الرئيسية

نهايات مأساوية لأجانب اختاروا أن يحبوا في المغرب القديم

«هناك، كانت قد اعتادت أن تشرب الشاي على الطريقة البريطانية وقت العصر، في انتظار زوجها لينتهي من عمله المكتبي، ولم يكن يفصل عن موعد زفافهما سوى أسابيع قليلة، حتى أنها شرعت في إرسال الدعوات عبر البريد، وشحنت بحرا لتصل إلى معارفها في بريطانيا، تدعوهم فيها إلى الحضور للمغرب لاكتشاف طنجة وحضور زفافها أيضا.
في مقهى الفندق تعرفت على الشاب الإسباني، وكان الأمر في البداية مجرد مصادفات تتكرر بشكل يومي، يتبادلان خلالها التحية إلى أن تطورت الأمور بينهما لتنبهر بشخصيته، وقبل أن تلتقط أنفاسها، سارع إلى البوح لها بمشاعره. ردت عليه بأنها مرتبطة وأن زفافها قريب جدا، فكانت صدمتها كبيرة عندما علمت أنه يعرف مسبقا أن زفافها قريب، وباح لها أنه غامر بإخبارها بمشاعره وأنه كان يتعقبها لأسابيع». هذه فقط بداية قصة حب اشتهرت في طنجة، وتسببت في مأساة شخصية لنائب القنصل البريطاني في المغرب.

عندما نبضت القلوب وأُسست علاقات عاطفية وسط الرصاص
إلى جانب أننا كنا مستعمرة تتنافس عليها الدول، وأجدادنا يتفرجون غارقين في المشاكل الاجتماعية وقلة ذات اليد، فإن هذا لم يمنع الأجانب أن يروا في المغرب أرضا للرومانسية المفرطة التي تدفعهم إلى اتخاذ قرار الارتباط في أرض بعيدة عن وطنهم الأصلي، بالرغم من أن أناسها يرفضون وجودهم على ظهرها من الأساس.
الكثيرون خرجوا من المغرب بانطباعات سلبية كثيرة، تندد بالجو المحافظ جدا السائد في المغرب، خصوصا علاقة الرجل بالمرأة والأساطير التي كانت تحاط بها النساء المغربيات حتى لا يتعرفن على الأجانب. فقد ذكر في أكثر من مصدر أجنبي، أن المغربيات كن يتخفين حتى لا يراهن أحد غير أزاوجهن. حتى أن أحدهم كتب أن كل من كان يصعد إلى أسطح منازل فاس للتلصص على النساء، يكون مصيره هو الموت فورا، بطلقة بندقية من حارس مهنته هي الحرص على ألا يصعد أي رجل إلى أسطح المنازل.
إليكم القصة كما وردت لدى هاريس، الذي سنورد مقطعا آخر من مذكراته في هذا الملف. يقول: «على أسقف البيوت المسطحة لمختلف القرى المغربية، أمضيت أجمل الساعات خلال إقامتي. لكنها في فاس، كانت مخصصة للنساء فقط، ويمنع الرجال من استعمالها.
عندما جئت إلى فاس أول مرة لم أستوعب الأمر ولم أكن أعلم. صعدت إلى سطح البيت الذي وضعه المولى عبد الحفيظ رهن إشارتي، لكنني لم أمكث فيه طويلا، لأن طلقة مجنونة صوبت نحوي وكادت تصيبني.
ولم تكن تلك المرة الوحيدة، بل تبعتها مرات أخرى. ناداني «بوسليم» مرة إلى الحديقة وشرح لي سبب تلك الطلقات. ومن يومها لم أعاود الصعود مرة أخرى.
العزلة التي تعيشها النساء هنا، تمنع وجود أي قصص حب أو علاقات غرامية. جميع الزيجات هنا تتم بتخطيط من الآباء لكلا الطرفين. ولا يرى الزوجان الشابان بعضهما، إلا بعد عقد القران وانتهاء مراسم الزفاف».
في وسط هذا الجو المحافظ، أحب الأجانب وعشقوا وعاشوا مغامرات عاطفية في المغرب، وصل صداها إلى الخارج، كان أطرافها في الغالب أجانب. لكن قصة فريدة، سنوردها لاحقا، تقول إن المغاربة أيضا كانوا طرفا في حلقات العشق، وأحدهم دفع حياته مقابل حبه لسيدة فرنسية كانت تملك حانة شهيرة في القنيطرة، أواسط أربعينات القرن الماضي، ونسجت حكايات كثيرة منها أنها طمعت في ثروته العائلية وتخلصت منه عندما أصبح مفلسا، وأخرى تقول إن بعض الأجانب ممن كانوا يتنافسون معه للوصول إلى قلب السيدة بريجيت، وهذا اسمها، كانوا وراء تصفيته. فيما رواية أخيرة تقول إنه تعرض لحادث سير عندما كان في طريق عودته من سهرته اليومية في الحانة.
الإجماع يقع على أن هناك قصص حب حقيقية ظهرت في المغرب، في وقت لم يكن فيه الحديث عن الحب مطروحا نهائيا. فحتى بعد القصة الشهيرة لـ«إميلي كين»، شريفة وزان، التي جاءت إلى المغرب في مهمة دبلوماسية قبل أزيد من 120 سنة لتكتشف أنها وقعت في حب شريف وزان، وقبلت أن تتزوجه رغم نصائح أسرتها لها، ورغم الضغوط التي مورست عليه من طرف القصر وقتها، بسبب وضعه الاعتباري في البلاد ومهامه على رأس الزاوية التي ينتمي إليها، إلا أنه ترك كل شيء مقابل أن يتزوج إميلي وينتقل معها إلى طنجة، ليعيشا هناك قصة حب كبيرة توجت باعتناقها الإسلام وميلاد ابنين، سيبقيان إلى جانبها بعد رحيل شريف وزان، وتختار هي أيضا أن تدفن في مقبرة العائلة في طنجة إلى جواره أمام مشهد يطل على البحر الأبيض المتوسط، تتراقص فيه أضواء إسبانيا من بعيد.
لم تكن قصص الحب الأخرى موفقة مثل هذه القصة أعلاه. فأغلب العلاقات التي اشتهرت في فترة التنافس الاستعماري على المغرب، كانت إما خيانات، وإما صراعات بين من سيفوز بقلب سيدة جميلة في أوساط الجنود والموظفين السامين الذين كانت تفيض بهم طنجة، على اعتبار أنها كانت وقتها منطقة دولية.

زوار الباشا الكلاوي.. العلاقات العاطفية السرية خلف أسوار مراكش
لمراكش وحدها سحر خاص في حياة الأجانب الذين استقروا في المغرب، فحتى طنجة التي كانت لها وضعية اعتبارية بحكم أنها كانت تعتبر منطقة دولية، لم تنجح في خطف الأضواء التي سلطت على مراكش، منذ أيام الباشا الكلاوي الذي كان فيها صديقا للأجانب.
وقد ورد في عدد من مذكرات ضيوفه، وبعضهم أجريت معهم حوارات في المجلات والجرائد الأجنبية، أشهرها «التايم» التي كانت قد خصصت استطلاعا ضخما عن الباشا الكلاوي وإقامته الخاصة في مراكش، وملعب الغولف الخاص به، أنه كان محط إعجاب الكثير من الفتيات الأجنبيات، البريطانيات خصوصا، رغم أنه كان لا يفرط في لباسه التقليدي. إلا أنهن كن يرين فيه رجلا يجمع بين الوجاهة والسلطة والمال، وهذه الأمور كانت هي المعايير الأكثر طلبا، خصوصا خلال سنوات الأربعينات.
لكن المصادر التاريخية المتوفرة، لم تتطرق قبلا، لأي علاقة بين الباشا وهؤلاء المعجبات المفترضات.
لكنها تحدثت كثيرا عن إعجابه ببعض الشهيرات في السينما والغناء، حتى أنه كان يحرص على حضور حفلاتهن عند زيارته إلى فرنسا، ويوجه إليهن الدعوة بشكل مباشر لزيارته في المغرب. لكن لم يكن هناك أي حديث عن نشوء علاقة عاطفية مع إحداهن.
ولعل ما يؤكد هذا الأمر، هو رفض الملكة إليزابيث في حفل تنصيبها، الحصول على هدية من الباشا مباشرة، ورفضت بشكل مباشر، وتم إشعار الباشا الكلاوي بالأمر مباشرة، رغم أن صديقه تشرشل حاول أن يوصل إليه الرسالة بلطف، إلا أن إليزابيث ومحيطها كانوا واضحين جدا بخصوص الهدايا التي قدمها الباشا وأعيدت إليه، وقدموا له تبريرا واضحا: الملكة لا تقبل هدية إلا من الملوك.
وقد كانت خيبة الباشا كبيرة، حتى أن بعض الذين تشفوا فيه بعد أن كانوا لا يغادرون إقامته ويحضرون حفلاته، قالوا إنه أصيب بخيبة كبيرة بعد أن كان يطمح إلى مقابلة الملكة.
تحدث، الأمريكيون خصوصا، عن خدمات قدمها لهم الباشا الكلاوي، عن طريق توفير إقامة باذخة لزواره، والذين كان بعضهم يقصد الباشا لقضاء شهر العسل في مراكش، وهكذا كان بعض الجنود من أصحاب الرتب الرفيعة، يلجؤون إلى إقامة الباشا، نظرا لغياب فنادق في محيطه، ويجدون داخل الإقامة جميع سبل الراحة التي توفرها الفنادق المصنفة، ويقضون شهر العسل، مستفيدين من هدايا كان الباشا الكلاوي يقدمها لهم خصيصا في تلك المناسبات. وهكذا كان هذا الرجل الذي يشاهد صارما في الغالب، بشوشا ومغدقا بسخاء عندما يتعلق الأمر بالحب.
وقد شهدت الحفلات التي أقامها طيلة سنوات قوته كرجل نافذ في المغرب، مناسبات تعارف بين أجانب وأجنبيات كللت بالزواج في ما بعد، وما زالوا يحتفظون لإقامة باشا الكلاوي بتذكار على أساس أنها مهد بدء العلاقة التي تجمع الطرفين. إذ إن تلك الحفلات كانت تقام بناء على دعوات يتولى المقربون من الباشا الكلاوي توزيعها على معارفهم من الجنود في السلاح الأمريكي والذين كانت مكاتبهم في القنيطرة، بالإضافة إلى عسكريين فرنسيين بارزين، وضيفات من نخبة المجتمع الفرنسي، واللواتي اخترن أن يبدأن حياتهن في المغرب باعتباره مستعمرة فرنسية.
إحدى أشهر هذه القصص، والتي لم يتطرق إليها ابن الباشا في الكتاب الذي ألفه عن أبيه وأسماه «الأوبة»، رغم أنه ذكر أمورا كثيرة تتعلق بحيثيات حياة والده وعلاقاته مع النافذين الأجانب الذين استضافهم جميعا في منزله الخاص، ونشر رسائل تؤرخ لكل تلك الزيارات، إلا أنه لم يتحدث عن الزيجات التي كان والده الباشا الكلاوي سببا مباشرا فيها. إذ كانت بعض الضيفات اللواتي كن يلبين دعوة الباشا الكلاوي لحضور الحفلات الخاصة التي يقيمها، يتعرفن على عسكريين وموظفين مهمين في الخارجية، فرنسيين وأمريكيين وجنسيات أخرى، ويحدث أن تتطور تلك العلاقات لتكلل بالزواج.

حياة الليل التي قتلت مغاربة الأربعينات بسبب الحب
في مغرب الأربعينات، كانت هناك سيدة فرنسية تقيم في القنيطرة وتملك حانة يتردد عليها الأجانب، على وجه الخصوص، ولم يكن بها أي مكان للمغاربة. إلا أن بداية الخمسينات عرفت توافد جيل جديد من الشبان المحليين الذين بدؤوا ينفتحون على الحياة، وهكذا كان ابن إحدى عائلات الأعيان في منطقة دكالة، يتردد كثيرا على حانة السيدة الفرنسية التي كانت تسمى مدام بريجيت. ذُكرت قصة هذه السيدة في عدد من الصحف الفرنسية، التي تناولت قصتها، أو تطرق إليها أحد الفرنسيين الذين كانوا يقيمون في المغرب في ذلك الوقت، وكانوا يراسلون الجرائد الفرنسية التي كانت تنشر مقالات كثيرة عن المغرب. واكتسبت حانتها سمعة كبيرة في القنيطرة، واستطاعت منافسة الحانات الأمريكية التي كانت تتوفر وقتها على أحدث تجهيزات القمار وآلات اللهو.. إلخ.
تعرف «الدكالي» وهكذا كانت شهرته، على مسيرة الحانة وسرعان ما كان جميع الزبائن الدائمين يعرفونه كواحد من أبناء الأعيان والفلاحين الكبار، رغم أن مستواه الدراسي لم يكن كبيرا ولم يكن يطمح إلى متابعة دراسته في الخارج. ففي ربيعه الثاني والعشرين، وهو العمر التقريبي الذي أعطاه له جل من تطرقوا إلى قصته، كان يكتفي فقط بزيارة الحانة، حيث كان يقضي الليل من بدايته إلى نهايته. ليكون بذلك حاضرا في الحانة منذ الساعات الأولى لافتتاحها، ولا يغادرها إلا بعد أن تحثه «المدام» على المغادرة. حتى حراس الملهى لم يكونوا مخولين للحديث معه، بتوصية خاصة من صاحبة الحانة التي كانت تمنحه يوميا طاولة مميزة، باعتباره ضيفا غير عادي على الحانة. وهو ما جعل عددا كبيرا من الأجانب يغارون منه، خصوصا أحد العاملين في الإدارة الفرنسية الذي اتهمه أكثر من مرة، عندما يبالغ في الشرب بأنه يتجسس لصالح «المخربين» المغاربة. وهي التسمية التي كانت تُطلق على المقاومين والمنتمين للخلايا السرية التي كانت تنفذ عمليات ضد الفرنسيين. لكنه لم يكن يهتم كثيرا بما يقع في المغرب من أحداث، وهو ما جعل الجميع لا يصدقون التهمة التي حاول موظف الأمن إلصاقها به، لأنهم كانوا يعلمون أيضا أن صاحبة الحانة كانت تربط علاقة عاطفية سابقة معه، ولا بد أنه يغار من الاهتمام المبالغ فيه الذي كانت توليه للدكالي الذي كان سخيا، إلى الحد الذي كان فيه يؤدي عن الجميع ثمن الشرب بين الفينة والأخرى.
المأساة بدأت عندما باتت العلاقة بين «مدام بريجيت» والدكالي الذي كان اسمه «سي محمد» تتوطد، إلى الحد الذي كانت معه تترك المنضدة الرئيسية لمساعديها وتجلس لتشاركه طاولته، ووجهت إليها تهمة من طرف بعض مرتادي الملهى. ملخص التهمة أنها كانت تولي اهتماما خاصا للمغربي فقط، لكي تحصل منه على أكبر قدر من المال كل ليلة. لكن آخرين، خصوصا النافذين، كانوا يتهمونها بأنها كانت تعمل مع المخابرات الفرنسية، وكانت تحاول السيطرة على زبونها الثري، لتحصل منه على معلومات بخصوص بعض أسماء الأعيان في منطقته وعلاقتهم بتمويل خلايا المقاومة وتزويدها بالسلاح.
لكن المثير في حكاية هذا الدكالي أنها كانت حديث أهل قريته في نواحي دكالة، بعد أن كانت نهايته مأساوية. حيث وجد مقتولا في سيارته في الطريق التي كانت تربط القنيطرة بالدار البيضاء، في أولى ساعات فجر إحدى الليالي الماطرة. وقيل إن الأمر لم يكن يتعلق بحادثة سير لأن السيارة كانت سليمة، ورجحوا أن يكون قد صفي من محيط مرتادي الحانة، خصوصا وأن عائلته أصيبت بالصدمة بعد وفاته، عندما اكتشفوا أنه باع أغلب ممتلكاته التي كانت وقتها تقدر بالملايين، ولم يتبق معه إلا قدر من المال كان مخبئا بعناية في منزل العائلة. ونسجت بعض الأساطير حول علاقته بالفرنسية مسيرة الملهى، لكن سرعان ما نُسيت قصته مع مرور السنوات.

حريم المخزن.. المحظيات اللواتي عشقهن الأجانب وضُربت حولهن السرّية
لم يثبت أبدا في التاريخ أن أحد الأجانب الذين كانوا يترددون على القصر الملكي أو صادقوا الملوك، نجح مثلا في التعرف على حريم القصر، أو الحديث إلى إحداهن. حتى أن بعضهم أكدوا أنهم لم يكونوا يعرفون أي شيء حتى عن مكان تجمع وإقامة الحريم داخل القصور. باستثناء كتاب «المحلات السلطانية» الذي قال فيه صاحبه، إنه كان يسمع ضحكات حريم القصر وهن يشاهدن السينما لأول مرة بعد أن تم تزويد القصر بواحدة، كما أن أصدقاء المولى عبد العزيز كانوا يسمعون الحريم وهن يسقطن أرضا عندما كن يجربن ركوب الدراجة الهوائية.
يمكن أن يكون «أرنو»، صاحب الكتاب، قد بالغ في بعض تفاصيل ما يرويه من مذكرات عقب إقامته إلى جانب المولى عبد العزيز. لكنه لم يقل أبدا في كتابه إنه رأى حريم القصر بشكل مباشر.
لنرى أيضا ماذا قال شاهد آخر، هو «هاريس» بهذا الخصوص: « في إحدى الليالي جاءني مخزني مع حوالي الساعة الثامنة مساء، وقال لي إنه يجب أن أحاول الخروج وأتوجه إلى القصر لرؤية السلطان. كنت ما زلت مريضا، أخذت معي «بوسليم» حتى أتكئ على كتفه القوي. كان مسرورا جدا، لأن الفرصة ستسنح له كي يرى السلطان، واستحم جيدا قبل الخروج. أخذت معي نسخة بيانية هي الأولى المرفقة مع تقريري عن الحوار الذي أجريته مع مولاي حفيظ، مرفوقة بالصور الخاصة بلقائي الأول به.
قصدنا القصر من طريق مختلفة هذه المرة، كان مولاي حفيظ يغيّر مكان إقامته في القصر بشكل دوري، ولا بد وأنه يملك سببا وجيها لهذا الأمر. هذه المرة وجدناه في الجهة التي تأوي الحريم».
يواصل صاحب هذه الرواية في القول إنه رغم لقائه بالسلطان داخل القصر، إلا أنه لم يقابل أيا من الحريم، والغريب أنه باح في ما بعد بأنه كان يتمنى لو أنه رأى بعضهن، خصوصا وأنه سمع الكثير عن جمالهن. فقد روى له أحد أصدقائه المراكشيين في إحدى السهرات التي كان يحضرها، ويتبادل فيها أطراف الحديث مع الناس بحكم إتقانه للغة العربية وإقامته في الشرق لسنوات في إطار استكشاف المستعمرات البريطانية، أن نساء القصر يكن بالضرورة من أجمل نساء البلاد، وأن أغلبهن يُقترحن كنخبة فتيات المناطق التي ينتمين إليها. وهكذا بقي الفضول حاضرا لدى عدد كبير من الأجانب، حتى أن أحد الأطباء الألمان، وكان قد جاء إلى القصر الملكي ليكون طبيبا خاصا أواخر سنة 1914، بعد أن اقترحه أحد الوزراء المغاربة المقربين جدا من المولى يوسف، ويقال إنه هناك قام بعلاج إحدى النساء في جناح الحريم. وقد كان يروج في طنجة أن الطبيب عاد إلى بلده مغضوبا عليه، بعد أن باح لبعض موظفي المخزن أنه أحب الفتاة التي نجح في علاجها من مرض جلدي كان يكسو جسدها بالكامل، وهذه الرواية هي التي تسببت في طرده نهائيا من المغرب.

نصاب إسباني يسرق خطيبة موظف في قنصلية الإنجليز في طنجة

ورد في مذكرات «شتاء في المغرب» والذي بالغت صاحبته في تصويرنا على أننا شعب بدائي، أن قصة حب غريبة جمعت بين موظف في القنصلية الإسبانية سنة 1899 وبين شابة بريطانية جاءت إلى طنجة، على أساس أن تلتحق بخطيبها الذي عين هناك موظفا بدوره في المصالح الإدارية لبلاده. لكن الصدفة وحدها جمعت بين هؤلاء في إحدى الحفلات التي نظمت في فندق بطنجة، وكانت الظروف وقتها لا تسمح بلقاء بين موظفي القنصليات، لأن العلاقات بين الدول الأوربية كانت غاية في التوتر.
وقد جاء في مذكرات أخرى، يقول أرشيف جامعة كاليفورنيا إنها تعود إلى أحد القناصلة الإيطاليين، بخصوص القضية، ما يلي: «كنت جالسا مع أحد أصدقائنا وقد أخبرني أن القصة باتت متداولة في وزارة الخارجية. بخصوص العلاقة العاطفية التي جمعت بين موظف القنصلية الإسبانية الذي كان لتوه يشارف على الثلاثينات من العمر، وبين خطيبة موظف نافذ جدا في القنصلية البريطانية، وهو الذي كان مكلفا بالتوصيات التي تُمنح عادة لكل المواطنين الإنجليز لتسهيل مهامهم في المغرب، حتى لو جاؤوا للمغامرة والسياحة فقط.
تعود تفاصيل القصة إلى أيام يناير من السنة الماضية. كان مساعد القنصل البريطاني قد أمضى حفلات أعياد الميلاد في مسقط رأسه ضواحي مانشستر، وكان من أسرة معروفة هناك. واتفق مع خطيبته أن تلتحق به، والتي كانت اسمها «جانيت»، بعد أن وعده القنصل أن يقيم له حفل زفاف في مقر القنصلية ويوثق الزواج في الكنيسة التي كانت حديثة البناء في طنجة، والتي كان يتردد عليها الإنجليز بكثرة.
عندما جاءت الخطيبة، انبهر الجميع بجمالها، بمن فيهم القنصل، فقد أثنى على جمالها كثيرا، واعتبر أن مساعده محظوظ جدا بحصوله على زوجة استثنائية. وقد كانت التعليقات بالثناء، وأحيانا الغزل الممزوج بالمكر، تنهال عليها كلما حضرت لعشاء من حفلات العشاء التي كان يقيمها الإنجليز بشكل شبه يومي، بمناسبة وبدونها.
بدأ المشكل شهرين فقط بعد وصولها، عندما بدأت تتردد أثناء ساعات عمل زوجها على فندق يطل على منظر تبدو فيه طنجة كاملة من أعلى الجبل. هناك، كانت قد اعتادت أن تشرب الشاي على الطريقة البريطانية وقت العصر، في انتظار زوجها لينتهي من عمله المكتبي، ولم يكن يفصل عن موعد زفافهما سوى أسابيع قليلة، حتى أنها شرعت في إرسال الدعوات عبر البريد، وشحنت بحرا لتصل إلى معارفها في بريطانيا، تدعوهم فيها إلى الحضور للمغرب لاكتشاف طنجة وحضور زفافها أيضا.
في مقهى الفندق تعرفت على الشاب الإسباني، وكان الأمر في البداية مجرد مصادفات تتكرر بشكل يومي، يتبادلان خلالها التحية إلى أن تطورت الأمور بينهما لتنبهر بشخصيته، وقبل أن تلتقط أنفاسها، سارع إلى البوح لها بمشاعره. ردت عليه بأنها مرتبطة وأن زفافها قريب جدا، فكانت صدمتها كبيرة عندما علمت أنه يعرف مسبقا أن زفافها قريب، وباح لها أنه غامر بإخبارها بمشاعره وأنه كان يتعقبها لأسابيع.
لا أحد يعلم ما دار بينهما بعد ذلك، لكن صباح يوم العطلة الأسبوعية كان مأساويا، لأنها اختفت تماما عن الأنظار، وتركت وراءها رسالة في الفندق لخطيبها تعتذر خلالها عن كونها لا تستطيع الارتباط به».
حاولنا هنا اختصار الحكاية على الأقل، لأن صاحب هذه الرواية يقول إنه رواها كما سمعها، ومن الوارد أن تكون بها يعض المبالغات، خصوصا وأنه يقول في الأخير إنها هاجرت إلى إسبانيا مع شريكها الجديد، واكتشفت في ما بعد أنه كان يعمل في الجيش الإسباني، وأنه كذب عليها في طنجة لأنه أخبرها أنه رجل أعمال ينحدر من عائلة ثرية. وكان مثل فص ملح وذاب. حتى أن الخطيب البريطاني ترك عمله في القنصلية وحاول تعقب آثار الفارين، خصوصا وأن إخباريات كانت تفيد بأنها لمحت الخطيبة تمضي ساعات طويلة مع الشاب الإسباني في مقهى الفندق، وأحيانا كانا يصعدان إلى الفندق الذي كان ينزل به.

عندما يعشق الجنود.. الرسائل التي أرّخت لحب عساكر أمطروا الشمال بالقنابل

تداول بعض الباحثين المغاربة في تاريخ منطقة الشمال، أخيرا، وثيقة غاية في الأهمية، توثق لمراسلات بين جندي إسباني وحبيبته، التي كانت قلقة كثيرا على وضعيته بالمغرب وهو يشارك في الحرب التي شنتها إسبانيا على الريف. وتعد الوثيقة مهمة من الناحية التاريخية، بغض النظر عن تفاصيل العلاقة الغرامية التي تؤرخ لها. لأن الرسالة كانت توفر معرفة حيثيات مشاركة الجنود الإسبان في الحرب وانطباعاتهم عن المغرب.
لن نخوض هنا في تفاصيل الرسالة بحكم أن أحد الباحثين المغاربة منكب على إصدار بحث شامل عن عدد من الرسائل التي يتوفر عليها الأرشيف المغربي، بعد أن عثر عليها المواطنون في مناطق قديمة في الشمال. الأرجح أيضا أن سبب بقاء تلك الرسائل في المغرب، هو موت أصحابها على جبهة القتال، أو ورود خطأ في البريد الذي كان وقتها تابعا للجيش الإسباني، حيث كان موظفوه يتولون نقل الرسائل بين الجنود في جبهات القتال في الشمال والعائلات في إسبانيا.
ألف الأمريكيون خصوصا، روايات كثيرة اعتمادا على الرسائل الغرامية التي كتبها الجنود لشريكاتهن، خصوصا خلال الحرب العالمية الثانية. لكن ما وقع في الشمال المغربي، بقي محتشما بالرغم من فظاعات الأحداث التي تورط فيها الجنود الإسبان والتي لا تزال جمعيات مدنية وحقوقية في الشمال تطالب، على خلفيتها، برد الاعتبار للضحايا وأسرهم، خصوصا وأن الأسلحة الكيماوية التي استعملت لا تزال آثارها الجانبية مصدر معاناة عدد من القرويين في نواحي الريف.
سيكون مثيرا الوقوف على الجانب العاطفي لجنود استعملوا وسائل إبادة فتاكة بدون رحمة في حق آلاف الأبرياء باسم التوسع الاستعماري، إذ كان واضحا من خلال الرسائل التي كانوا يرسلونها إلى حبيباتهن وزوجاتهن، أنهم لم يكونوا راضين تماما عن المهام الموكولة إليهم، وأنهم كانوا يرغبون في إنهاء مهمتهم في أقصر مدة للمغادرة. وهناك مصادر، إسبانية بالخصوص، تحدثت عن انهيار لعدد من العلاقات العاطفية، بسبب تأثر الجنود الإسبان بالقذائف التي كانت تلقيها الطائرات الإسبانية على سكان الريف أثناء الغارات، ليصبحوا بدورهم يحملون الأعراض ذاتها، بالرغم من أنهم كانوا يرتدون خُوَذ للتنفس وسط الغازات السامة، إلا أنها لم تكن وقتها متطورة بالشكل الذي يضمن كليا عدم استنشاقهم للغاز السام. بالإضافة إلى أن بعضهم نالتهم نيران الثوار الريفيين، وهناك جنود إسبان فقدوا أطرافهم، وعادوا خائبين إلى بلدهم، لتنهار علاقاتهم العاطفية والأسرية بعد أن تبدلت حياتهم رأسا على عقب. وهكذا تكون حرب الريف قد عصفت بعدد كبير من العلاقات العاطفية.
المصادر نفسها في الأرشيف الإسباني، أشارت إلى تداول الجنود الإسبان لاسم ثائرة ريفية، لكن بعضهم رجحوا أن تكون شخصيتها مجرد أسطورة محلية لإرعاب الإسبان، إذ يقال إنها كانت شديدة الجمال، وكانت تستدرج الجنود الإسبان بسبب جمالها، إلى أن تتمكن منهم، وتقتلهم ببندقية كانت تخبئها أسفل سرج فرسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى