الرأي

معيار الشهرة

تعتبر قوة الحضور وأناقة المظهر خاصة المبالغ فيها وانسيابية الإلقاء معيارا رئيسيا أو نهائيا للحصول على الشهرة من الجمهور، هذا الأخير الذي تكفيه المميزات الخارجية مع قليل من القيمة الجوهرية في رفع أسهم أصناف تتأهل بهذه التزكية لقيادته حيث شاءت؛ كما يبقى معيار الجرٍأة على السلطة في الخطاب الديني، ومعيار الوقوع تحت سياط الظلم والاستبداد صكا من صكوك النزاهة والقدسية الإيديولوجية، حين يدفع التعاطف إلى الانسياق الأعمى خلف أصناف منها الصالح ومنها الطالح، فليس كل سجين رأي صالح مصلح حتى وإن كانت مناصرته هي عين الصواب والواجب.
ففي ميزان يقصي أهل الخطاب البسيط والمظهر العادي والإيديولوجية المتزنة، رغم أنها الأصناف المؤهلة فعلا للقيادة ولتحقيق النجاح طول الدهر وبعرض الأرض، انقلب سلم التقويم لتحتل الواجهة كثير من النماذج التي حجبت عن العين نجوما أخرى سيثري تقديمها للمجالات؛ بعد أصبحت الفصاحة شرطا من شروط الحضور في البلاتوهات والهندام الأنيق بالنسبة للإعلام الحر، في حين يضيف الإعلام العمومي شروطا إضافية أخرى، فالتنافس على نسب المشاهدة فرض وجود هذا الميزان العليل، والذي لا عيب على كل من تجسدت فيه هذه المعايير الفطرية في أغلبها، لكن العلة هي تحول غياب هذه الشكليات إلى أسباب لإقصاء كل من لم يساعده اللون أو شكل الوجه والبساطة في المظهر، من الحصول على حصته في الظهور وتقديم مساهمته في المجال، خاصة عندما تكون مؤهلاته الجوهرية أفضل بكثير من التي يتوفر عليها غيره.
سطحية تبلغ مداها عندما يخصص الإنتاج التلفزيوني والسينمائي الأدوار النبيلة للوسيمين وللوسيمات حصريا، ويخصص الأدوار الشريرة للألوان وللأشكال العادية، مما يفسد الذوق العام ويؤثر فيه عميق الأثر، حيث أصبح الهندام والمظهر سلاحا قويا في يد النصابين، لأن الشخص العادي يمنح معدل مقبول لأصحاب هذا الشكل فوق ورقة اختبار بيضاء، يكفي بعدها بذل جهد قليل حتى يسقط في الشرك الذي يُنصب له، وهو الشرك نفسه الذي لن يقبل ممن لا يملك مؤهل الوسامة والأناقة، فالامتعاض من شخص يحمل علامة على جلده أو يلبس لباسا باليا أو ذا لون معين هو قمة قمم الجاهلية والسذاجة.
إنها سطحية تضيع الكثير من الفرص وتضمن شروطا شكلية لاحتلال الريادة بدون أن تعير للجوهر الأهمية التي يستحق، فليس الحل في قلب هذه الآية بل الحل يكون بتقويم ميزان الانتقاء، وتخفيض نقطة الشكل مقابل رفع نقطة المضمون، فالمراهقون يعانون أشد المعاناة من هذا الميزان اليوم، مما ينقش في نفسيتهم ندوبا راسخة من خلال ازدراء المجتمع لشكلهم الخارجي وتقويمهم بالموقف من الشكل فقط، في الوقت الذي لا شيء سيساعدهم في الحياة وفي الخروج من مؤثرات المراهقة غير الاحترام التام مع تجاهل اختياراتهم الظرفية، التي سرعان ما سيتخلون عنها بدون عُقد ولا مركب نقص بشرط ألا يتعرضوا للاضطهاد في سن بالغة الحساسية.
فعلى المنتجين والمخرجين تصحيح هذا الخلل والانتباه إلى آثاره على الذوق العام، بالحرص على تقسيم الأدوار النبيلة بين جميع الألوان والأشكال حتى تذوب هذه الحدود، كما على رواد المنابر الدينية والسياسية الانتباه إلى الأصناف القليلة الكلام والقاصدة المقتصدة في القول والظهور، لأنهم أقوياء في الفعل وفي بعد النظر في غالبيتهم، دون تنقيص من غيرهم، بل ننبه الناس فقط إلى عدم الاكتفاء بالجاهز ونحفزهم على البحث والتنقيب في الصفوف الخلفية التي تختفي فيها درر ونجوم أخرى، فالكنوز الثمينة لا تلفى فوق السطوح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى