الرأي

ليبيا في مفترق طرق

شهدت ليبيا خلال عطلة عيد الأضحى تطورا مثيرا من شأنه أن يقلب موازين القوى في ذلك البلد المبتلى بأهله وبعض جيرانه وأشقائه.
ذلك أن المجموعات العسكرية التي يقودها اللواء خليفة حفتر نجحت في الاستيلاء على منطقة الهلال النفطي، وصار بمقدورها أن تمسك بالورقة التي تمثل عنصرا ثمينا في الصراع الحاصل على الأرض.
ذلك أنها المرة الأولى منذ بدء الصراع بين المعسكرين المتحاربين في ليبيا قبل ثلاث سنوات، التي ينجح طرف في وضع يده على المورد الاقتصادي الأول للبلاد الذي تم تحييده طول الوقت. إذ ظلت المنشآت النفطية تحت حراسة عناصر تابعة لقبيلة المغاربة، يرأسها قائد سابق في قوات حرس المنشآت هو إبراهيم الجضران.
إلا أن قوات حفتر نجحت فجر يوم الأحد 11 شتنبر في الاستيلاء على موانئ المنطقة (الزويتينية والسورة ورأس لانوف والبريقة) في ظروف مريبة لم تتكشف كل تفاصيلها بعد. وهو ما كان له صداه السريع الذي دفع المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني إلى التنديد بالعملية. وفي الوقت ذاته أصدرت الولايات المتحدة وخمس دول أوروبية بيانات مماثلة طالبت بسحب القوات الغازية في أسرع وقت.
خبراء الشأن الليبي الذين رجعت إليهم لفتوا الانتباه في العملية إلى عدة عوامل في مقدمتها ما يلي:
إنه رغم أن منطقة الهلال النفطي ظلت هدفا لمناوشات لم تتوقف خلال السنوات الثلاث السابقة، إلا أن عملية الاستيلاء على موانئها تمت هذه المرة دون مقاومة من جانب قوات قبيلة المغاربة التي تولت حراستها طيلة تلك المدة. وتبين أن وراء ذلك انقساما حدث داخل القبيلة ذاتها، إذ انقلب أبناء عمومة إبراهيم الجضران عليه. وتحالفوا مع عناصر من قبيلة المقارحة الموالية للقذاذفة الذين انتمى إليهم العقيد القذافي.
الأمر الذي مهد الطريق لقوات حفتر للاستيلاء على الموانئ دون قتال.
– ادعى المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الموالي لحفتر، الذي يتخذ من طبرق مقرا له أن العملية قام بها «الجيش الوطني الليبي» بتفويض شعبي (وهو ما أبرزته صحيفة «الأهرام» على صفحتها الأولى في 14 شتنبر الحالي). إلا أن المجتمع الليبي يدرك أن الجيش المذكور بمثابة أسطورة إعلامية أكثر منه حقيقة على الأرض.
صحيح أنه يضم بعض العسكريين الموالين لحفتر، وأن «الجيش» يضم مجموعات من السلفيين والمرتزقة الذين تم تجنيدهم من تشاد ودارفور المجاورة (من جماعة العدل والمساواة). وهو ما تحدث عنه صراحة الرئيس السوداني عمر البشير، كما أثبتته تقارير لجنة خبراء الأمم المتحدة المكلفة بمتابعة الوضع الليبي.
لفت أولئك الخبراء الانتباه أيضا إلى أن ثمة قوات فرنسية خاصة تحارب في صف الفريق حفتر. وهو ما أعلن على الملأ في شهر يوليو الماضي حين أسقطت طائرة هليكوبتر قرب بنغازي وقتل ثلاثة من جنود القوات الخاصة الفرنسيين.
الأمر الذي دعا الرئيس الفرنسي إلى الاعتراف بوجود تلك القوات في شرق ليبيا، وإن قال إنهم يقومون بمهام استخبارية وفي مرة ثانية ذكر أنهم مستشارون لحفتر.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت في أشهر غشت عام 2014 أن الفرنسيين يقاتلون إلى جانب حفتر، وهو ما فاجأ حكومة الوفاق في طرابلس التي احتجت على التدخل الأجنبي في المشهد الليبي.
لم يختلف خبراء الشأن الليبي على الدور الإقليمي الذي يساند حفتر ذلك أن بعض دول الجوار توفر له المجندين في حين أن دولا أخرى تدعمه بالمال والعتاد والتسويق الإعلامي.
والإشارات صريحة في وسائل الإعلام الغربية إلى الدور الخليجي في ذلك، إذ يتحدثون عن الدول التي أيدت الثورة المضادة وقدمت الكثير لمقاومة رياح التغيير في العالم العربي. وكانت لها نجاحاتها المشهودة في ذلك. جدير بالذكر في هذا الصدد أن بعض صحف القاهرة رحبت بالاستيلاء على الهلال النفطي واعتمدته إنجازا للجيش الوطني في مواجهة قوي التطرف والإرهاب، غامزة بذلك في حكومة الوفاق في طرابلس التي تحظي بالتأييد الدولي. رغم أن الثقل السكاني والسياسي والعسكري الأساسي في الغرب وحول طرابلس، إلا أن السيطرة علي الهلال النفطي وفرت ثقلا خاص لحفتر وجماعته، خصوصا أن الرجل الذي منح رتبة «مشير» بعد العملية يطمح إلى خلافه القذافي واستنساخ تجربته، الأمر الذي قد لا يستبعد إذا ما عاد ضخ النفط وتصديره إلى طبيعته (أكثر من مليون برميل في اليوم وهو الآن 250 ألف برميل فقط). وهو التطور الذي يجعل المصير الليبي عند منعطف خطر، يجعل المشكلة أكثر عبثية وتعقيدا.
ذلك أن الذين هللوا للسيطرة على الهلال النفطي لم ينتبهوا إلى أن ذلك يعد انتصارا للثورة المضادة، وللقوات التي لم تكف عن ملاحقة الربيع العربي في مختلف صوره ومظانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى