شوف تشوف

الرأي

أحفاد إدريس البصري..

أصبحت الانتخابات مثل امتحانات الباكالوريا.. أطوارها الحقيقية تجري في «الفايسبوك» وليس في الشارع كما كانت الأمور عليه منذ زمن.
لهذا يضطر أكثر السياسيين غيابا، ممن تشك أنهم يسكنون معنا في نفس البلاد، إلى فتح حساب في موقع التواصل الشهير، بعد أن كانت الحسابات الوحيدة التي يفتحونها، هي الحسابات البنكية التي يراكمون فيها أموالهم، التي لا يعلم أحد من أين أتوا بها ولا إلى أين يمضون بها.
أيام إدريس البصري، كانت الانتخابات الجماعية مهزلة حقيقية. يفرق البصري الأصوات والصناديق، ويجمعها بعد أن توضع فيها الأوراق المناسبة، وسواء وضعت، أم لم توضع، فلن ينجح إلا الأشخاص الذين أراد لهم إدريس البصري النجاح.
إذا كنت ممن يزورون فيلا طريق زعير، فأنت سياسي ناجح، ولا يفصل بينك وبين كرسي المسؤولية إلا أن تترشح، ولن تترشح إلا إذا سمح لك إدريس بالترشح. هذه هي القاعدة التي كانت تسير بها أمور الانتخابات لعقود طويلة.
بعض الذين يترشحون اليوم، باسم الإخلاص للوطن وخدمة المواطنين، كانوا يترشحون أيضا أيام إدريس البصري، وشربوا معه «أتاي» والقهوة ووعدهم بأن يتصدروا النتائج، وتصدروها فعلا، وكل الوعود التي قطعوها على المواطنين لم تغادر أرضية الصينية التي شربوا عليها قهوتهم مع «سي ادريس»..
هناك سياسيون معروفون في البرلمان وفي مقاهي الرباط، ويسكنون العاصمة الاقتصادية، ولا يقودون إلا السيارات الرباعية الدفع، ولا يراهم المواطنون إلا نادرا في بهو فندق، أو مركب تجاري ضخم، ينظرون للعالم من خلف النظارات الشمسية التي لا ينزعونها حتى في الأماكن المظلمة.. لكننا نسمع دائما أن هؤلاء يترشحون في الانتخابات الجماعية باسم جماعات لا يعرفها أحد، وما زال الوصول إليها يتطلب ركوب الحمير والبغال وتسلق الجبال والقفز فوق البرك المائية والحُفر. لا أحد يسألهم للأسف، ماذا قدموا لكل تلك القرى التي يترشحون باسمها ليصبحوا رؤساء جماعات محلية، لسنوات طويلة.
شخصيات سياسية كثيرة، يعرفها المغاربة في الجرائد ونشرات الأخبار، حيث يوقعون الاتفاقيات ويظهرون في الأنشطة الرسمية وجلسات البرلمان، كلما كان من الضروري الحضور، ويدمنون الغياب من جديد، في انتظار أن يظهروا خلال الانتخابات الجماعية، يطوفون بين الأزقة الضيقة للأحياء الشعبية، ويسخرون سياراتهم، وسيارات الدولة أيضا، للصعود بها إلى الجماعات التي ترشحوا بها قبل خمس سنوات، بحثا عن أصوات البؤساء الذين أوصلوهم إلى ما هم عليه..
هي نفس اللعبة تتكرر كل عام.. ينضاف إليهم حزب رئيس الحكومة، حيث يطوف المؤمنون بين أزقة الأحياء الفقيرة، وكأنهم يعيدون تمثيل مشهد من فيلم «الرسالة»، ويهتفون باسم الله ويرددون الأدعية ويذكرون باليوم الآخر، في عز انشغالهم بالحملة الانتخابية، وعندما يتحدث زعيمهم الذي علمهم ذلك الكلام، يقول إن حزبه ليس حزبا إسلاميا!
عندما تأتي الانتخابات، يعود حزب العدالة والتنمية ليصبح إسلاميا، ويعود قياديوه إلى دخول المساجد وتقبيل «حنوك» الفقراء من المصلين وتبادل أطراف الحديث معهم، للوصول إلى الكلام عن الصندوق الانتخابي..
هي السياسة نفسها تعاد كل عام، ولا أحد يستطيع أن ينكر وجود مرشحين فاسدين، كانوا بالأمس ينجحون في واضحة النهار، بمباركة وزارة الداخلية، ولا أحد ينجح إن لم تؤشر له وزارة الداخلية، ويرضى عنه إدريس البصري أولا..
أولئك الذين ترشحوا بنفس تلك الشروط التي يستحيل أن يقبل بها مرشح نزيه، هم أنفسهم يترشحون اليوم، حتى أن أحدهم يقول دون أن يرف له جفن، بأنه يضع تجربة حزبه التي تفوق 60 سنة، أمام الناخبين.. والحقيقة أن رد الفعل المناسب، الذي يجب أن يقوم به المواطنون، أمام التجربة الحزبية التي ستعرض أمامهم، هو الفرار..
إذا كان مرشّحو إدريس البصري ما زالوا يترشحون اليوم، ولا يرون في صندوق الأصوات إلا سلما يصعدون به إلى كرسي جماعة محلية بئيسة، لاستغلاله لاحقا في الوصول إلى ما هو أهم، وشراء المزيد من السيارات الرباعية الدفع، حتى توصلهم في الموسم المقبل إلى «دواوير» أبعد.. فماذا سيكون موقف أولئك الذين يترشحون للمرة الأولى؟
لا أحد يستطيع إنكار وجود أحفاد البصري بين صفوف المرشحين.. حيث تبقى أصوات الناس مجرد مطية للوصول إلى رئاسة جماعات محلية، لن يروها إلا في الاستحقاقات المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى