شوف تشوف

الرأي

ويستمر العبث المنظم

ما جرى ويجري في قطاع التعليم لا يُظهر فقط ملامح الأزمة في القطاع، بل أساسا ملامح الأزمة في ذهنيات من أوكل إليهم هذا الشعب مهمة تدبير القطاعات العامة الحيوية. فرئيس الحكومة اعترف بفشله، وهاهو الوزير «غير الحكومي» يتخبط في الفشل دون أن يعترف، فهو متخصص فقط في انتقاد واقع التعليم لكن لم يفهم أنه أضحى أحد تجليات هذه الأزمة. لذلك لم تصدر منه أية مبادرات فعلية لحلحلة الوضع، اللهم إلا اللقاءات المفسرة والشارحة لرؤيته، وكأنها «الفتوحات المكية» للشيخ الأكبر. وأي شيء غير العجز أن يخبرنا سعادته بكونه راسل «مول الفايسبوك» لمساعدتنا في اكتشاف الجهة المسربة، وكأني بحادثة تسريب الباكلوريا مجرد حادث قطاعي، ففي الوقت الذي أثبتت الأجهزة الأمنية المغربية فعالية معترفا بها دوليا في محاربة الإرهاب الإلكتروني، وهذا يفسر الضربات الاستباقية العديدة التي تتعرض لها الجماعات التخريبية كل حين، فإننا كدولة مستمرون في تمريغ سمعة تعليمنا في الوحل. تاركين الوزير الكهل يتخبط خبط عشواء في القطاع، مع أن دائرة المسؤولية في هذا الحادث واضحة، ولا تحتاج للكثير من الانتظار.
فمادامت الأوراق المسربة تحمل بوضوح رمزا يشير لجهة فاس، فإنه كان يجدر على الأقل إعفاء مدير أكاديمية هذه الجهة من مهام الإشراف على الامتحان الاستدراكي القادم، فضلا عن إعفاء مختلف المسؤولين المتدخلين في هذا الامتحان بالجهة ذاتها، والأهم هو إحالتهم جميعا للتحقيق. ولكن أي شيء من هذا لم يقع، فما يزال المسؤولون، أدبيا وقانونيا عن التسريب، يمارسون مهامهم بشكل عادي، بل وسيحصلون على تعويضات مالية ضخمة مقابل أخطاء ارتكبوها. وعندما تم فتح النقاش حول الموضوع في البرلمان، كانت الكارثة الأعظم، فالوزير «يبشرنا» بكونه ينتظر رد «مول الفايسبوك» على طلب المساعدة في كشف الجهة المسربة، والنواب استغلوا الفرصة لممارسة هواية المزايدات الحزبية على وزير يحتقر انتماءاتهم. لتنتهي الجلسة البرلمانية وأيادي الجميع على قلوبهم في انتظار ما سيجري في الدورة الاستدراكية التي ستجري الأسبوع المقبل.
المصيبة هي أن تدبير الحكومة والوزارة معا لهذا الملف كشف بالفعل الوجه الحقيقي لأزمة التعليم، فالأحزاب فاشلة عن بكرة أبيها، وقد أثبتت وماتزال تثبت لا وطنيتها، نعم لا وطنيتها، في تدبير إشكالات هذا القطاع، وما فضيحة تدخل الوزير المعين حديثا في توظيف أحد أعضاء حزبه، إلا دليل على أن الأحزاب سرطان حقيقي في القطاع العام، وفي نفس الوقت فتعيين تقنوقراط، أثبت أيضا وجود عجز تدبيري وفكري مزمن، وإلا بماذا يمكن تفسير أن الوزير الحالي يشتغل بهيكلة وزارية فاقدة للصلاحية، وهو كمن يريد أن يشغل سيارة متهالكة دون أن يغير أية قطعة غيار، فدناصير المديريات المركزية والجهوية ازدادوا قوة وتنظيما، ومع ذلك مازال الوزير عاجزا عن بترهم من جسم التربية والتكوين.
المصيبة الأخرى أن ملامح المستقبل غير واضحة، فرؤية المجلس الأعلى للتربية والتكوين اختفت، ولا أخبار عنها، على الأقل ليتعرف الرأي العام على ملامح العلاج الذي تم اقتراحه لأمراض تعليمنا، والفساد الإداري والتدبيري في أغلب المديريات والأقسام المركزية والأكاديميات والنيابات مستشر بطريقة مهولة. وفوق هذا وذاك، نجد أغلب المديرين المركزيين يشتغلون بمنطق «الكارتيلات» حيث صراع المصالح على الصلاحيات.
فرغم كل ملاحظات المجلس الأعلى حول استمرارية المركزية، لا تزال المديريات المركزية هي المتحكمة في كل شيء، والدليل هو علاقة الوحدة المركزية لتكوين الأطر مع المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، إذ مايزال مدير مكلف يسير خمسة عشر مديرا جهويا كالخاتم في أصبعه، ناسيا أنهم معينون بمراسيم حكومية لتنفيذ مشاريع، وليس فقط إعداد شبكات تافهة للتقويم. أما المشاورات التي تتم بين الفينة والأخرى فهي شكلية جدا، وإلا بماذا نسمي النقاش الذي فتحته مديرية المناهج مع رجال التعليم حول ملف حيوي هو مناهج التعليم الابتدائي في زمن قياسي، وأثناء امتحانات الباكلوريا؟ ثم أليس عبثا عدم الإعلان حتى الآن عن مباراة الولوج للمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين رغم كل ما قيل عن الخصاص، ورغم كل ما قيل عن جودة التكوين الأساس؟
صحيح أن الواقع كارثي لكن الذهنيات هي أم الكوارث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى