الرأي

هل سيبدأ التدخل العسكري السعودي «السني» في سوريا الشهر المقبل؟

أعلن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز أول أمس (الأحد) أثناء استقباله ضيوف مهرجان الجنادرية من كتاب وإعلاميين ومفكرين «أن المملكة العربية السعودية لا تتدخل في شؤون الآخرين، ومن حقها الدفاع عن نفسها، ونطالب الآخرين بعدم التدخل في شؤوننا».
كلام العاهل السعودي هذا يأتي في وقت تستعد فيه بلاده لإرسال 150 ألف جندي إلى سورية، وتجري مناورات عسكرية مع دول أخرى مثل مصر والسودان استعدادا لهذا التدخل، تحت اسم «رعد الشمال»، وتخوض حربا في اليمن، ومن المتوقع أن تكون تركيا البوابة لدخول هذه القوات إلى الأراضي السورية.
الهدف الرئيسي المعلن لهذا التدخل، هو القضاء على تنظيم «الدولة الاسلامية»، ولكن الهدف الحقيقي غير المعلن، هو تعزيز ومساندة قوات المعارضة السورية المسلحة في قتالها لإسقاط النظام في دمشق، وتغيير موازين القوى على الأرض، بعد التقدم الكبير الذي حققته قوات الجيش العربي السوري في ريف حلب الشمالي والشرقي وفي محافظة درعا جنوبا بغطاء من الطيران الروسي.
السعودية باتت تعيش هذه الأيام حالة من «الهوس» على صعيدين: الأول، تجنب أي هزيمة سياسية أو معنوية في سورية، والثأر من النظام الحاكم بعد أن استثمرت المليارات وخمس سنوات من الجهود السياسية والعسكرية لإطاحته، والثاني تشكيل تحالفات سياسية وعسكرية «سنية» في مواجهة «المحور الإيراني»، وسورية أحد أضلاعه الرئيسية، وتوظيف كل ما لديها من قدرات عسكرية ومالية في هذا المضمار، أيا كانت التكاليف المادية والبشرية.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي فتح أراضي بلاده ومطاراتها وموانئها لدخول المقاتلين القادمين من مختلف أنحاء العالم للانضمام إلى «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة»، و«الجيش الحر»، وكل فصائل المعارضة الأخرى، يرحب اليوم بدخول القوات السعودية أيضا، أي أنه في المرة الأولى سمح بدخول «الدولة الاسلامية» والأسلحة والأموال التي عززتها، والآن يسمح للقوات والجيوش التي تريد القضاء عليها، إنها مفارقة غريبة جدا لا تحدث إلا في تركيا ودول عربية حليفة لها.
إرسال قوات سعودية وتركية وخليجية إلى سورية يأتي في إطار خطة أمريكية محكمة، أعلن عنها السناتور لينزي غراهام في مؤتمر صحافي في سبتمبر الماضي، عندما قال أن الاستعدادات تجري لدخول مئة ألف مقاتل إلى سورية لمحاربة «الدولة الاسلامية»، تسعون ألفا منها من دول عربية، أما العشرة آلاف الباقية فستكون أمريكية غربية، وأعربت دولة الامارات العربية المتحدة في حينها، وفي تسريب على لسان السيد أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية فيها أن الإمارات ترحب بإرسال قوات إلى سورية، إذا تلقت طلبا بذلك في إطار تحالف دولي، ولم يكن غريبا أن تكون، وعلى لسان السيد قرقاش نفسه، أول الدول المرحبة بإرسال قواتها إلى سورية.
مصادر سعودية تتوقع أن يبدأ هذا التدخل العسكري الشهر المقبل، ومن غير المستبعد أن تكون الأردن أحد بواباته، إلى جانب البوابة التركية، باعتبار أن المسافة بين حدود الأردن والعاصمة دمشق لا تزيد عن 90 كيلومترا.
واللافت من كل ما تقدم، أن العاهل السعودي يؤكد أن بلاده لا تتدخل في شؤون الآخرين وتطالبهم بعدم التدخل في شؤونها، فإذا كان هذا التدخل العسكري الوشيك، وخمس سنوات من دعم المعارضة السورية المسلحة عسكريا وماليا، واستضافة مقرها في مدينة الرياض، وخوض حرب في اليمن ومقتل عشرة آلاف من أبنائه، لا يعتبر تدخلا، فما هو التدخل إذا؟ أفيدونا.. أفادكم الله.
لا نعرف ما إذا كان من الحكمة، وحسب القواعد العسكرية المعروفة، الدخول في حربين، واحدة في اليمن، والثانية في سورية في الوقت نفسه، ودون حسم الأولى، مثلما تفعل القيادة السعودية؟ وهل ستنجح القوات السعودية وحلفاؤها، مثلما يروج «خبراؤها» في دخول صنعاء مع نهاية هذا الشهر، وهزيمة قوات التحالف «الحوثي الصالحي»، وإذا نجحت هل ستسيطر عليها وتفرض الأمن وتنهي الحرب؟ وبما يمكن القوات السعودية وطائرات «عاصفة الحزم» للتفرغ للجبهة الجدية في سورية؟
لا نتسرع الإجابة، وبيننا وبين نهاية هذا الشهر حوالي 23 يوما.. وسننتظر، والمثل الشعبي يقول «المية تكذب الغطاس»، ونتساءل في الوقت نفسه عما إذا كانت السعودية دولة عظمى ثالثة ونحن لا نعلم؟ وأين كانت هذه العزيمة القتالية طوال ستين عاما من الحروب العربية ضد الاحتلال الاسرائيلي؟
القيادة السعودية في حال من الاندفاع الثأري غير المسبوق، ومحفوف بالمخاطر، وأبرزها السقوط في حفرة حرب من الصعب أن تخرج منها، فإذا كان التورط في حرب اليمن، البلد الفقير المعدم الذي لا يملك جيشا، ولا طائرات، ولا مدفعية حديثة، ولا دفاعات جوية، دخلت شهرها الحادي عشر دون أي «حسم» أو حزم»، فكيف سيكون الحال عندما تواجه هذه القوات السعودية الطائرات الروسية الحديثة، وجيش سوري تمرس في حرب عصابات، وأخرى تقليدية لأكثر من خمس سنوات، ويمتلك أسلحة روسية حديثة، ويحظى بدعم إيران وروسيا و«حزب الله»؟
حتى قتال «الدولة الاسلامية» ينبيء بمفاجآت قد تكون مرعبة بالنسبة إلى هذه القيادة، فعقيدة الجيش السعودي (الوهابية) هي نفس عقيدة مقاتلي «الدولة الاسلامية» وقيادتها، فهل سيقاتل هذا الجيش نفسه أو أبناءه؟ ثم ماذا لو قررت بعض وحداته التمرد على القيادة وانضمت إلى صفوف «الدولة الاسلامية»؟
توماس فريدمان الصحافي الأمريكي الذي زار المملكة قبل شهرين، والتقى الأمير محمد بن نايف ولي العهد، والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع، والحاكم الفعلي للسعودية، لأكثر من خمس ساعات، قال في لقاء مصور موجود على موقع الصحيفة «نيويورك تايمز» بعد عودته من الرياض «إن أكثر ما يخافه المسؤولون السعوديون الذين التقيتهم هو هجوم «الدولة الاسلامية» على اسرائيل لأن هذا يعني انهيار التحالف السني الذي يريدون إقامته، وانهيار استراتيجيتهم»، وأضاف «المسؤولون الذين التقيتهم (محمد بن نايف ومحمد بن سلمان) لم يذكروا كلمة الصراع العربي الاسرائيلي، ولو مرة واحدة، وتحدثوا عن وجود 200 ألف مبتعث سعودي في الجامعات الأمريكية والأوروبية يعود منهم عشرون ألفا سنويا»، يمكن أن يشكلوا خطرا من نوع آخر.
ما نستخلصه من أقوال الكاتب فريدمان الذي اتهم السعودية بأنها أخطر من إيران لتصديرها «الإرهاب الوهابي» إلى العالم، أن السعودية إذا حاربت «الدولة الاسلامية» وقضت عليها فمن أجل إزالة أي أخطار يمكن أن تهدد المملكة واسرائيل معا.
أيامنا المقبلة صعبة جدا.. ودموية جدا.. وحروب مفتوحة على كل الاحتمالات.. وشعوبنا، ومن ضمنها الشعب السعودي أيضا ستـدفع الثمن الأكبر من دمائها وأرواحها وثرواتها، ووحدتها الترابية، نقولها والمرارة في حلوقنا.. والأيام بيننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى