الرأي

أسئلة حارقة إلى السيد عزيمان

شرع المجلس الأعلى للتربية والتكوين في تنفيذ برنامج تواصلي، وطني وجهوي، للتعبئة الوطنية من أجل المدرسة. ونظرا لكون الرؤية التي أصدرها بعد سنة كاملة من المناقشات هي نتاج توافق بين مختلف الحساسيات التي يتكون منها المجلس، فإنه من الطبيعي جدا أن يقترح رئيس المجلس، أثناء التقديم الرسمي للرؤية، وضع إطار قانوني ملزم للحكومات، مهما كان لونها السياسي، ليبدأ مكتب المجلس منذ الأسبوع الأول من شتنبر في إجراءات إشراك مختلف القطاعات الحكومية المعنية، في انتظار صدور الإطار القانوني مباشرة بعد انطلاق السنة التشريعية.
والأسئلة التي نطرح هنا على السيد عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، هي: هل إصلاح المدرسة يتطلب فقط إطارا قانونيا ملزما، أم يتطلب أيضا تعاقدا اجتماعيا؟ بمعنى هل إخراج قانون- إطار يكفي لوحده لضمان انخراط الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين والمجتمع المدني في الرؤية التي وضعها المجلس لإصلاح المدرسة؟ وكم هي عدد القوانين- الإطار التي تبقى حبرا على ورق؟ ألا تحتاج الرؤية لفترة سلم اجتماعي على غرار ما تم إبان عشرية الإصلاح؟ ألا يشكل انخراط النقابات التعليمية في تكريس الفئوية وتفرغها للخطاب المطلبي الصرف، تهديدا لفلسفة الرؤية؟ ألا تشكل الدعوات المستمرة لرئيس الحكومة إلى ضرورة خوصصة التعليم، والتي صرح بها في مناسبات عدة، تهديدا لفلسفة المجلس، والمبنية أساسا على رد الاعتبار للمدرسة العمومية؟ ألا نفهم من تحدي وزير التعليم العالي للمجلس بتمرير قانون التعليم العالي بالرغم من الاعتراضات الموضوعية التي سجلتها لجنته، أن الرؤية في حاجة لتعاقد اجتماعي كما قلنا أكثر من قانون- إطار؟
قد يقول قائل إن التعاقد تحقق من خلال استراتيجية التوافق التي نهجها مكتب المجلس في القضايا الخلافية، وإن الرؤية هي نتاج تعاقد وليست وثيقة مفروضة من فوق، كما قد يقول أيضا إن حرص المشرع على تمثيلية مختلف النقابات المؤثرة في قطاعي التعليم، العالي والمدرسي، وكذا مختلف الحساسيات السياسية في تركيبة المجلس، لكن هذا المعطى لن يعفينا من تسجيل ملاحظات مسنودة بقوة الواقع.
أولها، حول «العناصر» التي مثلت هذه النقابات والأحزاب في المجلس، فأغلبهم متقاعدون. وكثيرون منهم يعترفون بأنهم وجدوا أنفسهم في لجان لا يفهمون موضوعاتها إطلاقا. وللنظر مثلا إلى الطريقة «العجيبة» التي تم بها استبدال ممثلة النقابة التعليمية التابعة لحزب الاستقلال في المجلس، لنتأكد من هذه الملاحظة. أما «الملاحم» النقابية الممثلة لنقابة العدالة والتنمية، فتلك حكاية تجعل حديثنا عن السلم الاجتماعي مسألة حيوية.. لاسيما عندما نكون إزاء نقابيات ونقابيين يفهمون العمل النقابي على أنه الصراخ ورفع الشعارات لا غير. وما نريد قوله في هذه الملاحظة بوضوح، إن تواجد هذه الكائنات المشكوك في مصداقيتها داخل إطارتها، لن يجعلنا نطمئن إلى تحقق «التعاقد الاجتماعي حول المدرسة» لمجرد تواجدهم في المجلس.
والدليل الأوضح هنا هو أنه في الوقت الذي يلح فيه القانون الداخلي للمجلس على أن رئيسه هو الناطق باسمه، كان بعض السياسيين والنقابيين يتاجرون ويبتزون ويضغطون عبر وسائل الإعلام الرسمية التابعة لنقاباتهم أو أحزابهم.
ثانيا: هذه الحكومة تخلت رسميا عن قطاع التعليم منذ سنتين، ليس فقط لكونها قبلت استوزار تقنوقراط في التعليم المدرسي، ولكن لأن الوزير الحزبي لقطاع التعليم العالي من أشد أعداء الجامعة العمومية التي يدافع عنها المجلس. ففي الوقت الذي كان فيه هذا الوزير يرغي ويزبد ضد أعضاء لجنة إبداء الرأي في قانون التعليم العالي، كان في اليوم نفسه ينسق مع «إخوته» لشق التعليم العالي بنقابة جديدة غير ممثلة في المجلس، فقط لتساعده على تمرير مشروع ينتصر للجامعات الخاصة.
نخلص في الأخير إلى أن المجلس في حاجة فعلا لقانون- إطار ملزم، ولكنه أيضا في حاجة للبحث عن تعاقد اجتماعي حقيقي تضمن به النقابات سلما اجتماعيا لمدة لا تقل عن عشر سنوات. وطبعا هذا لن يتحقق بالضغط على زر تحكم، ولكن أساسا عبر توجيه المجلس عنايته أيضا إلى تقديم رأي منصف في ملف القانون الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، لأن إعادة إنتاج قانون ظالم، على غرار القانون المعمول به حاليا، والذي يقتل الاجتهاد والتكوين والحصول على الشهادات لصالح معايير تكرس التحكم والفئوية بين نساء ورجال الميدان، سيجعل كل أشكال التواصل التي سيقوم بها المجلس مجرد «بهرجة» لن تترك صدى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى