الرأي

كيف تتعلم السويدية في ثلاثة أيام؟

حين كان زعماء الأحزاب السياسية المغربية يحصون أرباحهم وخسائرهم الانتخابية، تلقوا أمرا بالتوجه إلى مملكة السويد لترميم العلاقات المغربية- السويدية، بعدما قرر الحزب الاشتراكي الحاكم الاعتراف بانفصاليي البوليساريو.. حملوا جوازات سفرهم وتأهبوا لدخول السويد آمنين.
وقبل أن يتمكن الزعماء من ركوب الطائرة التي تأجل إقلاعها، حرروا بلاغات استنكار ووضعوا أحزابهم في حالة استنفار تحسبا لأي طارئ، وطلبوا من إدريس جطو منحهم مهلة إضافية لإعداد فواتير صرف المال العام، واعتبروا الرحلة إلى ستوكهولم حجا وحاجة.
لم يكن بين الوفد خبراء في الشؤون الاسكندنافية، أو راسخون في علم «الفيكينغ»، أو شخصيات مغربية لها رمزيتها في المجتمع السويدي، فقد كان في طليعة الوفد السياسي شباط الذي عجز عن تحقيق انتصار انتخابي في معقله، ولشكر الذي يعيش الاتحاد الاشتراكي في عهده سكرات الموت، وبنعبد الله ومنيب، وقس على ذلك من الخاسرين في موقعة رابع شتنبر.
يعرف مزوار أكثر من غيره سر الغضبة السويدية، ويفهم لماذا يلف الذباب «شكوته»، وهو الذي ترك منصب سفير المغرب في السويد شاغرا مدة ثلاث سنوات، في استخفاف شديد بالأعراف الدبلوماسية. كما يعرف أن استخفاف الحكومة المغربية بمطلب تقدم به أندريس إيغمان، وزير الداخلية السويدي، يدعو المغرب إلى التكفل بالأطفال المغاربة، الهاربين من خيريات لاجئين بالسويد، له مضاعفاته.
إن حماية المكاسب لا يمكن أن تتم بمقاربة علاجية، أي أن ننتظر حصول النكبة لنركض نحو مسرح الجريمة، بل بمقاربة وقائية على مدار السنة، بدل ردود الأفعال الغاضبة التي غالبا ما تدعو لمقاطعة الجبن الدانماركي إذا خرج مسؤول عن النص وتعوضه بالجبن الهولندي إلى أن يغضبنا تصريح من الأراضي المنخفضة لنبحث عن جبن نيوزيلاندي.. لذا كان الجميع يطالب بمقاطعة الأثاث السويدي ومنهم من دعا إلى القطع مع «فولفو» و«سكانيا» و«إيريكسون» وغيرها من المنتجات السويدية.. لكن لا أحد يجرؤ على مقاطعة السويديات كما لا تجرؤ المغربيات على مقاطعة منتجات «أوريفلام» الخاصة بمستحضرات التجميل رخيصة الثمن.
كان من باب أولى تعبئة الكفاءات المغربية المعترف بها في السويد، ودعوتها للانخراط في هذا المجهود الوطني، بدل زعماء أحزاب انتهت صلاحيتهم. ففي ستوكهولم يعيش المغربي أنس حسيسن، وهو أول مغربي وعربي يحصل على وسام ملكي سويدي تقديرا من الأسرة الملكية هناك لمجهوداته في توفير فرص شغل للمهاجرين، فضلا عن لاعبين مغاربة يحجزون في نفوس السويديين مساحة حب، من قبيل اللاعب المغربي نبيل باهوي، المحترف بصفوف نادي آيك ستوكهولم، والذي سبق أن تلقى دعوة المدير التقني للمنتخب السويدي لكرة القدم، بعدما تم تجاهله من طرف مدرب المنتخب المغربي بادو الزاكي. كما يحظى إدريس أسمار، الحارس السابق لنادي مالمو، بتقدير خاص من الشعب السويدي، وهو الذي بادلهم الحب بإطلاق اسم مالمو على مقهاه في الجديدة بعد اعتزاله.
لكن السفارات والقنصليات المغربية في الخارج لا تعير الرياضة أدنى اهتمام، رغم أنها من ركائز الدبلوماسية الموازية، بل إن فريقا لكرة القدم من الانفصاليين يشارك الآن في دوري بضواحي العاصمة الفرنسية باريس، وواجه فريق إرونديل دي برتغال بملعب «لابيت فيغت» ضاحية «مونت لاجولي»، في مباراة أدارها حكم مغربي وتابعها مغاربة دون أن يطلقوا صفير الاستهجان، بينما السفارة في «دار غفلون».
وشهدت الألعاب الإفريقية الأخيرة بالكونغو الديمقراطية، حضورا مكثفا لما سمي «الوفد الرياضي للبوليساريو»، وتابع أفراده أشغال ندوة حول قيم الرياضة في برازافيل، دون اعتراض من السفارة المغربية، بل إن حكما مغربيا حضر المنافسات وقام بتحكيم مباراة في الملاكمة دون أن يعلن مقاطعته الحدث لوجود انفصاليين. وحين كشفت «الأخبار» عن اسم الحكم وصمت جامعة الملاكمة، استنكر الرئيس المنتدب الخبر، وبدل أن يقرر توقيف الحكم قرر توجيه اللوم للصحيفة، مبررا وجوده بقرار من الاتحاد الدولي للملاكمة.
تخصص وزارة الشباب والرياضة الجزائرية دعما استثنائيا لما يسمى «منتخب البوليساريو»، وتضع معسكراتها رهن إشارة الانفصاليين رغم ادعائها الحياد، بل إن وزير الرياضة الجزائري أعطى تعليماته للاتحادات الجزائرية كي تساعد الانفصاليين تقنيا وماديا، وتؤدي نيابة عنهم تذاكر السفر وتسدد فواتير الفنادق، في الوقت الذي تحولت فيه وزارة الرياضة المغربية إلى ملحقة يتردد المسؤولون عليها، وحين يحصلون على ما يريدون يتذكرون القضية الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى