شوف تشوف

كل ما تجب معرفته عن جوج فرنك (2/1)

الذين استصغروا استهزاء وزيرة الماء بقضية التقاعد ووصفها لتقاعد ثمانية آلاف درهم بجوج فرنك لا بد أنهم نسوا كيف أن كلمة بسيطة بين شرطية وبائع متجول تحولت إلى طرشة تافهة ومنها اندلعت ثورة انطلقت من تونس وأحرقت كل العالم العربي، إلا من رحم ربك.
والمغاربة يتساهلون مع من يسرقهم ومع من يكذب عليهم، لكن التاريخ أثبت أن المغاربة لا يتساهلون مع من يسخر منهم أو يستهزئ بذكائهم.
ولعل الخطير في «تمسخير» الوزيرة هو تزامنه مع اقتراب ذكرى عشرين فبراير التي بفضلها وصل العدالة والتنمية إلى الحكم، ولذلك نرى كيف أن هناك اليوم من يحاول بعث الحركة من رمادها لاستمرار الحزب في الحكم.
هكذا وبمناسبة إحياء ذكرى رحيل مؤسس الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين، جمعت جماعة العدل والإحسان، خليطا من التيارات المتنافرة تنقسم إلى ليبراليين ورجال أعمال علمانيين ويساريين وماركسيين وإسلاميين.
والظاهر أن هؤلاء جميعهم اجتمعوا لدى الجماعة طمعا في أن تضمن لهم الغطاء البشري في الشارع، بعدما نزعته في وقت فائت عن حركة 20 فبراير، معتقدين أنهم يستغلون قوة الجماعة وقدرتها التنظيمية على الحشد، ومستعملين معها الحكمة الصينية التي تقول «ليس مهما أن يكون القط أبيض أو أسود اللون، إذا كان يصيد الفئران فهو قط جيد».
أما الجماعة فتعتقد أن هؤلاء «الفضلاء الديمقراطيين» يجب التعامل معهم بمبدأ «يجب الإبقاء على أعدائك قريبا منك حتى تتمكن من التحكم فيهم، على تركهم بعيدا عنك بحيث يمكنهم إيذاءك».
ولا بد من قراءة هذه التسخينات التي بدأت ترتفع مؤشراتها كمحاولة لخلق شروط سياسية واجتماعية على الأرض تكون مناسبة لتوفير الطاقة الكافية لبنكيران لكي يفاوض من موقع قوة لبقاء حزبه في الحكومة المقبلة، ولم لا على رأسها.
وهكذا إذن انقلب السحر على الساحر، وتحولت شرفات أفيلال، الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء، والقيادية بحزب التقدم والاشتراكية، إلى مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا أن حديث الوزيرة المستفز حول التقاعد جاء متزامنا مع الحملة الشعبية التي أطلقها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بإلغاء تقاعد ومعاشات الوزراء والبرلمانيين، عوض استهداف تقاعد الموظفين الصغار بالقطاعات العمومية، حيث تعتزم الحكومة الشروع في تطبيق إصلاح أنظمة التقاعد من خلال الرفع من السن القانوني للتقاعد إلى 65 سنة والزيادة في مبالغ الاقتطاعات من أجور الموظفين، في الوقت الذي يستفيد فيه الوزراء من تقاعد مريح يصل إلى 36 ألف درهم شهريا بعد قضائهم لولاية واحدة، ويحصل كل برلماني قضى خمس سنوات تحت قبة البرلمان على تقاعد طيلة حياته يصل إلى 5 آلاف درهم، بمعدل ألف درهم عن كل سنة قضاها البرلماني عضوا بإحدى غرفتي البرلمان.
وبالتزامن مع هذا النقاش، أحال حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين، على لجنة المالية، مقترح قانون تقدم به فريق الحركة الشعبية، يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 24.92 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب والذي تم تطبيق أحكامه على أعضاء مجلس المستشارين.
ويطالب البرلمانيون من خلال هذا المقترح بتوريث معاشاتهم لزوجاتهم وأبنائهم بعد وفاتهم.
ويتوخى مقترح القانون ملاءمة قانون معاشات البرلمانيين مع باقي الأنظمة، وذلك بتغيير عدد من مواده، وخاصة المادة 6 التي تنص في القانون الحالي على أنه يصرف معاش نيابي لكل نائب أو مستشار مباشرة بعد فقدان هذه الصفة لعدم إعادة انتخابه أو عدم إتمام فترة تشريعية كاملة، شريطة أن يؤدي طيلة مدة نيابته واجبات الاشتراك المحددة في المادة الرابعة، وأن تتجاوز مدة نيابته سنتين، غير أن هذه المادة تنص على توقف صرف المعاش بعد وفاة البرلماني، ويتضمن مقترح القانون تعديل المادة بإضافة فقرة تنص على أنه «في حالة الوفاة يصرف المعاش إلى الزوجة الأرملة أو الزوجات الأرامل أو الزوج الأرمل والأيتام، طبقا للشروط المنصوص عليها في الأنظمة المتعلقة بالمعاشات المدنية».
كما يقترح البرلمانيون تعديل المادة 17 بإضافة «إن المعاشات الممنوحة بمقتضى هذا القانون لا يمكن حجزها لتسديد الديون، ما عدا ديون الدولة أو المؤسسات العمومية أو الجماعات المحلية أو ديون النفقة».
ويستفيد أعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين من معاش عمري غير قابل للتحويل للغير عند الوفاة، وذلك بموجب القانون رقم 24.92 الذي يتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة أعضاء مجلس النواب والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 4234 – 8 رجب 1414 ( 22 دجنبر 1993)، كما وقع تغييره وتتميمه، ويحدد المبلغ الشهري حاليا في ألف درهم شهريا عن كل سنة تشريعية، وللاستفادة من هذا المعاش، فإن البرلمانيين ملزمون بأداء واجبات اشتراكهم بمبلغ 2900 درهم شهريا، تقتطع من تعويضاتهم، ويتولى الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين تسيير هذا النظام بمقتضى اتفاقيتين منفردتين، تم إبرام الأولى مع مجلس النواب سنة 1994، والثانية مع مجلس المستشارين سنة 2000.
القانون كان قبل تعديله سنة 2005، يحدد المعاش النيابي الشهري للبرلمانيين في 5 آلاف درهم بالنسبة للنائب أو المستشار الذي زاول فترة تشريعية كاملة، و7 آلاف درهم بالنسبة للنائب أو المستشار الذي مارس فترتين تشريعيتين كاملتين، و9 آلاف درهم بالنسبة للنائب أو المستشار الذي زاول ثلاث فترات تشريعية كاملة أو أكثر، وبعد تعديل القانون تم تحديد مبلغ المعاشات العمرية للبرلمانيين في ألف درهم شهريا عن كل سنة تشريعية، على ألا يتجاوز مبلغ المعاش 30 ألف درهم شهريا، وتم الرفع من مبلغ واجبات الاشتراك الشهرية لكل من الدولة والمستفيدين وتحديده في 2900 درهم عوض 2400 درهم حاليا.
وهكذا فإن السادة النواب البرلمانيين البالغ عددهم 395 نائبا ونائبة، يكلفون سنويا، حسب قانون المالية، ما مجموعه 43 مليارا و242 مليون سنتيم، خصصتها لهم حكومة بنكيران، منها حوالي 20 مليار سنتيم لتغطية مصاريف تعويضاتهم الشهرية، وتغطية نظام معاشاتهم بعد التقاعد.
ويكلف المستشارون البرلمانيون حوالي 40 مليار سنتيم، تخصص منها 11 مليارا و834 مليون سنتيم لتغطية تعويضاتهم الشهرية و932 مليون سنتيم لتغطية مساهمة الدولة في معاشات البرلمانيين.
أما السادة المستشارون البرلمانيون البالغ عددهم 120 برلمانيا فسيكلفون الدولة 24 مليار سنتيم، سيذهب نصفها لأداء أجورهم وتعويضات تقاعدهم.
وخلال هذه الولاية سيسجل المغرب تخرج أصغر متقاعدين ربما في العالم، سيحصلون على تقاعد مريح يصل إلى 8 آلاف درهم، رغم أن سنهم لا يتجاوز 30 سنة، وعلى رأسهم اعتماد الزاهيدي، أصغر برلمانية، والتي تنتمي إلى حزب العدالة والتنمية. وكذلك ياسين الراضي، وهو أصغر برلماني ولد في فمه ملعقة من ذهب، وسيخرج بتقاعد مريح قدره 5 آلاف درهم شهريا، لأنه ولج مجلس النواب عن طريق اللائحة الوطنية لحزب الاتحاد الدستوري، وهو ابن المستشار البرلماني بالغرفة الثانية، إدريس الراضي، ويترأس المجلس الإقليمي لمدينة سيدي سليمان خلفا لوالده الذي تنازل له، بعدما فشل في ترؤس مجلسها البلدي، وهو كذلك ابن أخ النائب البرلماني، عبد الواحد الراضي، القيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي، والرئيس السابق لمجلس النواب، والذي يعتبر أقدم برلماني في تاريخ المغرب.
ابن إدريس الراضي، نادرا ما يتدخل في الجلسات البرلمانية العامة، ولا يحضر اجتماعات اللجان البرلمانية، وكان أول ظهور له تحت قبة البرلمان، في أول جلسة افتتاحية يعقدها مجلس النواب، في افتتاح الولاية التشريعية الحالية، والتي خصصت لانتخاب كريم غلاب رئيسا للمجلس، حيث ترأس ياسين الراضي، باعتباره أصغر برلماني، الجلسة الافتتاحية، إلى جانب ميلود الشعبي، باعتباره أكبر البرلمانيين سنا، كما ترأس الراضي الابن إلى جانب عمه عبد الواحد الراضي، الجلسة البرلمانية التي خصصت لانتخاب رشيد الطالبي العلمي، رئيسا لمجلس النواب، في منتصف الولاية الحالية.
كذلك سيحصل ثمانية شباب من حزب العدالة والتنمية على تقاعد مريح، بعدما ضمنوا ولاية كاملة داخل مجلس النواب، وعلى رأسهم خالد البوقرعي الذي يعتبر صوت بنكيران داخل البرلمان والحزب، لأنه من أشد الأوفياء لرئيس الحكومة، ومن أشد المدافعين عنه وعن قراراته، ولا يحسم موقفا ولا قرارا إلا بعد حمل الهاتف لطلب الاستشارة من الأمين العام للحزب، لذلك ينال البوقرعي ثقة بنكيران، ويعتبره بمثابة ظله داخل الشبيبة وداخل مجلس النواب، والدليل على ذلك أن بنكيران رد له الجميل، من خلال زيارة قام به لمنزل عائلة البوقرعي الواقعة على تخوم جبال قبيلة «البرانس» بإقليم تازة، وهي أول زيارة يقوم بها بنكيران لمنزل برلماني يوجد بمنطقة نائية بالعالم القروي، لذلك تحمل هذه الزيارة دلالة رمزية وسياسية حول مستقبل قائد الشبيبة.
إلا أن حصيلة البوقرعي بمجلس النواب تكاد تكون منعدمة، مقارنة مع برلمانيين آخرين من حزبه، فهو نادرا ما يتدخل في الجلسات العامة.
وإلى جانبه نجد كذلك ياسين أحجام مع حزب العدالة والتنمية، ففي الوقت الذي يعاني فنانون أفنوا عمرهم فوق خشبات المسرح، سيضمن «مهند» الحزب الحاكم، تقاعده بعد خمس سنوات من «التمثيل» على الأمة تحت قبة البرلمان، لأنه يعتبر من أكثر البرلمانيين غيابا عن الجلسات العامة واجتماعات اللجان البرلمانية التي تخصص لمناقشة قضايا مهمة، ما جر عليه غضب أعضاء بفريق حزب العدالة والتنمية، الذي ولج عن طريق لائحته الوطنية للشباب، إلى قبة مجلس النواب، كما جر عليه غضب زملائه الفنانين والممثلين، الذين كانوا يراهنون عليه لإيصال صوتهم ومطالبهم إلى الجهات الحكومية الوصية عن طريق البرلمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى