الرأي

هل سينتهي الأسد قتلا؟ ( 2 ـ 2)

في 15 مارس من عام 2016م بلغت الخلافات بين الأسد وبوتين الذروة ليعلن الأخير انسحابه من المغامرة السورية. يقول المثل العربي «رضي من الغنيمة بالإياب». وشاعت في الجو كلمات تنذر بنهاية الأسد قتلا. ورد هذا على لسان البشير السوداني، وعلوش من هيأة مفاوضي المعارضة في جنيف.
ولى بوتين من معركة سوريا مذموما مدحورا لمن تبعه منهم، وارتجف بشار البراميلي من نهاية أسيفة؛ فقد رسم مصيره بالدم، واحتفل الروس بعودة الغزاة قتلة الأطفال، كما كان الأمر مع جيش بريجينف المهزوم العائد من معارك أفغانستان، وهكذا فمصير الغزاة الاندحار، ومصير الطغاة الدمار، ومصير الغلاة الاختفاء.
في القرآن تعبير مهول عن نهاية الطغاة: وكلا أخذنا بذنبه. ثم يذكر أربع صور للنهاية بين الغرق والحرق والخرق واللعنة.
قبل أن يموت (تشاوسسكو) بأربعة أيام سئل عن الأوضاع في رومانيا – وكان في زيارة إلى طهران – هل يمكن أن تتأثر بالإعصار الذي يدمدم في شرق أوربا وتتساقط فيه تباعاً عروش الملوك الحمر؟ قال: سلوا شجرة التين هل تنبت حسكاً؟ صحيح أن من حولي تساقطوا ولكنكم لا تعرفون الشعب الروماني وقيادته الحكيمة. وعندما سألوه عما يحدث في مدينة (تيمي شوارا) والعصيان المدني خلف قس مغمور؟ قال: أما القس الذي حرض على الشغب فهو أخرق مأفون، وأما من حوله فهم شرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون. وبعد أربعة أيام كان يحاكم ويعدم ولا يعرف قبره. وانطبقت عليه دورة التاريخ؛ فأخرجوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيه فاكهين، كذلك وأرثناها قوماً آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين. وأما شاه إيران فقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه وظن أن لا ملجأ إلا أمريكا فخذلته ورفضت استقباله، مع أنها هي التي صنعته على عينها. وعندما تشفع لأولاده أن يتابعوا دراستهم سمحت لهم بدون رفقة الوالدين.
وعندما شكا من المرض قالوا له بعد وساطات وتوسلات إنها إقامة للعلاج فقط فإذا قضيت خرجت ولم تعقب. وبعد العلاج دفع بعربة من البوابة الخلفية للمستشفى فخرج من حيث تخرج النفايات وتدخل البضائع. وعندما أصبح في (باناما) عند ديكتاتور صغير قطعوا عنه التلفون وبدأوا يخططون لتسليمه للحكومة الإيرانية الجديدة. وعندما أوى في النهاية إلى طاغية مثله بكى سوء الحال وانقلاب الزمن وتنكر الأصدقاء ونفض أمريكا يدها منه إلى درجة أن أفردت له ملفاً بعنوان (الخازوق) وأن يخاطبه مسؤول أمريكي بقوله: يا صاحب الجلالة يظهر أنك مختل عقلياً. وأن يبتلع أحد سماسرته سبعين مليون دولار بضربة واحدة فيعض الشاه على أسنانه محنقاً، إنها سبعون مليوناً فهل ضاعت في أنابيب المجاري؟. وفي النهاية كاد الشاه أن يموت غيظاً فحبس نفسه في حجرة عندما علم أن رجل أعماله (بهبهانيان) اختفى مثل الملح في الماء بمئات الملايين من الدولارات وهو لا يستطيع أن يقاضيه أو يرفع عليه دعوى لأنها كانت صفقات سرية. روى كل ذلك (حسنين هيكل) في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ).
وفي مصر فتح يديه بالهبات والمجوهرات التي كان يحملها معه في حله وترحاله عسى أن تؤلف القلوب، وقيل إنه حمل معه من ثروة إيران ما زاد عن خمسة مليارات دولار، واعترف مسؤول بنكي سويسري بثروة له زادت عن عشرين مليار دولار، وكانت أربع حقائب كبيرة محشوة بالكنوز لا تفارق عيناه حتى قبل موته بلحظات عسى أن تنفعه يوم الزلزلة فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب. وفي النهاية مات بالمرض الخبيث وأصبح سلفاً ومثلا للآخرين. إن أمريكا تستخدم الطغاة ولا تحبهم فهي تصيخ السمع لخونة الشعوب ولكنها لا تحب الخائن وتعرف أن دور الجلادين لا يزيد عن (ممسحة زفر) فإذا انتهى دورهم رسا مصيرهم حيث ترمى أوراق المهملات التي نظفت القاذورات لتصبح مع القاذورات وبئس القرار. هكذا رسم مصير الطغاة في التاريخ بريشة سريالية. فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا. وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. هكذا يرسو مصير الطغاة بين طلقة في الرأس مع جرعة سيانيد كما انتهى هتلر، وبين فرعون يغرق في اليم هو وجنوده أجمعين. أو الامبراطور الروماني (دوميتيان) الذي يقتله 14 من أهل بيته دفعة واحدة طعناً بالخناجر. وبين تشاوسيسكو التي انشقت الأرض من تحت قدميه فابتلعته. وبين من دارت عليه الدائرة بعد طول جبروت ليعلق من قدميه عاريا كالخروف في المسلخ في ساحة عامة كما حصل (لموسوليني) وعشيقته (كلارا بيتاتشي) أو إمبراطور الحبشة (هيلاسي) الذي أودع دورة المياه وردم فوقه بالإسمنت.
ولكن التاريخ يفاجئنا بصورة مبتسرة غير مكتملة بل وأحيانا مقلوبة الظل حيث مات (ستالين) في كل طغيانه وعنفوانه وكانت نظرة مريبة منه إلى أحد أعضاء المكتب السياسي تجعله يرجف هلعا بقية حياته حتى يرضى. كما ذكر ذلك (فرانسيس فوكوياما) صاحب كتاب (نهاية التاريخ). ومات (فرانكو) طاغية إسبانيا عزيزا كريما ووضع جثمانه في ضريح عظيم في مبنى هائل بناه أعداؤه من الشيوعين المعتقلين، فهو نصب خالد لكل من زار مدريد. وأما (لينين) فمات وهو يرسل الناس إلى الموت بإشارة وكلمة، كما كشفت الأبحاث الحديثة عن رسائله الأصلية المكتوبة بخط يده والمودعة في سرداب فظيع محفور تحت الأرض بثلاث بوابات مصفحة يصمد لقنبلة نووية. إن لينين كان مفكراً وكاتباً قبل أن يكون حركيا، وكتب ما يزيد عن خمسين كتاباً تمثل الوحي المقدس عند الشيوعين لمن بقي يعتقد في عصمته حتى اليوم، ولكن أوامر الإعدام كانت عنده قضية روتينية ولا تزيد عن مسألة إحصائية فعندما تمرد الفلاحون على المزارع الجماعية (الكولخوز) بعد أن صودرت محاصيلهم كانت أوامر لينين تقضي بانتقاء مائتين من كرام القوم وإعدامهم على أعين الملأ وأن يحشر الناس ضحى. فهذه هي أساليب الفراعنة جرت قانونا سرمديا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى