شوف تشوف

الرأي

يوم تحالف «الشورى والاستقلال» مع «الحركة الشعبية»

هل كان الزعيم التاريخي محمد بلحسن الوزاني أقرب إلى تيار «الحركة الشعبية» منه إلى الاستقلال الذي خاض معارك في مواجهة نفوذه المتزايد في السنوات الأولى لما بعد الاستقلال؟ مصدر السؤال أن الحزب الأكثر حماسا إزاء تأسيس «الحركة الشعبية»، كان هو «الشورى والاستقلال» الذي تجاوز مرجعيات فكرية، بقوة تململ الأرض التي كانت تعرف زلازل وارتدادات حزبية لم يكن واضحا أين سيستقر بها المطاف.
وأفصح المناضل، الوزير السفير السابق محمد الشرقاوي مرة، عن جانب من هذه العلاقة، يوم أكد أن المسؤول الأول عن شركة الخطوط الملكية المغربية العامل إدريس الشرادي، كان صلة الوصل بين حزبه «الشورى والاستقلال» والشخصيات التي قررت تأسيس «الحركة الشعبية»، من بينها رئيس الحكومة آنذاك مبارك البكاي، ووزير الداخلية القائد لحسن اليوسفي، إضافة إلى المحجوبي أحرضان والدكتور عبد الكريم الخطيب.
بيد أن سياسيا مخضرما من الجيل اللاحق، بقي على قناعة بأن الكثير من الأحزاب السياسية تخرج على يد مولدة واحدة. وصرح وزير الشبيبة والرياضة عبد اللطيف السملالي، الذي شهدت الرياضة المغربية على عهده ازدهارا لافتا، «إننا كلنا خرجنا من رحم واحد»، مع فارق في ظروف الولادة والنشأة والتواريخ المسجلة في كناش الحالة المدنية الحزبية. فالولادة تأتي بعد مخاض له ارتباط بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أو تصبح اصطناعية كما في حالات أطفال الأنابيب.
ماذا كان يجمع بين الحزبين؟ قلت لرجل القانون الدكتور أحمد بلحاج عندما كان بصدد إصدار جريدة ناطقة باسم «الحزب الوطني الديمقراطي»، على خلفية انشقاق نواب عن تجمع الأحرار، إن إطلاق اسم «الديمقراطي» على الجريدة الأسبوعية يعيد إلى الأذهان معطيات إصدار صحيفة مماثلة كان يديرها السي محمد الشرقاوي، الشخصية البارزة في «الشورى والاستقلال»، وكانت ترفع لواء الدفاع عن الديمقراطية والتعددية في مرحلة احتقان سياسي أدى إلى إراقة الدماء. رد المحامي أحمد بلحاج، الذي لم يكن يخفي تعاطفه و«الاتحاد الاشتراكي»، أن الأسماء تتطابق في العناوين فقط وتتغاير في الدلالات والتوقيت. لكن ذلك لا يلغي أن فكرة اقتباس العناوين والتجارب ليست جديدة. وكما أن لكل مرحلة سماتها، فلكل النعوت تفسيراتها ومبرراتها المقنعة أحيانا وعدم المجدية أحايين أخرى.
قلت له: في هذه الحالة لن تجدوا أي حرج في التحالف مع «الحركة الشعبية» طالما أن في المرجعية التاريخية ما يفيد بالتقاء الشوريين والحركيين. فقال: إننا سنركز هويتنا على النهوض بالعالم القروي، ولو أن فصائل «الحركة الشعبية» فعلت ذلك لما كانت الحاجة تتطلب استحداث حزب سياسي في هذا المضمار. غير أن ذلك التحالف الذي لم يكن حزب «الأحرار المستقلين»، بزعامة محمد رشيد ملين، بعيدا عنه، سيؤدي ضمن نتائجه البادية إلى دعم ترشيح الدكتور عبد الكريم الخطيب لرئاسة أول برلمان مغربي عام 1963.
وروى محمد الشرقاوي، ضمن ما نقل عنه، أن تشتت نواب الحركة الشعبية التي تعرضت إلى انشقاق، كان من بين الأسباب التي أدت إلى تصدع التجربة البرلمانية التي آلت إلى فرض حالة الاستثناء. ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الموقف من تكتل «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية» كان من بين العوامل التي عجلت بانفراط المسار النيابي، لأن هناك أطرافا مؤثرة كانت تفضل قيام تحالف بين «الحركة الشعبية» وحزب «الشورى والاستقلال» على غيره من الائتلافات الحزبية. وبينما عارض الدكتور الخطيب، من موقعه، حل البرلمان وإعلان حالة الاستثناء، ذهب رفيقه المحجوبي أحرضان في اتجاه نقيض، على رغم أنه كان من المتضررين من «اكتساح» الجبهة لمعقل نفوذه الانتخابي.
تختلف سمات المرحلة مع ما ترتب عنها لاحقا، ومن يذكر أن حزبا أطلق على نفسه اسم «الاشتراكي الديمقراطي» انضم إلى تحالف الجبهة، سيدرك لعبة الأسماء والشعارات التي هيمنت دائما على المواقع الحزبية. إلا أن الزعيم محمد بلحسن الوزاني، الذي طبع قيادة حزبه بتوجهات أكثر انفتاحا وعصرنة، لم يكن ينظر إلى التحالفات إلا من زاوية إرساء معالم تعددية حزبية ناشئة، وافترق بهذا الصدد مع رفاق في الحركة الوطنية بدافع ترتيبات الأسبقيات. ولم يكن اختيار السي محمد الشرقاوي لمنصب سفير للمغرب في باريس، غير الدليل على مركزية دوره المحوري في المفاوضات مع السلطات الفرنسية لتحقيق الجلاء عن الإدارة المغربية خلال السنوات الأولى لما بعد الاستقلال.
أشواط المفاوضات في «إيكس ليبان» وامتداداتها اعترتها خلافات بين الزعامات السياسية، إلا أن أشدها مدعاة للفرقة والتصدع سيحدث حول منهجية وأفق بناء الاستقلال. ولم يكن تزايد استحداث الأحزاب، من غير تلك التي أسهمت في قسط وافر في نطاق الحركة الوطنية، غير نتاج تباين الرؤى. ولازالت فكرة التحالفات إلى اليوم تطرح نفسها بحدة قبل وبعد أي استحقاقات تشريعية. لكن الثابت ضمن هذه التطورات أن المسافة صارت أطول، ولم يعد يفكر بمنطق الاستئثار، إلا من لم يتعلم شيئا من تجارب الماضي غير البعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى