الرأي

ليست معركة بين الحكومة والمعارضة!

 تباعدت المسافة بين موقف الحكومة وفعاليات في المعارضة، حول شروط تأمين الاستشارات الانتخابية القادمة. وما رشح من تصريحات رسمية حول الطابع الوفاقي لمنهجية إقرار القوانين التنظيمية، يتعارض وما تردده أحزاب غير مشاركة في السلطة التنفيذية، إلى درجة أن بيان اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال تحدث عن «ضعف منسوب الثقة» ووصف الأوضاع الراهنة في ظل الحكومة الحالية بأنها «انتكاسة ديمقراطية وسياسية».
من الجائز اعتبار تصعيد اللهجة بين الحكومة والمعارضة جزءا من تمارين في المناسبات الانتخابية، كون كل طرف يبحث عن مواطن الخلل لدى الخصم السياسي، ففي أي استحقاقات مماثلة تبرز مثل هذه الظواهر. ومن الجائز كذلك تصنيف المؤاخذات المتبادلة في سياق إعداد الجمهور لتقبل النتائج، أكانت متوقعة أو اعترتها مفاجآت مذهلة، بالنظر إلى الأجواء المؤثرة في استمالة الناخبين المناصرين.
إلا أن كل ذلك لا يساعد في تأمين مناخ إيجابي، إذ يصبح الذهاب إلى صناديق الاقتراع لحظة طبيعية في ممارسة حقوق دستورية لا يشوبها أي غموض. وعندما يؤكد رئيس الحكومة دوره ومسؤولياته في الإشراف على الاستحقاقات، وفقا لما تتيحه الوثيقة الدستورية، فإنه وحزبه يصبحان في مرمى الأهداف عند تعذر الوفاء بمتطلبات الرعاية الموضوعية..
خصوصا من طرف خصومهم السياسيين. ما يفرض عليه التحلي بقدر أكبر من الحياد، أقربه على المستوى الإجرائي تمرير كافة القوانين التنظيمية ذات الصلة عبر محك التوافق السياسي. والحال أن المعارضة حين تنتقد أداء الحكومة في هذه المسألة بالذات، فإنها لا تفرق بين حزب وآخر. إلى درجة أن المشهد السياسي يكاد يستقر عند قطبين: الائتلاف الحكومي بأحزابه الأربعة: العدالة والتنمية وتجمع الأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، والمعارضة الرباعية كذلك التي تشمل الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري.
يختلف الأمر بالنسبة لاقتراع البلديات والجهات والغرف المهنية والمركزيات النقابية، عنه حيال التشريعات، أقله أن تشكيل المكاتب في الحالة الأولى لا يخضع بالضرورة للتحالف السياسي الذي يوزع انتماءات الأغلبية والمعارضة. وثبت، في أكثر من جولات مفاوضات بهذا الصدد، أن لا خطوط حمراء في هذه التحالفات، بما في ذلك إمكان التقاء منتخبين من الغالبية مع آخرين من المعارضة. ويصعب في ضوء هذا التقليد الإقرار بأن المواجهة في انتخابات البلديات والجهات، ستكون بين المعارضة والأغلبية، ولكنها بين منتسبين لشتى أنواع الطيف الحزبي.
غير أن واقع الائتلاف الحكومي الذي يبدو أنه يتجه نحو تحالف انتخابي، في حال ضمان شروط هذا المسعى، لا تلغي أن التحالف القائم بين أحزاب المعارضة يمكن أن يتأثر بدوره بالمسار الذي سيكيف أطوار المنافسات المرتقبة. فقد يكون هذا التحالف مقيد الأطراف ولا يصب لصالح أطراف أخرى. وفي حال اعتماد وقائع سابقة يبرز اسم حزبي الاستقلال وتجمع الأحرار باعتبارهما احتلا مراكز متقدمة في انتخابات البلديات السابقة. وعلى عكس ذلك لم يتأت لحزب «العدالة والتنمية»، الذي يقود الائتلاف الحكومي، أن يوازي حضوره التشريعي بمثله على صعيد البلديات.
في الطبعة الحالية إن الاستقلال وتجمع الأحرار يتحدثان من موقع مختلف، ليس لأن الأحرار أخذوا مكان الاستقلال في النسخة الثانية لحكومة عبد الاله بنكيران، ولكن لأن أحدهما يوجد في الحكومة والآخر في المعارضة. وإذا كانت الانتخابات التشريعية تقسو على الفعاليات الموجودة في واجهة تدبير الشأن العام، فإن البلديات بدورها قد تتأثر بهذا الواقع قليلا أو كثيرا، باستثناء ما يتعلق بالتجارب التي استطاعت خلق المفاجأة في مسائل التدبير المحلي.
في أكثر من مناسبة هدد حزب الاستقلال بسلاح المقاطعة، في حال تبين أن مترشحيه يتعرضون لضغوط من طرف جهات منافسة، ولا يمكن لهذه التهديدات إلا أن تؤخذ موضع جد. مع أن معركة الاستقلال لا تبدو في وارد معاداة تجمع الأحرار أو حتى الحركة الشعبية. فالبنادق الحزبية لا تنتقل من كتف إلى آخر، إلا عند اقتضاء وجود تغيير في تحديد الأهداف. فقد تنطبع المنافسات بحدة أكبر بين مترشحي كافة الأحزاب، لكن صراع البلديات لا يشبه نظيره في التشريعيات.
أي خطأ في العملية الحسابية، وفق المنظور السياسي طويل الأمد، قد يحدث خللا أكبر. ولئن كانت الحكومة ربحت شوط تنظيم الانتخابات في موعدها هذه المرة، فإن ذلك لا يعني أن المعارضة خسرت المعركة. فالعيون تستشرف ما هو أبعد من خلافات الحكومة والمعارضة، وفي البلديات والجهات تتغير الكثير من الحسابات والاستقراءات. ولنتذكر أن رئيس الحكومة صرح بأن بلديات العام 2009 كانت نزيهة وأن المؤاخذات انصبت فقط على تحالفات تشكيل مكاتبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى