الرئيسيةحوادثخاص

اصطدام بالكتف ينهي حياة شاب في سلا

كريم أمزيان
تخصص محكمة الاستئناف بالرباط، جلسات عدة للنظر في الملفات الجنائية، التي تبت فيها الهيأة القضائية المكلفة بغرفة الجنايات الابتدائية أو الاستئنافية، ومن بينها الملفات التي يسقط فيها ضحايا الضرب والجرح والاعتداء المفضي إلى الموت، والتي تشكل نسبة كبيرة من القضايا التي تحال على المحكمة.
في صفحة «غرفة الجنايات» التي تنشر في هذا العدد من جريدة «الأخبار»، نورد قصة شاب من مدينة سلا، خرج قاصدا  طبيب الأسنان فتحول إلى الطبيب الجراح، قبل أن يحمل جثمانه إلى مستودع الأموات.
معطيات الملف تشير إلى أن (ع.ل.ن)، تقدم بشكاية لدى الدائرة الثالثة عشرة، التابعة للمنطقة الأمنية الإقليمية لمدينة سلا، وهي أقرب مخفر لمحل سكناه في المدينة، يؤكد من خلالها أن ابنه (خ.ن)، الذي رأى النور في 1991 بسلا، والذي كان يسكن بزنقة «امقريصات»، الواقعة بحي الكفاح بقرية اولاد موسى، اتجه في يوم 22 مارس 2015، وبالضبط في تمام الساعة الثانية بعد الزوال، إلى طبيب أسنان بسبب ألم حاد كان يحس به في أحد أضراسه، غير أنه تفاجأ على مسافة لا تبعد عنه إلا بأمتار قليلة، من المنزل، بالقرب من مقهى، بشخصين كانا يمتطيان دراجة ثلاثية العجلات زرقاء اللون، قبل وصوله إلى وجهته المعلومة، التي كان يهرول من أجل بلوغها، حتى يخفف عنه الطبيب الألم الذي فاجأه، أو يقتلع له الضرس الذي يتسبب له في الألم.. غير أن الشابين باغتاه، وهما على متن دراجتهما، ولم يكن يتوقعهما قط، بعدما كان كل تركيزه موجها فقط إلى ما يحس به من وجع ينتشر في فمه كله ويمنع من فتحه أو التفوه بأي كلمة في حال حدثه أحد.
الإفادات التي جرى تقديمها أثناء البحث التمهيدي من قبل الضحية وخلال مرحلتي التحقيق الإعدادي والتفصيلي، تفيد أن أحد الشخصين اللذين كانا على متن الدراجة النارية، كان عاري الجسد، وبه وشم على شكل وجه أو خريطة خلف كتفه الأيسر، لم يتمكن من التركيز فيه حتى يكتشف طبيعته، خصوصاً أنه هو الذي وجه إلى الضحية ضربة قوية بسيف، إذ فاجأه بها فوق الأذن اليسرى، وهو الاعتداء الذي خلف له جرحاً غائراً، وآخر في يده اليمنى، لم يستطع معه الدفاع عن نفسه أو تفادي هجومهما عليه، قبل أن يشاهدهما بأم عينيه وهما يلوذان بالفرار، دون أن يستطيع أن يوقفهما، ودون أن يتذكر هويتيهما، أو يعرف المكان الذي يتحدران منه.
من حسن حظ الابن، أن أباه كان يتبعه بخطوات مسرعة قصد مرافقته إلى عيادة طبيب الأسنان، من أجل أن يمنح لابنه مهدئا ينقص عنه الألم الذي يعانيه، لكنه لم يتمكن من القبض على الجانيين والمناداة على رجال الأمن من أجل اعتقالهما، بل حاول أن يتذكرهما، ويسجل ملامحهما في ذاكرته، وهو يخاطبهما بأنه سيقدم ضدهما شكاية إلى رجال الشرطة، من أجل اعتقالهما وعقابهما على الفعل الشنيع الذي ارتكباه في حق فلذة كبده.. غير أن الشخص الذي كان عاريا، وفق معطيات الملف، لم يعر ذلك أي اهتمام، بل خاطب والد الضحية، وهو يلوح بسيفه، قائلاً: «سير تخيط لولدك».
اتجه الأب بابنه إلى مستعجلات مستشفى الأمير مولاي عبد الله بسلا، غير أنه لم يلبث هناك وقتاً طويلاً، بالنظر إلى خطورة الجروح التي يحملها، إذ طلبت الأطر الطبية التي عاينت الابن، التوجه به على وجه السرعة إلى مستشفى ابن سينا بالرباط، حيث بقي تحت الرعاية الطبية فاقداً الوعي، عقب خضوعه لعملية جراحية مستعجلة.
وبعد أن توصل الأب من ابنه بالاسم الكامل للمعتدي (أ.ط)، شقيق (م.ط) الملقب بـ«حمو»، انتقل على وجه السرعة إلى عناصر الشرطة القضائية التي كانت استمعت إليه يوم كان ابنه ضحية للاعتداء، ليتم اعتقال المعتدي في يوم 28 من الشهر ذاته، في حين لم تتمكن العناصر الأمنية من العثور على شقيقه، فظل في حالة فرار، وجرى تحرير مذكرة بحث وطنية في حقه، بعد حجز دراجته النارية ثلاثية العجلات، لفائدة البحث الذي تجريه العناصر الأمنية، بعد إقرار المتهم الأول (أ.ط)، بأنه ساعد شقيقه في الفرار على متنها، فتم إيداعها مستودع السيارات رهن إشارة محكمة الاستئناف بالرباط.
فرحة الأب باعتقال المتهم الأول والتحقيق معه لكشف المتورطين في الاعتداء على ابنه، لم تدم طويلا، لأن خبرا نزل عليه كالصاعقة، لما علم أن ابنه الذي ولج قسم الإنعاش بعد عملية جراحية مستعجلة، وافته المنية، وجرى نقل جثته ووضعها في مستودع الأموات، ما جعل الأب (ع.ل.ن) يصر على أن تكثف عناصر الشرطة القضائية أبحاثها، وتعمق بحثها التمهيدي في الملف، حتى توقف الجانيين اللذين تسببا في وفاة ابنه، من أجل اعتقالهما وعرضهما أمام أنظار القضاء، قصد أخذ المتعين في حقهما.
أول ما قامت به الشرطة القضائية بعد ذلك، تجلى في الاستماع إلى المسمى (أ.ط)، والملقب بـ«حمو»، إذ أفاد أنه بالفعل كان بمعية شقيقه، يوم 22 مارس، وأقر بأنهما كانا بصدد الذهاب إلى غابة المعمورة، إلا أن شقيقه (م.ط) طلب منه مرافقته إلى حيث تقطن خالته، ثم أكد له أنه سيلتقي أحد أصدقائه، فتركه جالسا في الدراجة النارية، إلا أنه شاهد مجموعة من الأشخاص، كانوا متجمهرين، فتقدم منهم، فوجد شابا ينزف دما.
المعطيات الواردة في ما يخص هذه النقطة، تبدو غير دقيقة، بين ما سرده المشتكي والمتهم، إلا أن هذا الأخير اعترف بأنه ساعد أخاه على الفرار، على متن الدراجة النارية، التي تولى سياقتها، موضحا كذلك أن عائلة الضحية تعقبتهما بمن فيهم والده الذي تقدم بشكاية في ما بعد في الموضوع، دون أن ينفي أنه لم يقدم أي مساعدة للضحية، لما وجد حالته خطيرة، خصوصا أنه كان ينزف دما، كما لم يمنع شقيقه في البداية من توجيه ضربات إلى الشاب الذي توفي في ما بعد، نافيا أن يكون متحوزا في تلك اللحظات بأي سلاح أبيض أو عصا، كما جاء في تصريحات الأب.

شكايات «مسقطة»
جاء إيقاف المتهم الثاني، (م.ط)، إثر شكاية أخرى من قبل سيدة تفيد هجومه على محل الغير والسرقة، وهي الشكاية التي وضعتها لدى الشرطة القضائية بدائرة سلا، والتي تفيد بأنها كانت في مسكنها الواقع في حي الانبعاث بسلا، فسمعت صوت صعود شخص في الدرج، ما جعلها تختبئ في زاوية، في الطابق الرابع لحظات قليلة قبل تكسيره الباب وولوجه بيتها وسرقة هاتفها الذكي، ثم توجه إلى بيت أمها، وفيه أحدث فوضى عارمة، وبعدما لم يستطع الدخول غادر إلى وجهة مجهولة. وسبق ذلك بيوم واحد، تقديم شخص يسمى (م.ز)، شكاية لدى الأجهزة الأمنية، في الدائرة السادسة التابعة للمنطقة الإقليمية لسلا، من أجل تعرضه للسرقة تحت طائلة التهديد بالسلاح الأبيض، من قبل ثلاثة أشخاص كانت معهم فتاة، وأحدهم يلقب بـ«فنيدة»، وهي الواقعة التي جرت حين كان في بيته في 28 أبريل من السنة نفسها، في الواحدة ليلا، إذ سمع الباب يطرق بقوة، وبالنظر إلى أنه كان يعرف بعضهم، لأنهم من أبناء الحي، فتح لهم الباب، ودعاهم إلى بهو المنزل، إلا أن المتهم الثاني الذي كان معهم، وهو الملقب بـ«حمو»، دفعه وهو يحمل سيفا، فيما لوح الذين كانوا معه، بالسكاكين التي كانوا يتوفرون عليها، فاستولوا على هاتفه النقال، وهاتف صديقه، ومبلغ مالي وجدوه موضوعا فوق طاولة، ثم غادروا المكان، بعدما فتشوا الغرفة والبيت جيدا ولم يعثروا على أي شيء ثمين، وهددوه وهم في طريقهم إلى خارج البيت بالانتقام في حال إذا صرخ أو طلب الإغاثة.
شكاية أخرى تقدم بها شاب غيني، بعدما سلبت منه ستة هواتف النقالة، وسلسلة ثمينة كان يضعها في عنقه، وساعة يدوية، ومبلغ 5 آلاف درهم، وستة مفاتيح إلكترونية خاصة بالتخزين، مشيراً إلى أن بين المعتدين في عملية السرقة والنشل امرأة، وهو ما جعل المحققين يربطون بين الشكايتين، إلى أن وقعت العصابة في الفخ، وبين عناصرها شقيق المتهم في ملف الاعتداء المفضي إلى الوفاة، والذي بمجرد اعتقاله، وشروع عناصر الشرطة القضائية، بتعليمات من النيابة العامة، في البحث التمهيدي، كان السؤال الذي حير المحققين، هو السبب الذي دفع المتهم إلى الاعتداء على الشاب الذي وافته المنية، فذكر أنه مر من طريق كانت مزدحمة بشدة، ولأن الضحية كان يسير بسرعة كما الأمر بالنسبة إلى المتهم، ارتطم كتفاهما، وهو ما لم يرق الضحية، وفق التفاصيل التي سردها المتهم، فثار في وجهه، ما جعله يشهر في وجهه سلاحه الأبيض، ففر الضحية، إلا أنه تبعه موجها إليه ضربات في رأسه، فسقط وهو ينزف دما، ومع مشاهدته أفراد عائلته يتبعونه ويحاولون الإمساك به بمساعدة بعض المارة، فر وامتطى الدراجة النارية التي كان ينتظره فيها أخوه، فابتعد كثيرا عن المكان قبل أن ينتقل إلى مدينة طنجة، التي استقر بها لأيام مع صديق له ملقب بـ«سوليكس»، والذي توبع هو أيضا في الملف، خصوصا أنه اعترف بمعية صديقه، بعمليات سرقة ارتكباها بعد نفاد المال الذي كان بحوزتهما.

الإدانة بالسجن والتعويض
قرر قاضي التحقيق في الملف بقيام أدلة كافية بالنسبة إلى المتهم (م.ط)، على ارتكابه جريمة القتل العمد والسرقة الموصوفة، فيما صرح بعدم متابعة شقيقه من أجل المشاركة، فيما تابع صديق المتهم الأول بتهمة السرقة الموصوفة فقط، فأمر بإحالتهما على غرفة الجنايات الابتدائية، بمحكمة الاستئناف بالرباط، والتي فتحت الملف الذي مر من جميع مراحل المحاكمة، إلى أن طوته أوائل الشهر الماضي، بعدما قررت متابعة المتهمين بما نسب إليهما، والحكم على المتهم الرئيسي بـ 25 سنة سجنا، وبتعويض مدني للمطالب بالحق المدني قدره 10 ملايين سنتيم، وعلى زميله بخمس سنوات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى