شوف تشوف

أفول الزعماء (3/3)

يبقى الانتقاد الرئيسي لحزب الأصالة والمعاصرة مركزا على الظروف التي ولد فيها، وقد كان من المفروض أن يكون حزبا للإدارة، وطرفا في الحكومة، إلى حد ما ككل تلك الأحزاب التي سبقته، مثل جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، والتجمع الوطني للأحرار والحزب الوطني الديمقراطي.
لقد «ناضل» الحزب في البداية للعثور على قائد حقيقي، إلى أن أتى مصطفى بكوري الذي لم يعد يحظى بالإجماع اليوم.
وبغض النظر عن الظروف الملتبسة التي ظهر فيها حزب الأصالة والمعاصرة، فإنه ليس بمستطاع أحد أن ينكر أن مشروع الـ«PAM» يجد مكانه على الساحة السياسية، خصوصا بعد تراجع الاتحاد الاشتراكي وإنهائه سياسيا على يد لشكر، وانكماش الاستقلال بعد تقسيمه وإعادة ترميمه، وظهور قوة سياسية كبيرة لا يستهان بها التي هي حزب العدالة والتنمية.
إن ما يغيب عن كل الأحزاب السياسية المغربية هو أن الأولوية بالنسبة لأي حزب هي تقديم البرامج، وليس محاولة تحديد موقعه من حيث اليمين أو اليسار، أو من حيث هذا الزعيم أو ذاك. وإشكالية الزعيم هذه تشترك فيها كل الأحزاب السياسية مما يتسبب لها في أزمات كبرى.
وبالنسبة لحزب كالأصالة والمعاصرة، فقد ظهرت الأزمات الكبرى التي عاشها منذ 2011، عندما كان الحزب غير مرغوب فيه في خضم احتجاجات الربيع العربي حيث رفع المتظاهرون شعارات ضده وضد بعض رموزه.
منذ ذلك التاريخ إلى اليوم مرت مياه كثيرة تحت الجسر، وأعلن بنكيران رغبته في إعادة العداد إلى الصفر في علاقته بمؤسس الحزب بعد انتقاله إلى البلاط مستشارا، وبعدها أصبح الـ«PAM» طرفا مُثبتا لوجوده في المعادلة السياسية بعدما شارك في الانتخابات وانتزع الشرعية الشعبية ومنحه خصومه شهادة الحياة، قبل أن تتغير الظروف ويطالب الخصوم أنفسهم للحزب نفسه بشهادة الوفاة.
يحتاج حزب الأصالة والمعاصرة بعد التخلي عن أدبيات اليسار الراديكالي، أن يعود إلى منطقة الوسط، أي أن يصير حزبا متوازنا غير متطرف في مواقفه، حزبا يدافع عن الديمقراطية الاجتماعية مع لمسة مغربية.
أما ما يقوم به اليوم حزب التجمع الوطني للأحرار، فيشبه كثيرا ما حدث ذات زمن سياسي.
تكون حزب التجمع الوطني للأحرار عام 1977، وبعد أربع سنوات أصبح الحزب غير متحكم فيه من طرف الدولة، حيث تكون من الإقطاعيين والفيوداليين والأعيان الذين بدؤوا «يضصرون»، وكان بنطالب هو الرجل القوي داخل الحزب في حين كان عصمان مجرد «دفة»، أي واجهة والسلام.
وكان لبنطالب آنذاك عدو كبير هو وزير الداخلية القوي إدريس البصري، الذي انتقم من بنطالب وشق له الحزب ونادى على أرسلان الجديدي وخليهن ولد الرشيد وعبد القادر بنسليمان والكولونيل عبد الله القادري لتأسيس الحزب الوطني الديمقراطي الذي التهم نصف أعضاء التجمع الوطني للأحرار، حيث أصبح الحزب الجديد أقوى من الحزب الأم.
ولم يكتف البصري بهذا مع بنطالب بل إنه أرسله إلى السجن لسنتين في حملة التطهير، مع الحجز على جميع ممتلكاته، «عقلتي أسي الرياحي»؟
وهو السيناريو نفسه الذي تم اتباعه لتأسيس الأصالة والمعاصرة، الذي التهم حزب طبيب العظام الوازاني الذي تكسرت عظامه عندما حاول عرقلة عجلات الجرار، والتهم حزب القادري الذي عندما انتفض وجد نفسه أمام قضايا لا أول لها ولا آخر في المحاكم بسبب فضائحه المالية، والتهم حزب رابطة حريات علي بلحاج، وعندما بدأ «يفهم» على أصحاب الحزب وجد نفسه يبحث عن كراسي المعاهد الخاصة لكي يوجه سهام نقده للأصالة والمعاصرة الذي يجده غير ليبيرالي ولا يساري.
بعد ذلك خلقت الدولة الاتحاد الدستوري وأعطته للاتحادي السابق المعطي بوعبيد وعبد اللطيف السملالي وعبد الله أزماني والطاهر المصمودي ومحمد جلال السعيد، حيث شارك الحزب في انتخابات 1981 وحصل على الأغلبية المطلقة، فيما أصبح التجمع في المعارضة، حيث عاش مرحلة التيه لعشر سنوات كاملة.
نستخلص من هذه المقاربة أن الدولة لا تحب الرجل القوي في الأحزاب التي تكون لها يد في خلقها، فبنطالب مثلا كان قويا في المؤامرات، بحيث أزاح ولي نعمته عصمان ووضع مكانه مصطفى المنصوري، ثم أزال المنصوري ووضع مكانه مزوار، قبل أن يحاول إزالة مزوار بالحركة التصحيحية، فما كان من مزوار سوى أن حرر رسالة لفصل بنطالب من الحزب بعدما فطن للأمر، إلا أن زوجته الوزيرة في الصناعة التقليدية تدخلت لدى رئيسها لطلب العفو عن زوجها المريض.
رجل قوي آخر دارت عليه الدوائر هو رضى كديرة، الذي عندما فرضت حالة الاستثناء فقد كل امتيازاته، قبل أن تدور الرياح ويعود إلى المربع الذهبي.
وتبقى كل الاحتمالات واردة خلال هذه الفترة الحرجة والخطيرة الممتدة من الآن إلى الصيف المقبل، موعد الاستحقاقات التشريعية المقبلة.
هناك أحزاب ستطلب «السلة بلا عنب»، وهناك أحزاب ستنصهر مع أحزاب، وهناك أحزاب ستنقرض مفسحة المجال لظهور أحزاب جديدة، لكن في نهاية المطاف سنكون أمام الأشخاص أنفسهم، لكن بأقنعة جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى