الرأي

وصية لوزير عابر

عاش منصب وزير الرياضة والشباب على إيقاع تقلبات المناخ السياسي لبلادنا، فباستثناء عبد اللطيف السملالي الذي عمر طويلا في هذه الوزارة، فإن باقي الوزراء كانوا مجرد عابري سبيل، من زمن أحمد بن سودة الذي لا يجمعه بالرياضة إلا الخير والإحسان، وانتهاء بلحسن السكوري، الذي سيقيم بين ظهرانينا لبضعة شهور قد لا تكفيه للتعرف على ملامح مندوبي وزارته، قبل أن يودعنا ببلاغ وحلوى وفطائر.
«اللي زار يخفف» هو الشعار المكتوب في مدخل وزارة الرياضة والشباب دون أن ينتبه إليه أحد، فهناك من أعفي من منصبه بمكالمة، أو رسالة نصية، قبل أن يستوي في جلسته، وهناك من فطن إلى الأمر ولم ينسج مع الكرسي علاقة وجدانية، لذا نصر على أن حقيبة هذه الوزارة ملعونة تارة، ومسكونة تارة أخرى.
أغلب الوزراء الذين تأبطوا هذه الحقيبة لا تجمعهم بالرياضة صلة، ومنهم من جلس خطأ على كرسي معرض للتقلبات ينتظر تعديلا حكوميا ينهي علاقته بعشيرة الرياضة والرياضيين، ومنهم من سقط سهوا في مقر وزارة أجرها قليل ولغطها كثير. بل إن القصر صرف النظر عنها سنوات ولم يعين وزيرا على رأسها، مكتفيا بقائم بأعمال الوزير وحد أدنى من الموظفين.
إذا كانت وزارة الداخلية تحمل صفة أم الوزارات، فإن وزارة الشباب والرياضة، مجرد أخت بالتبني تقتات من جود الحكومة ومن عطف الحركيين الذين حولوها إلى «مضاف إليه». لذا جاء تعيين لحسن السكوري ليكرس المكانة التي تحظى بها هذه الوزارة في قلوب صقور الحركة الشعبية، ويقلب صفحة العنصر الذي حولها إلى مجرد باحة استراحة يعيش فيها لحظات استرخاء، لذا كان أرسلان الجديدي محقا حين قال بعد تعيينه في منصب وزير بحقيبتي الشبيبة والرياضة والشغل، «إلى بقيت تابع الرياضة غادي نخليكم بلا شغل»، يقصد ضرورة منح الأولوية للتشغيل.
لا تختلف وزارة الشباب والرياضة كثيرا عن مسابقات العدو السريع، فهي تحتاج من صاحبها الجري الخفيف قبل أن يفاجأ بتعديل حكومي، والقفز فوق الحواجز وعينه على العداء الخصم الأول للعدائين وللمسؤولين الحكوميين أيضا. لكن الوزير الجديد يختلف عن سابقه، أوزين، المتخصص في اللسانيات، أو العنصر خريج كلية الرخويات، فهو يجمع بين الخبرة الاقتصادية والدهاء الديبلوماسي.
في إحدى محاضراته بفرنسا، قال لحسن السكوري إن «الحكومة الناجحة هي التي تسمح لوزرائها ومسؤوليها بالنزول إلى الشارع لملامسة هموم المواطن، والاستماع إلى احتياجاتهم الضرورية والعقبات التي تواجه حياتهم اليومية»، معنى هذا أن الوزير سيكون حاضرا في مدرجات الفرجة الرخيصة لملاعبنا، وسينزل إلى قعر المنافسات الرياضية لفهم ما يجري وما يدور في بطولة المظاليم.
وزير الرياضة الجديد يمكنه أن يفتي حول صندوق المقاصة، ويقدم حلولا نظرية لإشكالية الغاز والدقيق والسكر المدعمين، ويعرض حلولا لت دبير موارد رزق للطبقات التي تعاني من الهشاشة، لكن نظرياته الاقتصادية لن تجدي نفعا حين يتعلق الأمر بملفات عجزت وصفات الوزراء السابقين عن علاجها. فالشغب يواصل زحفه على ما تبقى من متفرجين، والمنشطات تحولت من آفة إلى سرطان ينخر جسد الرياضة، والرؤساء الخالدون فيها جالسون على كراسي المسؤولية إلى يوم يبعثون، يمارسون حكامة التصفيق. والمنشآت الرياضية والشبابية تحتاج مقصا وشريطا وموعدا من أجندة الوزير لتدشينها، والأشباح الذين يسكنون الوزارة غصبا عن مذكرة لا تلهيهم عن تجارتهم. والتقرير النهائي حول الملعب العائم أصبح سرا من أسرار الدولة.
في كثير من محاضراته كان السكوري يدعو إلى المساواة، ويؤكد أنها وجه الديمقراطية المغسول، لكنه سيصطدم بجامعات سيادة لا تعير اهتماما لمراسلاته، كجامعة ألعاب القوى التي لا تتردد في الاستغناء عن منحة الوزارة إذا اقتضى الأمر، بل إن رئيسها أحيزون يمكن عند الضرورة أن يقطع «الريزو» عن الوزير الجديد ويجعله خارج التغطية الحكومية.
أيها الوزير.. رجاء اعمل لوظيفتك الحكومية كأنك تقال غدا، واعمل لسنبلتك كأنك تعيش أبدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى