الرئيسيةثقافة وفن

أربع سنوات على رحيل الروائي العالمي كارلوس فوينتيس

كثيرون لا يصدقون وفاة روائي من حجم كارلوس فوينتيس، ليس لأنه من الكائنات السماوية الشفافة والخالدة، لكن لأن هذه الأيقونة الأدبية النادرة، بَصَمت بطريقتها الخاصة حضورا ثقافيا وإبداعيا وسياسيا أعطى لحضوره «صفة الخالد».. فوينتيس هو أحد الأعمدة التي لا يستقيم الأدب العالمي بدونها، من هنا، شكلت وفاته صدمة كبيرة، تماما كما كانت الصدمة ذاتها في وفاة «زميله» غابرييل كارسيا ماركيز. إنهما كاتبان لم يقررا فقط أن تكون للرواية حياة جديدة ضد الأصوات التي نادت بموتها، بل انخرطا معا في قضايا تجاوزت هموم الإبداع وأسئلته المحرقة، إلى الاهتمام بقضايا من صلب مجتمعهما.
ففي ماي من سنة 2012، فقد الأدب العالمي والثقافة المكسيكية واحدا من أكبر رموز الثقافة المعاصرة، روائيا أعطى لمفهوم «الواقعية السحرية» التي لطالما ميزت الرواية اللاتينية، معنى أكثر رسوخا. ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة، نرشح لكم تلك الروايات التسعة. فعندما نشر فوينتيس أولى رواياته سنة 1954 كانت الثقافة العالمية، المبهورة بظهور وسائل الإعلام الحديثة، من مذياع وجرائد أكثر انتشارا، تنظر للرواية كفن ينتمي لزمن ولى، لزمن بورجوازي لم يعد فيه الزمن خطيا وتقدميا يتجه نحو الكمال، في «قدرية» لا هي بالإلهية ولا هي بالبشرية، وإنما مجرد «كلام متأخر»، فيه من التكرار الكثير، تكرار ما تقوله الجرائد والسينما. ولا أحد كان يتكهن بحصول ما سوف يسمى لاحقا «ألبوم اللاتينو أمريكي»، الذي فجره فوينتيس رفقة ماريو فارغاس يوسا، وغابرييل غارسيا ماركيز، وخوليو كورتاثار، وغيرهم من الروائيين الذين أعادوا الروح للرواية من جديد بعد رحيل كوستاف فلوبير وجويس وموباسون.
الرواية الجديدة.. الرواية تتحدى هيمنة وسائل الإعلام
حينها انتشرت عدة تحليلات متسرعة، مبهورة بالعالم الصناعي الجديد والحياة الجديدة، منها أن الرواية لم تعد تحمل معنى الجد، وما قالته الرواية قبل ذلك العام (1954)، أصبحت تقوله الصحف والسينما بطريقة أسرع وأنجع. لقد انقضى ذلك الزمن حينما كان الناس يحتشدون على أرصفة ميناء نيويورك، ينتظرون وصول الدفعة الأخيرة من رواية شارل ديكنز «متجر التحف»، والكل يريد معرفة ما إذا كانت «ليتل نيل»، إحدى الشخصيات الرئيسية، ماتت أم لا. ورغم ذلك لم يستسلم جيل فوينتيس لهذه الأفكار التي راجت حول موت الرواية، وخصص أحد أهم كتبه الصادرة بعنوان «جغرافية الرواية»، للحديث عن علاقته بالرواية ونظرته لها. فكان فوينتيس ممن كان لرأيهم رجحان منقطع النظير، في الدور الذي يمكن للرواية الجديدة أن تقوم به.
من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات، كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار.
ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة، نرشح لكم تلك الروايات التسعة.
فقبل ستة أشهر، من وفاته في ماي 2012، صدر لكارلوس فوينتيس، كتاب جديد يحمل عنوان «رواية أمريكا اللاتينية العظيمة»، بحث فيه التغيير الجديد الذي طرأ على الأدب في هذه القارة، منذ اكتشافها وحتى الآن، وهو عبارة عن بحث حول الرواية في أمريكا اللاتينية، والذي يقول إن هذا التحول دفع أدباء المنطقة لتغيير سؤال «من نكون؟» إلى «كيف نكون؟».
في هذا الكتاب أكد فوينتيس أن هناك تحولا كبيرا في درجة حرارة الرواية في أمريكا اللاتينية، منذ جيله حتى يومنا هذا، يحوم التركيز فيه، أكثر، حول الوقت الحاضر، دون الالتفات إلى الماضي. وتحدث الكاتب البالغ 82 عاماً قائلاً: «أرى، وربما لا يتفق البعض معي، أن نقطة التحول من سلفادور إليزوندو، الذي أدار ظهره لما يمكن أن نطلق عليها «الرواية الجديدة القديمة»، التي كانت شديدة الالتصاق بفكرة ضرورة كتابة التأريخ الذي لم يكتب عن أمريكا اللاتينية، كما هو حال أغلب الكتاب، أمثال أليخو كاربنتير، وماريو فارغاس ليوسا، أو غابرييل غارسيّا ماركيز». وكان الأدباء في القرن العشرين، مثل الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، والكوبي أليخو كاربينتر، والأورغوايي خوان كارلوس أونيتي، يحلمون بإمكانية تحقيق «الخيال الأمريكي». غير أن جيل فوينتيس، الذي ظهر بعد بورخيس وكاربينتر، عمل من أجل التركيز على «قول ما لم يقله أحد من قبل»، لأن القرن التاسع عشر لم يشهد سوى تقليد الأدب للواقعية الأوربية. ويرى مؤلف «الغرينغو العجوز»، أن أدباء اليوم، أمثال خورخي فالبي، وخوان فيليورو، وكريستينا ريفيرا، أو الكولومبي خوان غابريل فاسكيز، ملتزمون بالحاضر، ضمن أدب خالٍ من قواعد ثابتة، وأنماط متنوعة في الكتابة والموضوع. أن الأدب المعاصر يستند في الكثير من الحالات على معضلة التنوع في حياة أمريكا اللاتينية. وهذا الذي يجري، في هذه الأيام، ويبدو ذلك في غاية الأهمية، لأننا لو كنا توصلنا إلى مشكلتنا الكبرى، ألا وهي هويتنا «من نكون؟»، كنا سنقول اليوم «كيف نكون؟».
رهانات رواية أمريكا اللاتينية
حسب مجموعة من النقاد المتخصصين في الأدب اللاتيني، ومن هؤلاء الناقد كمال الرياحي، راهنت رواية أمريكا اللاّتينية على الواقع الذي أنتجها، بما فيه من خصوصية أغرت كتّاب هذه الرواية باتخاذه قبلة في تشكيل عوالمهم السردية، فالتفتوا إلى تفاصيل الحياة اليومية وإلى الموروث الشعبي ومخزون الذاكرة، ليعثروا في ذلك الواقع على خامات بكر تعد بعوالم حكائية مغرية لما تحمله من غرابة ودهشة تمخّضت عن واقع حضاري مخصوص وواقع اجتماعي وسياسي مأزوم. فكانت رواياتهم، حسب النقاد، روايات ثائرة ومحمّلة وعيا شديدا بقضايا راهن أمريكا اللاّتينية ناشدة بطابعها الالتزامي والنضالي الكشف عن بشاعة النظم السياسية الديكتاتورية ومآسي المجتمعات المدقعة والمقموعة. ومثّل هذه الرواية، خاصة خوان رولفو (المكسيك)، وميغيل آنخل أستورياس (غواتيمالا) وخوليو كورتاثار (الأرجنتين) وأخيرا غابريال غارسيا ماركيز (كولومبيا). ولئن اتّفق النقّاد على إدراج روايات ماركيز ضمن تيار الواقعية السحرية، فإن نصوص الآخرين، حسب الرياحي، وخاصة روايات أستورياس، ظلّت عند عدد من الدّارسين أقرب إلى التيّار السّوريالي منها إلى تيار الواقعية السحرية. ولكن الذي يجمع بين روائيي أمريكا اللاّتينية على اختلاف انتماءاتهم العرقية وتوجّهاتهم الفنّية، هو ذلك الإيمان بالمحلّية التي توحّد رواياتهم وتميّزها عن غيرها، وهو ما حقّق لهذه الأعمال خصوصيتها وأهّلها لانتزاع مكانة مضيئة في خارطة الأدب العالمي، يؤكد كمال الرياحي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى