الرأي

مارشي نوار

نظمت جمعية مقربة من شبيبة حزب العدالة والتنمية ندوة حول «عنف الملاعب»، كادت أن تنتهي بأعمال شغب لولا الألطاف الربانية. أصل الحكاية مداخلة رجل ملتح بدأها بالبسملة وأنهاها بالحوقلة، ندد فيها بالمتاجرين في أرواح الشباب وأدان باعة التذاكر في السوق السوداء، واصفا إياهم بتجار الحرب. وقبل أن ينهي مداخلته انتزع منه الميكروفون أحد الحاضرين الذي ينتمي لنفس الحزب وشرع في الرد دون الحاجة لإشارة منشط الندوة الذي كان منشغلا بتصفح هاتفه المحمول. وقال كبير المتدخلين إن اتهام تجار السوق السوداء بإشعال فتيل الشغب «دعوة للفتنة» وتحريض على «قطع أرزاق العباد»، وظل يتوعد الجهة المنظمة ويكشف عن أسماء زبناء من العيار الثقيل يقتنون تذاكرهم من السوق السوداء كلما اشتد الاختناق في السوق البيضاء، وأنهى مداخلته بضرورة تنظيم النقاش، وعدم منح الميكروفون «لكل من هب ودب».
اشتد الجدل بين الحاضرين، ووصل النقاش بين «هب» و«دب» إلى أدنى المستويات، خاصة بعد أن تبين أن موضوع النقاش أخذ منحى آخر، حين اكتفى برصد تداعيات السوق السوداء ودورها في اختناق المدرجات وبالتالي حصول عنف بين المتفرجين في ما بينهم وبين المشجعين ورجال الأمن وهلم شرا.
انتفض أمين سابق لباعة التذاكر، وطالب بتحصين المهنة ضد غارات المخزن والمسيرين، وبتدخل «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» وتمكينهم من دعم على غرار ما يقدم في مشاريع محاربة الهشاشة وتشجيع المهن المدرة للدخل، وتطهير السوق من المتسللين الذين لا يربطهم بالكرة لا الخير ولا الإحسان.
لكن أخطر ما تولد عن الندوة، اعترافات بائع شاب ورث مهنة تجارة التذاكر في السوق السوداء، أبا عن جد، حيث أكد انتشار هذا النوع من التجارة على موقع التواصل الاجتماعي، خاصة «فيسبوك» وكشف وجود صفحات لتجارة التذاكر، يعلن المشاركون فيها عن الكميات المتاحة لديهم منها، وأسعار البيع المطلوبة، وتقديم نصائح لزبناء السوق ترشدهم إلى نقط البيع، في غياب مراقبة أمنية لما يحفل به «فيسبوك» من بيع يتم خارج نطاق محلات البيع الرسمية وأكشاك الملعب، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من تجار الساندويشات ولوازم التشجيع قد تفرغوا حاليا لتجارة التذاكر، سيما حين يتضاعف السعر خلال مباريات الديربي والمواجهات الكلاسيكية.
يعرف رجال الأمن منشطي بطولة السوق السوداء، الذين يرفعون بعد نهاية كل مباراة أكف الضراعة إلى العلي القدير، كي يحفظهم من «الوي كلو» ويجنبهم قرارات إغلاق الملاعب، ويبعد عنهم جشع المسؤولين. لكن أصل الداء يرجع إلى إمداد هذه السوق بالتذاكر، بمباركة رعاة رسميين، يأكلون الغلة ويلعنون ملة «المارشي نوار».
أكبر خطأ سقطت فيه جامعة علي الفاسي الفهري، هو تفويت امتياز طبع التذاكر للأندية، بعد أن ظلت جامعة الجنرال حسني بن سليمان تصر على أن تتم الطباعة تحت وصايتها، بل كانت على وشك استخراج التذاكر من دار السكة على غرار الأوراق النقدية. الآن يمكن لرئيس فريق أن يطبع ما شاء من التذاكر بلا حسيب ولا رقيب، ويوزع «كرنيات» على المقربين فيغرق السوق وتختنق المدرجات ويتقاتل المشجعون من شدة الازدحام.
لم يتابع أي شخص في جميع ملفات الشغب التي عرضت على محاكم المملكة، بتهمة ترويج التذاكر في السوق السوداء، علما أن هذه السوق تشمل بضائع أخرى تطولها سرية البيع وسوداوية الترويج، كالشهب النارية والأقراص المهلوسة وقطع المعجون التي تمكن مشجعا اختلت عقارب دماغه من فرجة غير مضمونة العواقب.
يمكن لتذكرة واحدة أن تباع في مباراة واحدة عشرات المرات، مادام القائمون على مراقبة أبواب الملعب يتعاملون «جازاهم الله خيرا» بنوع من الشفقة مع التذكرة فلا يمارسون عليها «القصاص» ولا البتر، ويتعاملون معها برفق حتى تعود إلى بائعها سالمة قابلة للترويج مرات ومرات.
لماذا ظلت الأحزاب السياسية بعيدة عن النقاش الدائر حول شغب الملاعب، باستثناء ندوات عابرة أملتها ظرفية الشغب؟ وكيف يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه، ونحن نعاين أعمال العنف التي ميزت دورات المجالس المنتخبة وانتخابات الغرف والجهات والمقاطعات؟
في ظل صمت السياسي سيبقى الملعب نقطة سوداء، يدخله المشجع ملفوفا في شعار فريقه، ويغادره ملفوفا في كفن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى