الرئيسية

الأخبار تروي مأساة أكثر من 20 أسرة مع أبنائها المعاقين بقرية مهمشة ضواحي الفنيدق

الفنيدق: حسن الخضراوي
قد تتحمل الأسرة معاناة وجود فرد واحد داخلها من ذوي الاحتياجات الخاصة وما يتطلبه من رعاية ومصاريف للعلاج والمتابعة إذا كان دخلها متوسطا وتستفيد من دعم وخدمات الجمعيات، لكن تحمل معاناة وجود أربعة أبناء معاقين داخل أسرة واحدة في ظروف قاسية جدا عنوانها الجهل والفقر والاقصاء داخل قرية مهمشة اسمها “الليمونة” ضواحي الفنيدق هو واقع أقرب إلى الخيال. هذه المأساة هي ما اطلعت “الأخبار” على جزء منه وتكشفه للقراء في هذا الربورتاج.
تضم قرية “الليمونة” بنواحي مدينة الفنيدق أكثر من 100 منزل وتعتمد في اقتصادها على أنشطة فلاحية لا تسمن ولا تغني من جوع، فضلا عن اعتماد سكانها على العمل في التهريب المعيشي بباب سبتة المحتلة، وبها أزيد من 30 حالة إعاقة متنوعة من مختلف الأعمار لم يستفيدوا من أي برنامج يذكر أو سبق وقدمت لهم مساعدات من أي جهة كانت، سوى المعاناة القاسية والمستمرة للأسر والملخصة في دموعهم التي ذرفوها بحرقة. هؤلاء يروون قصصهم إلى للجريدة التي زارتهم بالقرية نهاية الأسبوع الماضي، مشددين على أن برامج الحكومة في مجال دعم الأشخاص المعاقين لم يصلهم منها شيء، وموجهين نداءهم المختلط بالدموع إلى الملك محمد السادس من أجل إنقاذهم من المعاناة القاسية ومساعدتهم بالقول “راحنا مقهورين، شوفو من حالنا”.

معاقون أيتام
وصلنا القرية مساء الأحد الماضي، وكانت أول حالة نقابلها حالة الأم عائشة الشعيري التي تتكفل بمسؤولية إعالة أسرة بها ثلاث حالات إعاقة، رحمة 34 سنة تقريبا وسكينة 18 سنة وإيمان القاصر 14 سنة. تقول الأم إن والد الطفلات توفي منذ أكثر من عشر سنوات وتركها لتواجه مصير الحياة لوحدها دون مساعدتها من أي جمعية أو جهة رسمية، سوى ما يجود به بعض المحسنين ممن يرقون لحالها أثناء عملها بباب سبتة المحتلة في مزاولة التهريب المعيشي كحمالة من أجل توفير وضمان قوت الأسرة.
تتنهد عائشة بعمق، وهي تحكي كيف أنها تخرج من القرية في حدود الثانية ليلا لتتحرك نحو باب سبتة المحتلة من أجل العمل تاركة بناتها الثلاث لوحدهن وهي لا تعلم متى ستعود، لأن ذلك يتوقف على ظروف العمل الذي تزاوله والمرتبط بالمزاجية والظروف المحيطة بالقرارات التي تتخذها السلطات الاسبانية والمغربية على الحدود الوهمية.
وتضيف: “لم يسبق أن عرضت بناتي المعاقات على أي مركز مختص أو طبيب لأنني بالكاد أوفر لهم لقمة العيش، وهذه الصغيرة تحتاج إلى حفاظات “ليكوش”، وقد أصبح ذلك من الضروريات التي يجب توفيرها. مهما قلت لك ومهما عبرت لا يمكن أن أصف درجة المعاناة التي نكابدها تضيف السيدة المسنة في ظل غياب تام للمساعدة. إذا توقفت أنا عن العمل لظروف ما خارجة عن إرادتي فمن سيتكفل بالبنات ويتحمل مسؤولية إطعامهن على الأقل والعناية بهن؟”، تتساءل بحرقة دامعة قبل أن تسترسل “هذا السؤال يؤرقني دوما وأسهر الليالي وأنا أفكر فيه وسط مجتمع لا يرحم. عندما كانت صحتي جيدة كنت أتغلب على أعباء الحياة وأوفر لقمة العيش وعلى العموم الطفل أو الشخص المعاق يحتاج إلى الرعاية أكثر من حاجته إلى الخبز. فابنتي الصغيرة التي لا أعلم نوع إعاقتها قد تموت جوعا أو عطشا لأنها لا تطلب شيئا إذا لم يقدم إليها. “الحمد لله” على كل حال، نتمنى أن تصل رسالتنا إلى كل مسؤول مهما كانت رتبته، فينتبهون إلينا لمساعدتنا على تجاوز هذه المحن التي عمرت طويلا”.

أربعة معاقين داخل أسرة
داخل بيت متواضع جدا بقرية “الليمونة” المهمشة يعيل عبد السلام أسرة بها أربعة أبناء معاقين هما ؛ وديع 24 سنة، رحمة 22 سنة، هاجر 21 سنة، فردوس 20 سنة. يقول الأب الذي ظل يغالب دموعه من أول اللقاء قبل أن يستسلم إليها في لحظات قوية إنه ليس وحده من يعاني ولكن الأسرة جميعها على هذا الحال، مردفا “أعمل في مجال الفلاحة البسيطة التي لا تكفي لشيء وأوفر بالكاد لقمة العيش لأبنائي، لكن لا يمكنني أبدا توفير مصاريف العلاج أو ما شابه لأن ذلك فوق طاقتي ولا أقدر عليه. عندما كان أطفالي المعاقين صغارا كانت درجة المعاناة أقل أو بالأحرى كان يمكن أن تسيطر على حالات هيجانهم وتتحكم فيها، أما الآن فالأمر صعب وصعب جدا” يقول الأب والألم يعتصر قلبه مضيفا أن فردوس “قد لا تنام الليل كاملا وتستمر على الحال لأسبوع كامل وهي تصرخ عاليا محاولة إيذاء نفسها بالارتطام بالجدران، وأقضي أنا ليالي بيضاء من أجل مراقبتها ومحاولة تهدئتها حتى بزوغ الفجر لأذهب مباشرة إلى العمل كمياوم داخل أوراش البناء بمدينة الفنيدق وغيرها ولك أن تتخيل هذا جيدا”.
ويضيف: “كلما زاد أبنائي المعاقين في السن زادت معهم معاناتي، وتفكيري منصب الآن في البحث عن طريقة يمكنني بها السيطرة على بعض الحالات التي تنتابهم دون تعرضهم للأذى. أتمنى من المسؤولين برمجة أسبوع تستفيد منه القرية في الكشف عن حالات الإعاقة الموجودة بها ومساعدة الأسر ببعض النصائح ومدهم بالأدوية المهدئة لأن الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم.
نحن كما ترى يحيط بنا الفقر من كل جانب ويعيق الجهل تحركنا في أي اتجاه وليس لنا إلا الله والمحسنين الذين يجودون علينا في بعض الأحيان بالقليل من المساعدات لكنها مؤقتة ولا يمكنها أن تنتشلنا من البؤس والمعاناة التي نكابدها منذ سنين وتزداد حدتها كلما ازدادت أعمار الأطفال المعاقين”.

إعاقة وفقر مدقع
عندما تختلط الإعاقة بالفقر المدقع تكون المعاناة أشد، لكن في حالة رحمة التي أصبح زوجها مقعدا وأعمى لا يرى بسبب فقدانه لشبكية عينيه عندما كان يزاول عمله كحطاب يجمع الحطب لإعادة بيعه فالمعاناة أشد مرارة وأقوى من أن يتحملها قلب إنسان.
تقول رحمة التي تتكفل بإعالة ابنتيها المعاقتين أنيسة 20 سنة وسعيدة 26 سنة، إن زوجها كان يساعد في توفير بعض المصروف، لكن الآن أصبح بدوره يحتاج إلى من يتكفل به ويرعاه.
“أعمل على حمل البضائع بباب سبتة المحتلة، لكن ما أوفره أصبح لا يكفي لشيء، بسبب ظروف العمل واكراهاته ناهيك عن ارتفاع المصاريف وكلفة المعيشة بشكل عام”، تقول رحمة مضيفة “أنا لا يمكنني أن أسمح في أنيسة وسعيدة مهما كانت الظروف، لكن على الأقل نطلب من المسؤولين التفاتة لمساعدتنا. لا يوجد أحد هنا يمكنه ايصال صوتنا أو الدفاع عن حقوقنا لذلك نحن هكذا مهمشين ومنسيين رغم قربنا من المناطق الحضرية وانتمائنا إلى عمالة المضيق الفنيدق التي تعرف تدشينات لمشاريع ضخمة غيرت من وجهها”.
وتتمنى رحمة صادقة من المؤسسات مساعدتها قائلة “إننا لم نتوصل بشيء سوى مرة واحدة وزعوا علينا فيها مؤونة تكفي ليومين وتتكون من 5 ليترات من الزيت وشيء من الطحين ضعيف الجودة”.
تحدثت إلينا سيدة أخرى لها ابنة يتيمة معاقة اسمها فاطمة (16 سنة) تسكن رفقتها في بيت صغير شيده أحد المحسنين بعد سقوط البيت القديم الذي بناه زوجها المتوفي قائلة. الطفلة المعاقة وعند فتح والدتها للغرفة التي كانت داخلها خرجت لتعبر بشكل مثير عن فرحها بقدومنا عكس بعض حالات الإعاقة السابقة التي صادفناها وكانت عنيفة جدا ومتوترة من وجودنا بالمحيط.
تقول والدة فاطمة “أعمل في مساعدة بعض العائلات من أجل توفير لقمة العيش وعندما أغادر المنزل اضطر إلى إحكام إغلاق الباب الخارجي كي لا تخرج فاطمة وتتيه خارج القرية”، قبل أن تردف “أنا لا أعلم نوع إعاقتها ولا كيفية التعامل معها وكل ما أسعى جاهدة لتوفيره هو الخبز ولا شيء غيره. ليس لي كهرباء ولا ماء وحالتي فقيرة جدا ولم يسبق لي أن تلقيت أي مساعدة من أي جهة كانت سوى سيدة رحمها الله كانت تخصني بأجر شهري مداوم كإعانة لهذه اليتيمة المعاقة التي أمامكم”.

صرخة أمل
لم يكن الوقت كافيا لزيارة جميع الحالات والحديث عنها، ولكن كان هذا جزء بسيط من معاناة قرية مهمشة لا تبعد عن الفنيدق سوى بكيلومترات قليلة، وتوجد بها نسبة معاقين كبيرة جدا تطرح أكثر من علامة استفهام لدراسة الظاهرة ومحاولة معرفة إن كانت هناك أسباب مشتركة أو عوامل محيطة تساهم في إصابة المواليد بالإعاقة داخل الحيز الجغرافي الضيق للقرية.
يقول بعض المهتمين إن للإعاقة أسبابا تتم دراسة تجنبها باتخاذ الاحتياطات اللازمة، كما يشدد العديد من المختصين على أن إمكانية تطوير مهارات الشخص المعاق وتعليمه والعناية به يجب أن تتم في السنوات الأولى بعد الولادة لتحقيق نتائج إيجابية أكثر وليس الانتظار حتى يصل سنا معينة فتتعقد الأمور أكثر ويصعب العلاج و الادماج داخل المجتمع.
إن نسبة كبيرة من المعاقين تحرم من حقها في التعليم والتكوين والعلاج بسبب التهميش والاقصاء وتركيز البرامج الجمعوية المرتبطة ببرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على المدن، دون توسيع النشاط ليشمل المناطق الهامشية والمنسية التي تعاني ويلات الجهل والأمية والفقر.
تقول مصادر للجريدة إن من ضمن المعاقين بقرية “الليمونة” أطفال توحديون كان بالإمكان أن يتم التعامل معهم خلال السنين الأولى واستفادتهم من تقويم السلوك والعلاج والعمل المستمر من طرف مختصين على ادمجاهم داخل المجتمع، لكن ذلك لم يحصل مع الأسف وقد تطورت الحالات لتشكل خطرا على الطفل التوحدي ومحيطه في غياب الدعم والتوعية الضرورية. ناهيك عن معاناة الأسر مع تطور حالات الصرع المصاحبة والأعصاب والصراخ بشكل مستمر لا يطاق.
ما يطالب به سكان “الليمونة” هو الحد الأدنى من مساعدتها في تحمل معاناة قاسية مع أطفالها المعاقين في صمت لسنين طويلة ودون أن يتحرك أي مسؤول أو مؤسسة لمساعدتهم. لذلك كانت رسالتهم إلى المسؤولين عفوية وعميقة ومختصرة؛ “لم يصلنا شيء من الحكومة التي كان أملنا أن تنزل شعاراتها لتخفيف معاناتنا.. راحنا مقهورين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى