت أولى خيوط علاقة السرفاتي بكريستين حين أسس في بداية الستينات تنظيم «إلى الأمام» الماركسي اللينيني، وما أعقبه من اعتقال ابتداء من سنة 1974 حيث قضى 17 سنة بين الدار البيضاء والقنيطرة.
وإثر حملة دولية لإطلاق سراحه، أفرج عن السرفاتي في بداية التسعينات لكن تم إبعاده إلى باريس حيث عمدت السلطات إلى حرمانه من جنسيته بدعوى أنه «برازيلي»، لكن ذلك لم يدم طويلا، إذ كانت عودة سرفاتي في سبتمبر 1999 من أول قرارات الملك محمد السادس إثر توليه للعرش خلفا لوالده الراحل الحسن الثاني، حيث استقر رفقة زوجته بمدينة المحمدية.
بدأت علاقة كريستين بالمغرب في ستينيات القرن الماضي، حيث عينت مدرسة للتاريخ والجغرافيا في ثانوية محمد الخامس بالدار البيضاء، والتي كانت تحمل اسم «ليسي ليوطي» قبل ترحيلها، وكانت تستغل الحصص الدراسية لتلقن التلاميذ دروسا في السياسة، خاصة حقوق الإنسان، وهو ما أغضب مدير الثانوية الذي لفت نظرها مرارا لهذا الانفلات البيداغوجي دون جدوى، لكنها كانت تسعى لتقوية الوعي السياسي للتلاميذ.
اضطرت مواقف كريستين إلى التماسها الطلاق من زوجها الأول الذي كان يشترك معها في مهنة التدريس بالمؤسسة التعليمية ذاتها، خاصة بعد أن أصبحت رفيقة أبرهام الذي دعته للاختباء في منزلها بدرب غلف لمدة طويلة هروبا من مطاردة المخبرين، قبل أن تهتدي الشرطة إلى المخبأ السري سنة 1974، وتعتقل السرفاتي وعشيقته، وهو ما زاد من تعلق كريستين بالمناضل الشيوعي، إذ عقدا قرانهما سنة 1990 وهو حينها في السجن، ويبدو أن هذا الزواج مكن الزوجة من زيارة زوجها في السجن، بعد أن منعت من هذا الحق حين كانت مجرد مناضلة، لكن بعد سنة واحدة تم الإفراج عن الزوج السجين، وقرر أن يعيش رفقة دور شهر العسل في باريس بناء على قرار من وزارة الداخلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى