الرئيسية

ملايين العجزة المغاربة يصارعون الفقر وتردي الوضع الصحي وهزالة التقاعد

عزيز الحور
الاهتمام بالمسنين يشكل مقياسا لتطور الخدمات الاجتماعية في الدول، فكلما كان وضع المسنين في المجتمع معتبرا كان حال المجتمع كله على ما يرام، لكن كلما عانى المسنون فراغا مؤسساتيا يواكب خصوصيتهم العمرية كلما تأكد أن ثمة خللا عاما في المنظومة الاجتماعية بالبلد.
وضع المسنين في المغرب ليس على ما يرام. جل التقارير التي صدرت أخيرا تؤكد ذلك. بما فيها تقرير أخير صادر عن منظمة دولية تعنى بحقوق المسنين هي منظمة «غلوبال آيدج ووتش». هذه المنظمة الدولية غير الحكومية، والتي يوجد مقرها في العاصمة البريطانية لندن، تتعقب، سنويا، وضع الأشخاص المسنين في 96 دولة، وتنشر تصنيفا لهذه الدول حسب اعتنائها وصونها لحقوق المسنين. النتيجة صادمة في التقرير الأخير لهذه المنظمة، والخاصة بسنة 2015، والذي صدر قبل أيام. التقرير يضع المغرب في الرتبة 84 من أصل 96 عالميا في ما يتعلق بتهيئة ظروف عيش ملائم للمسنين. ما الذي يجعل هذه المنظمة تزج بالمغرب في ذيل لائحة الدول من حيث اعتناؤها بالأشخاص المسنين؟ ما الذي يعانيه المنتمون لهذه الفئة العمرية في المغرب؟
لم تعد تفصل المغرب، وفق تقرير منظمة «غلوبال آيدج ووتش»، عن أسوأ دولة تعاملا مع المسنين، وهي أفغانستان، سوى 11 دولة. ما الذي جعل المغرب يسقط، حسب هذه المنظمة، إلى هاته الهوة السحيقة؟

مقالات ذات صلة

شيوخ المغرب بأعين أجنبية
بالرجوع إلى تقرير المنظمة نجد أنها اعتمدت، في تصنيفها، أربع مؤشرات أساسية هي «أمن الداخل»، ويقصد به العيش في محيط آمن بعيد عن التوتر والنزاع والحروب، و»الوضع الصحي»، الذي يشمل توفر العلاج والاستشفاء والتغطية الصحية و»الإمكانية»، وتتعلق بوجود مورد مالي يتيح للأشخاص المسنين العيش بشكل مستقل اقتصاديا، و»البيئة المواتية»، وتدخل فيها البنى التحتية والمرافق الاجتماعية الخاصة بالمسنين.
رتبة المغرب عالميا تختلف وفق التصنيفات المذكورة، ذلك أنه ثمة عوامل تجعل المغرب أفضل من دول عدة في توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمسنين وفي أساسها العيش بأمان، ذلك أن المغرب احتل الرتبة 65 عالميا في مؤشر «أمن الداخل»، على اعتبار أن المغرب لا يشهد توترا أمنيا ولا حروبا ولا ارتفاعا ملفتا في معدلات الجريمة، علما أن الدول التي تقدمت على المغرب في التصنيف هيكلها دول لا تشهد توترا ولا حروبا، غير أنه ثمة دول تشهد وضعا أمنيا مقلقا تقدمت على المغرب في التصنيف، على غرار العراق الذي حل في الرتبة 60 والأردن الذي جاء في الرتبة 57، رغم أن البلدين معا، وخصوصا العراق، يعرفان تهديدات أمنية محدقة، كما أن العراق يعد حاليا أحد أكثر بقاع العالم توترا بسبب سيطرة تنظيم «داعش» على كثير من أرجائه.
في تصنيفه للدول، حسب وضعها الصحي الخاص بالمسنين، وضع التقرير المغرب في الرتبة 72، متقدما على عدة دول تدخل دائرة الأقطار المتخلفة، في حين سبقته في هذا المؤشر، وفق تنصيف المنظمة الدولية، عدة دول بينها دول متقدمة، في حين تم وضع المغرب، في إطار تصنيف الإمكانيات المادية المخصصة للمسنين، والتي تأتي في مجملها من دخل قار ناشئ عن تقاعد أو غيره، في الرتبة 88، متراجعا وراء دول عدة بينها أقطار موجودة في أسفل العالم الثالث من ملاوي وزامبيا وكمبوديا وغانا، في حين اعتبر التقرير أن المغرب يوجد في الرتبة 89 دوليا على صعيد مؤشر وجود بيئة مواتية لعيش المسنين في الوقت الذي تقدمت فيه دول أسوء حالا من المغرب على الصعيد الاقتصادي في هذا المؤشر.
لقد احتلت سويسرا الرتبة الأولى في تصنيف منظمة «غلوبال آيدج ووتش» سنة 2015، في حين حلت أفغانستان أخيرة، بينما احتلت دول صناعية الرتب التسع عشرة الأولى، كما كان الحال في تصنيف سنوات 2013 و2014. التقرير خلص أيضا إلى أن الدول الإفريقية تحافظ دوما على مركزها في ذيل الترتيب، حيث برزت سبع دول إفريقية في الرتب العشر الأخيرة. هذا الوضع بررته المنظمة في تقريرها بالقول: «النزاعات هي الأمر المشترك بين الدول التي جاءت في القائمة (الضفة الغربية وغزة وباكستان وأفغانستان) وتؤثر النزاعات سلبيا على كل مؤشرات المعيار تقريبا. وضعت سويسرا مجموعة من السياسيات والبرامج التي تدعم قدرات كبار السن والرعاية الصحية لهم وتوفير بيئة ممكنة لهم، نظرا إلى أن نسبة كبار السن في سويسرا بلغت 24 في المائة من تعداد السكان. أما أفغانستان التي تقع على الجانب الآخر من المقياس فتبلغ نسبة من تجاوزوا سنة الستين فيها 4 في المائة، ولديها عدد أقل من السياسات المحلية والوطنية لتحسين نوعية حياة كبار السن. وبين هذا التفاوت بين الدول تقوم دول أخرى بانتهاج نماذج شاملة بالاستثمار في صندوق الضمان الاجتماعي، وتعزيز قدرة كبار السن في الوصول إلى الرعاية والخدمات الصحية ودمجهم اجتماعيا».
من القطعي وجود سويسرا وأفغانستان على طرفي النقيض في مؤشرات اهتمام الدولتين بأوضاع المسنين وظروف عيشهم، لكن يظهر أن من غير الواضح سبب وضع المنظمة المذكورة المغرب متأخرا عن العراق مثلا على مستوى الوضع الأمني الذي يعيش فيه كبار السن. فهل هذا يعني خللا في المعطيات؟ هل وضع المسنين المغاربة بهذا القدر من السيء الذي يجعل منظمة دولية تضع البلد في رتبة لا تفصلها عن رتبة أفغانستان، أرض التوتر والحروب والبلد الخارج من الحرب ومهد تنظيم القاعدة وحركة طالبان، سوى 11 دولة؟ هل توافق التقارير الوطنية حول المسنين على هذا التصنيف.

نظرة من الداخل
قلما تنشغل المنظمات والجمعيات المغربية بأوضاع المسنين. لكن ثمة تقرير يعود إلى شهر شتنبر من العام الماضي يرصد بعض جوانب حياة كبار السن في المغرب. التقرير الموضوعاتي أكدته المنظمة الديمقراطية للشغل بمناسبة اليوم العالمي للمسنين. هذا التقرير ركز على مجالين اعتبر أن على مستواهما تكمن مشاكل المسنين في المغرب، التقاعد والصحة.
يقول التقرير: «المتقاعدون والمتقاعدات فئة أخرى من المسنين يعانون معاناة حقيقية مع أنظمة التقاعد التي ينتسبون لها، وقد ألقت بهم بعد سنوات طويلة من العمل إلى أحضان الهشاشة والفقر بمعاشات هزيلة جدا وخاصة الفئة التي أحيلت للتقاعد قبل الإصلاح الأول والثاني الذي أدى إلى دمج التعويضات القارة في راتب المعاش ناهيك عن متقاعدي القطاع الخاص المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق المغربي المهني للتقاعد، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد الدين يعتمدون نظام الرسملة بدل التوزيع المعتمد من طرف الصندوق المغربي للتقاعد. فالمتقاعدون مدنيون وعسكريون لسنوات الثمانينات والتسعينات يحصلون على راتب معاش في آخر الشهر أقل بكثير من الفئة التي مسها الإصلاح سنة 1990».
ويضيف التقرير مركزا على حالة المتقاعدين العسكريين ذاكرا: «معاناة أخرى أقوى مست المتقاعدين العسكريين الذين أحيلوا على التقاعد في سن مبكرة، أي 45 سنة فأجورهم هزيلة جدا لا تتجاوز ألف درهم في الشهر كحد أدنى، وهي لا تكفي للمتطلبات الأساسية للعيش».
المواكبة الصحية للمسنين، وفق تقرير منظمة الشغل، يطرح بدوره مشاكل، إذ يذكر أنه «رغم التحولات الديمغرافية والاجتماعية والبيئة والبيوطبية التي عرفها المغرب والتغييرات السريعة التي يعرفها الهرم السكاني، فإن طب الشيخوخة مازال ضعيفا جدا ولم يحظ بعد بالأهمية التي يستحقها بناء على هذه التطورات والمغرب يعرف خصاصا حادا في أطباء اختصاصيين في أمراض الشيخوخة، وممرضات واختصاصيين في الحمية والترويض الطبي، وكذا أخصائيين نفسانيين ومساعدات اجتماعيات.. فالإحصائيات الرسمية تؤكد أن المغرب لا يتوفر إلا على 10 أخصائيين في طب الشيخوخة، أغلبهم أطباء متخصصون في الطب الباطني قضوا سنة من التكوين خارج المغرب ( 3منهم بالدار البيضاء و7 موزعين على المستوى الوطني)، أي بمعدل طبيب مختص في الشيخوخة لكل 300 ألف مسن، هذا إذا علمنا بأن عدد المسنين بالمغرب يفوق 3 ملايين نسمة منهم 80 ألف حالة مصابة بمرض الزهايمر، حسب بعض التقديرات الطبية. وفي نفس السياق ونظرا للتحولات المجتمعية والعزلة التي أضحت تعرفها فئة مهمة من المسنين، فإن بنيات الاستقبال ومراكز الايواء ورعاية المسنين قليلة جدا، بحيث إن عدد مراكز استقبال والعناية بالمسنين لا يتجاوز 40 مركزا بالمغرب».
الصورة التي رسمتها هذه المنظمة المستقلة لا تختلف كثيرا عن صورة عكسها تقرير لمؤسسة عمومية هذه المرة. يتعلق الأمر بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والذي أصدر، شهر ماي الماضي، تقريرا حول وضعية الأشخاص المسنين في المغرب. التقرير، الذي انطلق من ملاحظة أن 10 في المائة من سكان المغرب تتجاوز أعمارهم 60 سنة، خلص إلى أن واحدا فقط على خمسة أشخاص مسنين يستفيد من تغطية اجتماعية وطبية، مبينا أن معظم المسنين يتعذر عليهم الولوج إلى العلاجات، إضافة إلى تزايد تبعيتهم البدنيّة والمالية، في سياق أصبح التكفل فيه بهؤلاء الأشخاص داخل الإطار العائلي مهدَّدا، ولا سيما مع تزايد الطابع النووي للأسر المغربية.
تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أظهر أيضا أن تهيئة الفضاءات العمومية الحضرية الحالية غير مناسبة ولا تساعد على تسهيل حركية الأشخاص المسنين، ولا تتيح لهم تحقيق ذواتهم والانخراط الفاعل في الحياة الاجتماعية (وسائل نقل غير ملائمة، حالة الأرصفة، المراحيض العمومية، المقاعد في المنتزهات وفي جنبات الطرق الكبرى والحدائق، ومراكز ثقافية للقرب، وغيرها)، يوضح التقرير الذي يردف ذاكرا، في ملخصه: «انطلاقا من الوثائق وتحليل المعطيات المتاحة، والإنصات إلى العديد من الأطراف المعنيّة، وإجراء مقارنات دولية مع تجارب خمس بلدان أجنبية في هذا المجال، فإنّ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يوصي بوضع سياسة عمومية مندمجة في مجال حماية الأشخاص المسنين، تتوفر على أدوات المصاحَبَة والتقييم، وتقوم على احترام حقوق الأشخاص المسنين وصون كرامتهم، وعلى المشاركة والإدماج الاجتماعي».

retraite1

جيش المسنين في المغرب سيصل إلى 10 ملايين سنة 2050

يتجه الهرم السكاني إلى ارتفاع عدد الأشخاص المسنين، الأمر الذي قد يفاقم من وضعهم. فحسب تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، فإن عدد الأشخاص المسنين بالمغرب انتقل من 833 ألفا سنة 1960 إلى 2.9 ملايين سنة2012 ، أي بمعدل زيادة سنوية قدرها 2.4 في المائة، متجاوزا بذلك معدل نمو مجموع سكان المغرب الذي بلغ 2 في المائة. توقعات المندوبية تذهب في اتجاه أن عدد المسنين في المغرب سيصل، سنة 2050، إلى 10 ملايين، أي بمعدل نمو سنوي يعادل 3.3 في المائة، كما ينتظر أن يصل المسنون نسبة 24.5 في المائة من مجموع السكان عوض 9 في المائة حاليا. هذا الأمر راجع إلى التطور السريع في ارتفاع مستوى أمل الحياة عند الولادة الذي انتقل من47 سنة في أوائل الستينات إلى 74.8 سنة في 2010 وإلى بلوغ الأجيال المولودة، إبان فترات الخصوبة المرتفعة أعمارا متقدمة، وفق مندوبية التخطيط.
النساء المسنات يشكلن نسبة كبيرة ضمن الأشخاص الطاعنين في السن بالمغرب، ففي سنة 2012، بلغ عددهن 1.5 مليون، أي أكثر من عدد الرجال بعشرة آلاف، وسيصل الرقم، وفق توقعات مندوبية التخطيط، إلى 5.4 ملايين سنة 2050، أي بأكثر من 700 ألف من عدد الرجال المسنين، وذلك راجع، وفق المندوبية، إلى كون النساء في المغرب يتمتعن بأمل حياة أكبر من الرجال يقدر بـ75.6 سنة عند الولادة مقابل 73.9 سنة لدى الرجال.
أكثر من ذلك، فقد أكدت مندوبية التخطيط أن هناك نساء أرامل أو وحيدات بنسب أكبر مقارنة بالرجال، ذلك أنه بالنظر إلى كون زواج الإناث يتم في سن مبكر مقارنة مع الذكور، على اعتبار أن المتوسط لدى النساء بلغ 26.6 سنة مقابل 31.4 سنة لدى الرجال في 2010، إضافة إلى كون نسبة الزواج من جديد المسجلة في صفوف النساء اللواتي أنهين زواجهن الأول، هي نسبة 8.5 في المائة، وهي نسبة تقل عن النسبة المسجلة لدى الرجال وهي 14.5 في المائة، فإن احتمال وجود نساء في وضعية ترمل أو وحيدات، مقارنة مع الرجال، يكون مرتفعا عند بلوغهن 60 سنة فما فوق. وهكذا فنسبة الأشخاص المسنين الذين يعيشون لوحدهم أعلى بأربع مرات لدى النساء منها لدى الرجال، «بعبارة أخرى، فالنساء المسنات أكثر عرضة من الرجال لإنهاء حياتهن وحيدات بدون زوج. وتتفاقم هذه الوضعية الهشة للنساء بسبب ضعف معدل نشاطهن وتعرضهن أكثر للأمراض المزمنة، حيث أن 11 في المائة فقط من النساء البالغات 60 سنة فما فوق يتوفرن على شغل، مقابل 36 في المائة بالنسبة للرجال، في حين تحصل نسبة 57 في المائة منهم على مساعدات عائليات، وتعاني و66.6 في المائة منهن من مرض مزمن واحد على الأقل مقابل 53.3 في المائة بالنسبة للرجال)، وهي وضعية من شأنها أن تؤدي بنسبة كبيرة من النساء المسنات إلى العيش تبعا لأفراد آخرين من الأسرة، لاسيما وأن أكثر من تسعة من أصل عشرة منهن أميات، تضيف أرقام واستنتاجات المندوبية السامية للتخطيط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى