الرأي

مع المرنيسي حيث هي..

هناك انفصام خطير بين الخطاب الحداثي للحركات النسائية والأشكال الفعلية للعلاقات الاجتماعية، وهذا الانفصام جعل الخطاب النسائي يتخذ أحيانا بعدا نخبويا أو حتى فئويا، سواء على مستوى الأطر الثقافية والاجتماعية المنتجة والراعية لهذا الخطاب، أو على مستوى الأطر المتلقية له والمنفعلة به. وهذه الوضعية تجعل هذا الخطاب عاجزا من جهة عن تحقيق الإشعاع الشعبي المنتظر منه، لتشكيل ما يمكن أن نطلق عليه «لوبي نسائي» في قضايا المدونة والتربية والإعلام وغيرها، ومن جهة أخرى عاجزا عن تشكيل أرضية توحد كل الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين والثقافيين، بمشروعية النضال النسائي، بعيدا عن «منطق الأقليات» الذي يحكم كل أجندات المجتمع المدني والسياسي العربي.
وعدم المناسبة هذه تجعل من مطلب «الكوطا» الذي تم تبنيه من طرف الدولة وكذا من طرف الأحزاب والجمعيات، مجرد اختزال للقضية، بل وإساءة لشرعية مطالبها، لأنها لا تعدو أن تكون محض «بروتوكول» تفرضه تنظيمات الفحول طيبي- القلب، والدليل نلفيه في أسماء النساء المستفيدات من «الكوطات» الحزبية وحتى النيابية، إذ غالبا ما تكون على علاقة قرابة ما مع أحد كبار فحول الأحزاب، وهذا ما قصدته مي زيادة بقولها: «إذا أمرنا الرجل أن نحتجب احتجبنا، وإذا صاح الآن يطلب سفورنا أسفرنا.. لا شك أنه أخطأ وأصاب في تقرير حقنا من قبل، ولا شك أنه يخطئ ويصيب في تقرير حقنا الآن».
فإشكالية المساواة لا تحل بمجرد أن يأخذ الرجل قرار تأنيث الأجهزة الحزبية والمكاتب السياسية، أو حتى الوزارات والمناصب الإدارية والترابية، بل تحل وفق مدخل ثقافي وحقوقي آخر هو ترسيخ ثقافة المساواة في أفق إعمال دولة المواطنة، وهو رهان تاريخي لا يقبل أنصاف الحلول وأشباهها، فـ«الكوطا» النسائية تأجيل للحل وليست بالبث والمطلق حلا، لأنها التفاف على المطلوب تاريخيا تجاه هذه القضية، ونقصد البدء بخلخلة البنيات الذهنية والثقافية التقليدية لصالح وضعية تحترم مواطنة المرأة وتصون كرامتها.
صحيح أن هذا الرهان يمر عبر مسالك تربوية وإعلامية، لكن تبقى للتشريح الثقافي قيمة وجودية في ثقافة فحولية بامتياز. فمن جلسات «الإمتاع والمؤانسة» في العصور الوسطى، إلى جلسات الإمتاع والمؤانسة في أحزاب القرن الواحد والعشرين؛ النسق الثقافي نفسه، بل وازداد انغلاقا، فالفاعلية المسنودة على نحو ثقافي صارم للرجل في اللغة والجنس والزواج والطلاق وغيره، في مقابل المفعولية أو الانفعال المرتبط بالمرأة، جعل مسألة الذكورة والأنوثة تؤخذ أحيانا كثيرة على نحو غيبي. هكذا فالذكورية امتياز ثقافي، لأنها رمز لاستمرارية الشرف والعرق والثروة، فوضعت لهذا الامتياز قواعد عرفت بعلم الأنساب، من قبيل كتاب «الإيناس في علم الأنساب» لصاحبه الوزير المغربي/ الرياض 1980، واليوم لازالت القواعد ذاتها، ففي الثقافة العامية، لازالت المرأة هي ذلك «الحشاك» الذي ينبغي ذكره رمزا «الولية» أو «مّالين الدار» إلى غير ذلك من الاستعارات والأحجبة، في تقاسم ثابت للأدوار، تكتفي فيه المرأة بأدوار خلفية وراء نجاح كل رجل، أو في أدوار «مسترجلة»، تستلب أنوثتها أو هكذا ما ينبغي لها سلفا أن تتقمصه، وبلغة الشاعر العربي النابغة الذبياني، فهي كحال «الدجاجات التي عليها أن تصيح صياح الديكة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى