شوف تشوف

الرأي

من علم المواريث

أرسل لي المهندس مطاع من جدة هذه الأحجية العقلية وهي تصب في مبدأ العول في المواريث حسبما أذكر. قال الرجل حفظه الله: يقوم بعض المسلمين بإرسال ما يصلهم من بريد إلكتروني بتعجل إلى غيرهم – وبدون التحقق من صحة ما وصلهم أولاً- ظناً منهم أن ذلك يخدم الإسلام والمسلمين دوماً. وبذلك فقد ينتشر بين المسلمين ما لا يصح أصلاً فيتقبله البعض على أنه حقيقة لا جدال فيهما.
وبالطبع يحمل البريد الإلكتروني، كغيره من وسائل الإعلام، الغث والسمين، والمغرض والناصح، والمدفوع الأجر وكذلك التطوعي عن قناعة أو سذاجة.
وقد وصلني مؤخراً ما يلي:
أن هناك معضلة في الرياضيات مازالت محيرة للعقول !!كان هناك ثلاثة رجال يمتلكون 17 جملا عن طريق الإرث بنسبٍ متفاوتة
فكان الأول يملك نصفها، والثاني ثلثها، والثالث تسعها :
وحسب النسب يكون التوزيع كالآتي: الأول يملك النصف (17÷2) = 8.5
الثاني يملك الثلث (17÷3)= 66،5
الثالث يملك التسع (17÷9 ) = 1.88
ولم يجدوا طريقة لتقسيم تلك الجمال فيما بينهم، دون ذبح أي منها أو بيع جزء منها قبل القسمة، فما كان منهم إلا أن ذهبوا للإمام علي رضي الله عنه لمشورته وحل معضلتهم .
قال لهم الإمام علي رضي الله عنه: هل لي بإضافة جمل من جمالي إلى القطيع؟؟ فوافقوا بعد استغراب شديد !!
فصار مجموع الجمال 18 جملا، وقام الإمام علي (رضي الله عنه) بالتوزيع كالتالي :الأول يملك النصف (18÷2) = 9
الثاني يملك الثلث (18÷3) = 6
الثالث يملك التسع (18÷9)  = 2
ولكن الغريب في الموضوع أن المجموع النهائي بعد التقسيم يكون: 17 جملا.
فأخذ كل واحدٍ منهم حقه واسترد الإمام جمله (الثامن عشر). وتعد هذه من روائع الإمام علي رضي الله عنه وهي منقولة عن مجلة طيب الخاطر.
وبتحليل ما تقدم نتوصل لعدم صحته وبيان ذلك كما يلي: الأول له النصف، والثاني له الثلث ولو فرضنا أنهما مع الثالث يملكون التركة بكاملها لوجب أن يكون نصيب الثالث هو السدس وليس التسع.
والفرق بين السدس والتسع هو نصف التسع.
ويمكن أن يصحح الأمر بالقول أن هناك وريثا رابعا له نصف التسع ونصيبه من 17+1=18 جمل يعادل الجمل الذي أضافه سيدنا علي لإجراء القسمة.
وبحسب الرواية، قام سيدنا علي – دون أن يدري وحاشى له ذلك – بتوزيع حصة الرابع على الثلاثة فحصل الأول على تسعة جمال بدل ثمانية ونصف وهكذا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا – وهو برسم المفكرين المسلمين مثل – د.خالص جلبي – هو كيف نقوم بخدمة ديننا وإخواننا بعدم التعجل بتعميم ما يصلنا لمجرد أنه ظاهرياً يخدم الإسلام والمسلمين؟
وفي أمثال هذه القسمة أتذكر أكثر من قصة للإمام علي كرم الله وجهه وهي تدخل باب العول كما ذكرنا، فيذكر عنه أنه كان يخطب يوما على القافية على المنبر: الحمد لله الذي حكم بالحق قطعا وإليه المآل والرجعى ويجزي كل نفس بما تسعى.. فقام رجل فقال يا أمير المؤمنين ما تقول في رجل مات وترك زوجة وابنتين وأما وأبا؟
فأدرك الإمام علي أنه يريد حصة المرأة فتابع خطبته على نفس القافية: ثمن المرأة أصبح تسعا؟؟
وكنت يومها قد قدمت امتحانات البكالوريا فكان دماغي يقدح قدحا ولكن جسدي كان منهكا فبقيت شهرا متسطحا على ظهري من فرط التعب ولكن مقابل جائزة الفوز بالرتبة الأولى على محافظة الحسكة يومها.
وأذكر أنني قرأت كتاب المواريث لرواس القلعجي وأتمنى أن يقع الكتاب في يدي مرة أخرى. قرأته في يوم واحد وأنا نائم على ظهري فما زال في الذاكرة حتى اليوم.
ومنه هذه القصة فالمعروف من علم المواريث أنه إذا اجتمعت بنتان وأم وأب وزوجة فإن حصة الأم السدس والأب السدس والابنتان الثلثان والزوجة الثمن لوجود الأولاد.
ولكن كيف يمكن أن تقسم الحصص على هذا الشكل؟؟
لو تصورنا أن المخرج من 24 فمعنى هذا أن البنتين تأخذان 16 وكلا من الأب والأم 4 والزوجة 3 ولكن جمع هذه النسب يخرج 16+4+4+3= 27 وليس أربعة وعشرين وهذا يعني كما ذهب إلى ذلك جماعة العول، أي إدخال النقص على النسب وتوسيع قاعدة المخرج فيصبح الميراث في مثل هذه الحالة من 27 قسما وليس 24 قسما.
أما أمام هذه القصة فقد خرج الإمام علي بحل عبقري هو من نفس مبدأ العول مقلوبا بالزيادة وليس النقص كما في المسألة المنبرية، أي إدخال مخرج واسع للقسمة ثم إعطاء الحصص بنسبة مختلفة مع قاعدة المخرج للنسب.
وهكذا فكانت الجمال 17 وبافتراضها 18 تسهل قسمتها ولكن النتيجة هي ضغط الرقم بأقل من واحد عمليا فيخرج صاحب كل قسمة بقسمته بدون نحر الجمال وتقطيعها كما افترض البعض. وهو حل ذكي ومن خارج حلقة البحث كما يتصوره علماء النفس.
وفي قصة العول اختلف العلماء وينقل عن ابن عباس قوله إن لم تخني الذاكرة والذي نفسي بيده الذي أحصى رمل عالج لم يجعل في المال نصفا وثلثين.
وقصة المواريث ملحمة من ملاحم الرياضيات ممتعة لأبعد الحدود. وهي مضغوطة في ثلاث آيات من سورة النساء في أولها اثنتان وتختتم السورة بآية الكلالة، من الإكليل أي حواف المتوفى من أخوات وأخوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى