شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

مارجريت ميتشل.. أشهر روائية خلدها التاريخ الأدبي

وفيق صفوت مختار

الاحتفاء بالأدباء والمبدعين ليس شعارا فضفاضا ولا كلاما عاما، بل عمل مؤسسات تعرف كيف توفر للشاعر والروائي والفنان التشكيلي ملاذات تتيح له أن يتفرغ لبضعة أسابيع للإبداع لا يشغله عنه شيء.
لذلك انشغلت مجموعة من المؤسسات الثقافية العمومية والخاصة بمختلف الدول الغربية، في توفير إقامات للأدباء والمبدعين يستقرون بها لمدد تتراوح ما بين شهر وستة أشهر، للاعتكاف هناك من أجل الإبداع بعيدا عن منغصات الحياة المعاصرة ومشاغلها التي لا تنتهي.

الروائية الأمريكية «مارجريت ميتشل»، صاحبة المقام الرفيع بين الأدباء والمبدعين على مدار التاريخ.. انحدرت من أصول اسكتلندية من ناحية الأب، وأصول إيرلندية من جهة الأم، فحققت نظرية التلاقح الحضاري. سجلت أحداث الحرب الأهلية الأمريكية الدامية في روايتها الأكثر انتشارا «ذهب مع الريح» التي اعتبرها النقاد حدثا أدبيا مهما. تحدت الأعراف السائدة آنذاك لتعمل في الصحافة فتنجح، وأحبت فقتل محبوبها، وتزوجت ففشل زواجها!
لقد قالت قبلا: «الحياة ليست مجبرة أبدا على أن تعطينا ما نتوقعه»، فهل كانت تتوقع نبوغها كأديبة مرموقة برواية واحدة يتيمة؟! وهل كانت تتصور أن تكون نهايتها حادثة دهس مروعة لسائق سكير؟! ولكننا لا نملك في النهاية سوى أن نردد مقولتها على لسان البطلة «سكارليت»: «غدا يوم آخر».
ولدت «مارجريت ميتشل» في (8 نوفمبر 1900) بمدينة «أتلانتا»، ولاية «جورجيا»، بالولايات المتحدة الأمريكية. تنتمي لعائلة ثرية وبارزة سياسيا، تضم العديد من الجنود ممن عايشوا بصورة مباشرة أحداث الحرب الأهلية الأمريكية. وكانت «ميتشل» في طفولتها منبهرة بقصص الحرب التي كان يقصها عليها أقرباؤها، خصوصا جدتها. والدها هو «يوجين ميتشل» يتحدر من أصول اسكتلندية، يعمل محاميا، وكان من الذين يعارضون ظاهرة العقاب البدني في المدارب، أما والدتها فتدعى «إيزابيل ستيفن» من أصول إيرلندية، والتي عاشت تنادي بضرورة أن تنال المرأة جميع حقوقها.
لم تتفوق «ميتشل» في أي مجال أكاديمي. وفور الانتهاء من دراستها في السنة الأولى، عادت «ميتشل» إلى أتلانتا لتتولى الشؤون المنزلية عقب وفاة أمها، بسبب وباء الأنفلونزا الذي ضرب الجنوب الأمريكي، دون أن تحصل على الدرجة الجامعية.
ثم تزوجت «ميتشل» من الصحافي «جون مارش» في عام (1925). ولتحسين دخلها المادي عملت بصحيفة «أتلانتا جورنال» أكبر صحف الجنوب، ليكون بوسعها كتابة عمود ثابت فيها، وقد كتبت العديد من المقالات ومراجعات الكتب، وأجرت العديد من المقابلات مع الشخصيات المهمة، وكانت مهاراتها في تصوير الشخصيات التي قابلتها، خير معين لها في كتابة روايتها الطويلة الأشهر «ذهب مع الريح».
في أثناء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، تطوعت «ميتشل» للعمل مع منظمة الصليب الأحمر الأمريكية، وركزت نشاطها في إيصال الإمدادات الغذائية والطبية لبلدة «فيموتييه» الفرنسية، وحصلت نتيجة لجهودها على لقب المواطنة الفخرية لتلك البلدة في عام (1949). كما جمعت الأموال للمجهود الحربي من خلال بيع سندات الحرب.
في مسار يوم (11 أغسطس 1949)، تعرضت «مارجريت ميتشل» لحادث سيارة دهستها وهي تعبر الشارع في مسقط رأسها أتلانتا، بصحبة زوجها «جون مارش».
أمضت «ميتشل» خمسة أيام في المستشفى فاقدة الوعي تماما. وفي يوم (16 أغسطس 1949) لفظت أنفاسها الأخيرة، متأثرة بإصابتها التي كانت عبارة عن جروح قاتلة في الرأس وكسور في الحوض، عن عمر يناهز (49 عاما) ودفنت في مقبرة أوكلاند في أتلانتا. أما السائق «هيو جرفت» فقد أدين بجريمة القتل غير العمد في نوفمبر 1949، وحكم عليه بالسجن لمدة (18 عاما) مع الأشغال الشاقة.
عرف عن «مارجريت ميتشل» أنها كانت تؤلف القصص حتى قبل أن تتعلم الكتابة، حيث كانت تملي هذه القصص على أمها. وقد ذكرت أنها قرأت في سن متقدمة مسرحيا «وليام شكسبير» (1564- 1616) وروايات «تشارلز ديكنز» (1812 ـ 1780) والسير و«الترسكوت» (1771 ـ 1832).
وحين صدرت رواية «ذهب مع الريح» في شهر يونيو (1936)، لم تكن «مارجريت ميتشل» تتوقع أن تصبح روايتها أشهر وأكثر رواية أمريكية انتشارا، فبحلول نهاية ذلك العام زادت مبيعات الرواية الملحمية (المؤلفة من 1037 صفحة) على مبيعات أي كتاب آخر ينشر في تاريخ أمريكا، باستثناء الكتاب المقدس، فقد وصل حجم مبيعاتها إلى 50 ألف نسخة في يوم واحد، كما تم بيع أكثر من 37 مليون نسخة في 28 دولة عبر العالم.
كما ترجمت الرواية إلى ثلاثين لغة منها اللغة العربية.
بدأت «ميتشل» كتابة الرواية حينما أصابها كسر في ساقها، جعلها تلزم البيت في معظم الأوقات، فقررت تأليف رواية مبنية في حبكتها على الحكايات التي رواها لها أجدادها، الذين عاشوا الحرب الأهلية الأمريكية، كما استدعى ذلك منها قراءة مستفيضة جدا في المراجع التاريخية والاجتماعية.
تقول «ميتشل»: «كانت كل التفاصيل واضحة في ذهني قبل أن أجلس على الآلة الكاتبة لكتابة الرواية». قضت المؤلفة في كتابة فصول الرواية ما بين سنة (1930 و1936). وكانت تتابع الشخصيات وتكتب الأحداث على غير نظام متسلسل، حيث كتبت الفصل الأخير أولا وبعده كتبت الفصول الأخرى بشكل غير مرتب، وكانت تعود فتعدل في الفصول لتحافظ على التسلسل في النهاية.
وصفت الرواية بأنها بانوراما الجنوب الأمريكي في فترة الحرب، لدقة التفاصيل التي أوردتها «ميتشل» عن المعارك، وعن أسلوب الحياة في الجنوب قبل وبعد الحرب. كما سجلت الرواية الأحداث التي صاحبت فترة الكساد العظيم الذي ضرب أمريكا، والذي غير الواقع الاجتماعي فيها بصورة دامية. كما ركزت الرواية على علاقة البطلة «سكارليت» ببطل الرواية «ريت بتلر»، وهي واحدة من أشهر العلاقات الغرامية في تاريخ الأدب والسينما، علاقة جمعت بين الحب والكراهية في آن واحد.
الشخصية المحوية في الرواية هي «سكارليت أوهارا»، البالغة من العمر (16 عاما).
رحيل «بتلر» ومن قبله «آشلي» جعل «سكارليت» تفقد توازنها لوهلة، ولكنها لم تسقط أبدا، بل تقول في نهاية الرواية: «رغم كل شيء: غدا يوم آخر».
ومن خلالها تتمكن الأديبة من التقاط اللحظة التي أدركت فيها أنها، وهي المرأة لا تقل فهما عن الرجال سادة الحياة، فكانت فكرة ثورية حقا، فها هي قد تمكنت من رعاية المزرعة دون مساعدة رجل: «نعم، نعم، لقد تمكنت، وأعتقد أن النساء يستطعن فعل كل شيء في الدنيا، ولسنا بحاجة إلى رجل، اللهم إلا من أجل الإنجاب».
بعض النقاد تجاهلوا قيمة رواية «ذهب مع الريح» الأدبية، في حين وضعها البعض في مصاف أفضل الروايات العالمية. إلا أن بعضهم قالوا: «إن رواية «ذهب مع الريح» لمؤلفتها العظيمة مارجريت ميتشل هي المعادل الأمريكي لرواية الروسي الكبير ليو تولستوي: «الحرب والسلام».
وقد تحولت الرواية إلى فيلم شهير عرض في دور السينما بتاريخ 15 ديسمبر من عام 1939، ويتذكر الرئيس الأمريكي «جيمي كارتر» هذا الحدث، وهو يقول: «أكبر أحداث الجنوب في حياتي».
قام ببطولة الفيلم: «كلارك غيبل»، و«فيفيان لي»، و«ليزلي هوارد»، و«أوليفيا ديهافيلاد»، و«توماس ميتشل»، و«بربارا أونيل». وقد بلغت ميزانية الفيلم (309 ملايين دولار، أما إيراداته فقد بلغت 400 مليون دولار. الفيلم لاقى استحسانا كبيرا من الجمهور والنقاد وتحول إلى أنجح فيلم على شباك التذاكر في تاريخ السينما. ورشح لثلاث عشرة جائزة من جوائز «الأوسكار»، واستطاع أن يفوز بثمان منها، من بينها جائزة أفضل فيلم، وجائزة أفضل ممثلة لـ «فيفيان لي»، وجائزة أفضل ممثل لـ«كلارك غيبل» وجائزة أفضل مخرج لـ «فيكتور فلمنج»، وجائزة أفضل سيناريو.
حصلت «مارجريت ميتشل» على جائزة «بوليتزر» الأدبية الرفيعة عام 1937 عن رائعتها «ذهب مع الريح». لم يفاجأ أحد بحصولها على هذه الجائزة، فأرقام المبيعات الفلكية للراوية، والفيلم السينمائي الذي عرض وحقق أرقاما قياسية سواء في عدد المشاهدين أو في الإيرادات أو جوائز «الأوسكار» التي حصل عليها، كانت مقدمات منطقية تتوقع حصولها على مثل هذه الجائزة.
وفي 16 ماي 1997 تم تحويل المنزل الذي كتبت فيه «مارجريت ميتشل» رواية «ذهب مع الريح» إلى متحف. يقع هذا المنزل في وسط أتلانتا ويحتوي على وثائق وشرائط أصلية للرواية، ونسخة من فيلم «ذهب مع الريح»، مع مقتنيات شخصية لها.
عن مجلة دبي الثقافية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى