الرأي

هل تنجح الوساطة الباكستانية في منع الصدام السعودي الإيراني؟

لم ترشح حتى الآن أي مؤشرات على نجاح المهمة التي يقوم بها السيد نواز شريف، رئيس وزراء باكستان، ورئيس هيئة أركان جيشه، لنزع فتيل التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران، وقد يكون التصريح الذي أدلى به الأربعاء الماضي علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الذي أدان فيه بشدة الهجوم على السفارة السعودية وحرقها، ووصفه بأنه ضد البلاد (إيران) وضد الإسلام، ربما جاء لتسهيل مهمة الوسيط الباكستاني الذي زار الرياض أولا، قبل أن يتوجه إلى طهران، لكن من الواضح أن هذه الخطوة، من السيد خامنئي الرجل الأقوى روحيا وسياسيا في إيران التي تأخرت أسبوعين، لم تحظ برد فعل إيجابي من الجانب الآخر.
وكالة الأنباء السعودية نقلت على لسان مسؤول في وزارة الخارجية اتهامه لإيران بـ«إثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل في الشرق الأوسط»، وقال المسؤول الذي لم تذكر اسمه، أن إيران أقدمت على أكثر من مئتي انتهاك للقانون الدولي تحت ذريعة «نصرة الشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها».
هذا التصعيد السعودي اللافت يضاعف من حدة المخاوف من احتمالات انفجار مواجهات عسكرية بين الطرفين، رغم تأكيدهما أنهما يعملان على تجنب هذه المواجهات، وعبر عن هذه المخاوف بشكل مباشر السيد شريف عندما وصف الأزمة بأنها خطيرة منذ إعدام السلطات السعودية للشيخ نمر باقر النمر، ورد متطرفين إيرانيين بحرق السفارة السعودية في طهران، وشدد المسؤول الباكستاني على ضرورة اللجوء إلى الحوار لتسوية الخلافات.
الحديث عن حوار ما زالت فرصه بعيدة بعض الشيء، وما يجري على الأرض شيء آخر، فالخلاف السعودي الإيراني بدأ ينعكس على الجهود الأمريكية الروسية لعقد مباحثات مباشرة بين النظام والمعارضة في إطار خريطة الطريق، التي جرى الاتفاق عليها بين القوى العظمى والإقليمية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، فموعد هذه المفاوضات المقرر يوم 25 من الشهر الجاري سيؤجل حتما في ظل الخلافات المتفاقمة حول تركيبة وفد المعارضة السورية، وإصرار الرياض على عدم إضافة أي عضو جديد إلى الوفد الذي شكلته من 17 عضوا بزعامة العميد أسعد الزعبي، وأعلنته اليوم، وهدد السيد رياض حجاب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات من الرياض بالانسحاب كليا في حال فرض أي اسم من قبل روسيا، أو المبعوث الدولي على الوفد، وهو يعني كلا من الدكتور هيثم مناع، وصالح مسلم، (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي)، وقدري جميل، (معارضة الداخل) وآخرين.
السعودية تشعر بقلق غير مسبوق وصل ذروته يوم السبت الماضي، عندما تقرر رفع الحصار الاقتصادي والسياسي كليا عن إيران بعد عشر سنوات، مما سيؤدي إلى تحويل إيران إلى دولة اقتصادية عظمى، ويكسر عزلتها الدولية، وبما يؤهلها لشن حروب إقليمية جديدة، أو توسيع نطاق الحروب الحالية في اليمن وسورية والعراق.
الجانب الأهم في القلق السعودي يعود إلى الخشية من «تمدد» ما يسمونه «بالخطر الشيعي» واقتراب إيران التي تملك اقتصادا ضخما (400 مليار دولار) وبنى تحتية مهترئة في معظمها بسبب الحصار، تشكل مغناطيسا لجذب استثمارات وعقود، من الغرب على حساب دول الخليج التي كانت تجلس على حجره طوال الستين عاما الماضية.
صحيح أن الاقتصاد السعودي أضخم من نظيره الإيراني (650 مليار دولار)، ولكن الاقتصاد الإيراني سيبدأ مرحلة الصعود، بينما تتراجع الاقتصاديات السعودية في المقابل بسبب انهيار أسعار النفط، وبدء تطبيق سياسات تقشفية، حيث تقدر خسائر هذه الاقتصاديات بأكثر من 350 مليار دولار سنويا، وتزداد إذا تراجعت أسعار النفط إلى 20 دولارا للبرميل، مثلما يتوقع الكثير من الخبراء، فالبورصات الخليجية في حال انكماش، والتضخم بدأت معدلاته في الارتفاع، والعجوزات في الميزانيات دفعت دولا خليجية للاقتراض، والبدء في تسييل العديد من الأصول، وهناك شائعات تتحدث عن احتمال فك ارتباط الريال السعودي بالدولار.
الولايات المتحدة الأمريكية تخرج من هذه الحرب الإقليمية الباردة، بين حليف قديم مخضرم و«صديق» جديد، المنتصر الأكبر، ولو على المدى القصير، لأنها نجحت في إذكاء الخلافات بين الجانبين أولا وتجنب حرب إقليمية ثالثة في الشرق الأوسط ثانيا، عندما استخدمت الحصار (العصا)، والمفاوضات (الجزرة)، للوصول إلى اتفاق لتأجيل، أو «تجميد»، الطموحات النووية الإيرانية لعشر سنوات على الأقل، وفتح الأسواق الإيرانية أمام شركاتها العملاقة، فقد جرى إجبار إيران على تفكيك معظم بناها النووية التحتية، وشحن أكثر من 98 بالمئة من وقودها النووي إلى الخارج، والإفراج عن خمسة معتقلين أمريكيين، وهي الإنجازات التي أغضبت الجناح الإيراني المتشدد الذي يعارض هذا الاتفاق لأن الطموحات النووية، في رأيه، حق مشروع ويتعلق بالكرامة الوطنية.
الوضع الحالي، أي «لا سلم ولا حرب»، يناسب إيران، ويصعد التوتر والقلق السعوديين في المقابل، فإيران أوقعت خصمها السعودي في مصيدة حرب استنزاف في اليمن، وحققت وحلفاؤها مكاسب عسكرية كبيرة بجبهات القتال في سورية، وباتت أمريكا أقرب إلى وجهة النظر الروسية في إعطاء الأولية للحرب على الجماعات الإسلامية المتطرفة، وبقاء النظام ورأسه بالتالي، وجاءت الطامة الكبرى بالتقارب المفاجئ بين سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية مع خصمه اللدود العماد ميشيل عون، ودعم ترشيح الأخير للرئاسة في لبنان، مما يعني أن لبنان خرج تقريبا من مظلة النفوذ السعودي.
رفع الحصار عن إيران أفسد الاحتفالات الإعلامية السعودية بمرور عام على تولي الملك سلمان العرش، كما أن استخدام الورقة الطائفية «السنية»، ضد إيران «الشيعية»، بدأ يعطي نتائج «غير مرضية» حتى داخل منطقة الخليج التي توجد فيها أقليات شيعية قوية، بدأت تعبر عن وجودها بأشكال تهدد الوحدة الوطنية، والاستقرار في هذه الدول، ولعل الكويت، وما يجري فيها حاليا، أحد أبرز النماذج في هذا المضمار، والمؤشر الأهم في هذا الصدد، أن ثلاث دول «سنية» فقط تضامنت مع السعودية، وقطعت علاقاتها مع إيران، هي السودان والصومال وجزر القمر إلى جانب البحرين طبعا.
ولعل هذا التضامن «الفاتر» مع استراتيجية توصيف الصراع في المنطقة بأنه صراع طائفي، ربما يكون لعب دورا في تغيير بعض السياسات السعودية، حيث بدأت نغمة إعلامية جديدة تظهر على السطح باستحياء، تتحدث عن إيران كخطر «فارسي» على «العرب»، وتحل محل المفردات القديمة مثل «صفوي»، «مجوسي» «رافضي» في الإشارة إلى إيران، ومع ملاحظة تجنب مصطلح «القومية العربية».
المأزق السعودي الخليجي يتفاقم في الوقت الذي بدأت فيه إيران تخرج من عنق الزجاجة ابتداء من الاتفاق النووي ورفع الحصار، والخوف كل الخوف أن تتطور الأمور إلى مواجهة عسكرية كوسيلة لخلط الأوراق.
هناك مثل إنكليزي، نعيد التذكير به، يقول «إذا وقعت في حفرة فإن أول شيء يجب أن تفعله أن تتوقف فورا عن الحفر»، والسؤال الآن هو، هل سينجح الوسطاء في تقديم السّلم للقيادة السعودية للخروج من هذه الحفرة؟ نأمل ذلك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى