خاص

الأخبار تنشر البرنامج الانتخابي لـ «البيجيدي»

إعداد: محمد اليوبي
حصلت «الأخبار» على النسخة الكاملة للبرنامج الانتخابي الذي سيخوض به حزب العدالة والتنمية غمار الانتخابات التشريعية المقبلة. ويتضح من خلال البرنامج أنه يتضمن الوعود نفسها التي قدمها الحزب للناخبين خلال الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر سنة 2011، دون أن يلتزم بتحقيقها وهو يتحمل مسؤولية قيادة الحكومة الحالية، فيما غابت لغة الأرقام والتوقعات المضبوطة عن البرنامج الحالي، الذي طغت عليه اللغة الإنشائية والتمطيط والمشاريع المتخيلة دون توضيح لمصدر الاعتمادات المالية، في ظل تراجع معدل النمو، واستمرار ارتفاع عجز الميزانية وارتفاع المديونية التي خلفها الحزب على رأس الحكومة في عنق الدولة.

في الوقت الذي كان المغاربة ينتظرون من الحزب الحاكم تنفيذ الوعود الانتخابية التي قدمها لهم في حملته للانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2011، بعد قضاء الحزب مدة خمس سنوات على رأس الحكومة الحالية، سيخوض الحزب حملته الانتخابية ببرنامج انتخابي يتضمن تقريبا الوعود نفسها التي قدمها سابقا. وأهم ما ورد في البرنامج الذي غابت عنه الأرقام والمؤشرات، هو الاعتراف بفشل الحكومة في تحقيق مجموعة من الالتزامات والوعود التي قدمتها للمغاربة خلال ولايتها الحالية.
وبدأ حزب العدالة والتنمية برنامجه بالحديث عن مرجعيته الدينية، مشيرا إلى أن المرجعية الإسلامية لا تعني عند الحزب احتكار الإسلام أو النطق باسمه، ولكنها تعني استلهام رصيده الخلقي والقيمي، واستثمار الخلفية الدينية والثقافية للدولة والمجتمع المغربي، مؤكدا أن للحزب فهما وسطيا معتدلا للإسلام، وأوضح أن مضمون كون حزب العدالة والتنمية حزبا سياسيا بمرجعية إسلامية وليس حزبا دينيا يحتكر الدين، يعني أولا تمييزه بين المجال الدعوي والمجال السياسي، معتبرا تبني الحزب للمرجعية الإسلامية لا يعني الانغلاق على المرجعيات الانسانية، ولا يلغي الانفتاح عليها ضمن القواعد والمنطلقات الدستورية.
وتضمن برنامج الحزب سردا إنشائيا لما يسميه منهج الإصلاح، الذي لخصه في استكمال خطوات الدمقرطة في المغرب وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ما يشترط التعاون والشراكة مع المؤسسة الملكية، ومعادلة الإصلاح في المغرب تقترن اقترانا عضويا بالمحافظة على الاستقرار، معتبرا أن الإصلاح ليس مسؤولية الدولة أو الأحزاب لوحدها، وإنما هي مسؤولية المواطن أيضا، وأشار إلى أنه لا إصلاح بدون تضافر جهود مؤسسات ومبادرات الديمقراطية التشاركية والمجتمع المدني مع جهود مؤسسات الديمقراطية التمثيلية، وأن عملية الإصلاح هي مسار تراكمي، حيث تكمل الجهود اللاحقة الجهود السابقة، وعملية الإصلاح مرتبطة ارتباطا جدليا بمقاومة الإرادات المعاكسة، مؤكدا أن العمل السياسي المركزي للحزب هو تقديم إجابات عن الأسئلة المطروحة والتحديات المثارة في مجال تدبر الشأن العام وضرورة تحمل الحزب لمسؤوليته في إنجاز الإصلاح وعدم التردد أو التراجع أو النكوص عنه.
وأورد البرنامج أن الحزب يقدر أثناء عملية الإصلاح، وبشكل خاص عند محطاته الدقيقة والحاسمة، قد لا تتطابق مصلحة الحزب مع المصلحة الوطنية، وأنه يختار في هذه الحالة، وبشكل طبيعي ومبدئي واستراتيجي، أن يجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
ووقف برنامج الحزب عند الحصيلة المحتشمة للحكومة، مشيرا إلى أن أهم إنجاز حققته هو الاستعادة التدريجية للعافية المالية والاقتصادية لصالح المواطنين والسياسة الاجتماعية، مسجلا في هذا الصدد تراجع عجز ميزانية الدولة من 6,8 في المائة سنة 2012 إلى 4,3 في المائة سنة 2015، والحد من ارتفاع مديونية الخزينة، لتستقر في مستوى 64 في المائة سنة 2015، وتراجع عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات من 9,5 في المائة سنة 2012 إلى 2,3 في المائة سنة 2015، ورفع احتياطيات العملة الصعبة من 4,2 أشهر من الواردات سنة 2012 إلى حوالي 8 أشهر حاليا، واستقرار نسبة التضخم التي بقيت محصورة في أقل من 2 في المائة.
هذا وتجاهل برنامج الحزب الحاكم التقارير الصادمة التي أطلقتها مؤسسات وطنية ودولية حول وضعية الاقتصاد الوطني، الذي أصبح مهددا بكل المخاطر بسبب السياسة الحكومية خلال الخمس سنوات الأخيرة. فبعد التحذيرات التي أطلقها بنك المغرب واتحاد مقاولات المغرب والمجموعة المهنية للأبناك، في المذكرة الموجهة لرئيس الحكومة، صدر تقرير آخر عن المجلس الأعلى للحسابات، كشف عن أزمة الإفلاس التي أصبحت تهدد المقاولات والمؤسسات العمومية، وذلك بعد تقرير سابق صدر عن المجلس، سجل تدهور الاقتصاد الوطني وارتفاع المديونية الخارجية، فضلا عن توقع معدل للنمو لن يتجاوز 2 في المائة.
وفيما تحدث البرنامج عن أهم إنجاز حكومي، ألا وهو التحكم في المديونية، كشفت أرقام رسمية أن الحزب ساهم في الواقع في إغراق البلاد في الديون ووضعها رهينة لدى المؤسسات المالية العالمية. فعند تشكيل النسخة الأولى من الحكومة، كانت المديونية لا تتجاوز نسبة 51 في المائة من الناتج الداخلي الخام، كما أن جميع الحكومات السابقة لم تتجاوز نسبة 60 في المائة التي يحددها البرلمان سنويا في قانون المالية، لكن في عهد حكومة بنكيران عرفت المديونية ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقلت من 743 مليار درهم سنة 2014، إلى807 مليارات درهم سنة 2015، أي بقيمة تجاوزت 64 مليار درهم، ويمثل 81,3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
والمثير أن الحكومة لا توظف هذه القروض في الاستثمارات، من أجل زيادة نسبة النمو وإنعاش الدورة الاقتصادية، لكنها تقوم بتوظيف هذه القروض في نفقات التسيير. كما انتقل دين الخزينة من 430 مليار درهم سنة 2011، إلى 629 مليار درهم مع متم سنة 2015، أي بزيادة 200 مليار درهم في ظرف أربع سنوات.
وخلافا للبرنامج الانتخابي لسنة 2011، عندما التزم الحزب بتحقيق معدل نمو في حدود 7 في المائة، قدم في البرنامج الحالي توقعات متذبذبة بين ثلاث مستويات سماها السيناريوهات «متشائمة» و«وسطية» و«متفائلة»، حيث توقع متوسط معدل النمو «متشائم» ما بين 3 و4 في المائة، ومعدل «وسطي» ما بين 4 و5 في المائة، ومعدل «متفائل» ما بين 5 و6 في المائة. وبذلك يكون الحزب قد توقع نسبة تتراوح ما بين 3 و6 في المائة، حتى يتملص من أي التزام كما حصل خلال الولاية الحكومية الحالية، حيث أكدت تقارير مختلف المؤسسات المالية الوطنية والدولية، وكذلك باعتراف وزير الاقتصاد والمالية، أن الحكومة ستحقق أسوأ معدل لنمو الاقتصاد الوطني خلال السنة الجارية التي تتزامن مع نهاية الولاية، بحيث لن تتجاوز النسبة 1,5 في المائة، وهي تخلص حصيلة الحكومة على المستوى الاقتصادي، كما كشفت هذه النسبة حقيقة الوعود التي قدمها حزب العدالة والتنمية في برنامجه الانتخابي الذي تعاقد به مع المواطنين الذين منحوا الحزب أصواتهم عندما التزم بتحقيق معدل نمو في حدود 7 في المائة مع نهاية السنة الجارية، كما التزمت الحكومة، أمام مجلسي البرلمان خلال تقديم البرنامج الحكومي من طرف رئيس الحكومة، بتحقيق معدل نمو في نسبة 5,5 في المائة مع نهاية الولاية الحالية، وهو البرنامج الذي نالت به الحكومة ثقة البرلمان، كما توقع البرنامج تحقيق نمو الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي بنسبة 6 في المائة، لكن هذه النسبة لم تتجاوز في الواقع 2.9 في المائة، فيما انخفض معدل الاستثمار الذي انتقل من 35,8 في المائة سنة 2011 إلى 29,9 في المائة سنة 2015.

بعد استسلامه.. بنكيران يعد الناخبين بمحاربة الفساد بالشفوي

في مجال مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة، سبق للحزب الحاكم أن التزم في البرنامج الانتخابي الذي قدمه للناخبين خلال الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر، بمحاربة الفساد بكل أشكاله، لكن في تشخيصه للوضع خلال البرنامج الذي وضعه للانتخابات المقبلة، أكد استمرار مظاهر الفساد واقتصاد الريع وعدم المساواة في الفرص، مشيرا إلى احتلال المغرب برسم سنة 2015 للرتبة 88 من أصل 168 بلدا في تصنيف مؤشر إدراك الفساد.
خلال سنة 2011، وعد الحزب الحاكم، بتحيين وتأهيل التشريع المرتبط بحماية المال العام ومكافحة الإثراء غير المشروع، والتنصيص على عدم تقادم جرائم نهب المال العام وعدم قابليتها للعفو، وتجريم منح أي رخصة أو استثناء أو امتياز أو أي حق غير ما ينص عليه القانون، وتوسيع دائرة التجريم أفعال الفساد ومراجعة نظام العقوبات المتعلقة بها، والصرامة في تطبيق مقتضيات القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد والتصريح بالممتلكات وتخليق الحياة العامة، وإعداد ميثاق وطني للوقاية من الفساد ينبثق من مناظرة وطنية، واعتماد برامج لمكافحة الفساد على مستوى القطاعات الحكومية، وبإحداث مسالك جامعية وتخصصات في مجال مكافحته، وبإحداث صندوق وطني لمكافحة الفساد لدعم المبادرات الخاصة الفاعلة في هذا المجال.
وفي برنامجه الحالي، وعد الحزب الحاكم باستكمال الترسانة القانونية ذات الصلة بالحكامة، من خلال إصدار ترسانة قانونية متكاملة ومنسجمة فيما يخص إرساء الحكامة الجيدة ومكافحة الفساد، خاصة قانون التصريح بالممتلكات الذي يجب أن يستهدف الأشخاص المعرضين فعليا لشبهة الفساد بحكم مسؤولياتهم، لتفادي إفراغ النص من الجدوى والفعالية وجعله غير منتج أو غر قابل للتطبيق، وإصدار ميثاق المرافق العمومية، والسهر على حسن تنزيل القوانين المرتبطة بالحكامة على أرض الواقع، من خلال تفعيل الدراسة القبلية لأثر وجدوى القوانين والمشاريع العمومية، وإصدار النصوص التنظيمية اللازمة لتفعيل مختلف القوانين داخل آجال محددة، وتتبع الأثر الفعلي للقوانين الصادرة ومدى استيفائها للغاية التي طرحت من أجلها، وتحيين الترسانة القانونية على ضوء تقييم مفعولها على أرض الواقع.
وبعد خمس سنوات قضاها الحزب في موقع المسؤولية الحكومية، دون أن يقدم شيئا، وعد الحزب بتفعيل مجلس المنافسة في صيغته الجديدة لتمكينه من القيام بدوره على الوجه الأكمل كضامن للمنافسة الحرة في الحقل الاقتصادي، وإقامة مؤسسات الحكامة التي تمت مراجعة إطارها القانوني وفق أحكام دستور 2011 ، وخاصة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وكذلك المؤسسات الجديدة التي تم إعداد قوانينها، وتقوية قدرات هذه المؤسسات من أجل تمكينها من الاضطلاع بدورها على أحسن وجه، وإحداث آليات مؤسساتية، من قبيل لجنة بين-وزارية، خاصة بتقييم السياسات العمومية (اقتراح السياسات موضوع التقييم وبرامج التقييم، ومدارسة التقارير، ومتابعة التوصيات، الخ.) ووكالة وطنية لإنجاز تقييم السياسات العمومية وفق المعاير المتعارف عليها دوليا.
وبخصوص محاربة الفساد، وعد الحزب في برنامجه بضمان التنزيل الأمثل للاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد بتخصيص الموارد اللازمة لها وإرساء نظام فعال للتتبع والتقييم، وترسيخ منظومة القيم لدى المغاربة بالارتكاز على مرجعياتهم الدينية والوطنية: الحرية، والمسؤولية، والنزاهة والمواطنة، إلخ، وإرساء آلية لضمان سرعة التفاعل مع شكايات المواطنين من شتى مظاهر الفساد، وخصوصا ما يتم نشره في مواقع التواصل الاجتماعي.

الحزب الحاكم يقر بفشله في محاربة البطالة ويتفادى الالتزام بخلق فرص للشغل
خلال الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر 2011، التزم حزب العدالة والتنمية في برنامجه بخفض معدل البطالة بنقطتين، كما تضمن برنامج الحزب محورا يتعلق بمحاربة البطالة والنهوض بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية، لكن في عهد الحكومة الحالية ارتفع معدل البطالة من 8,9% سنة 2011 إلى 9,7% سنة 2015، كما فقد الاقتصاد الوطني 26 ألف منصب شغل سنويا، مقابل إحداث 74 ألف منصب تتسم في غالبيتها بطابعها غير المنظم والهش، وخاصة تلك المحدثة بقطاع “البناء والأشغال العمومية” وقطاع “الخدمات”، ومنها منها فروع “الخدمات الشخصية والمنزلية”(35.000 منصب) و”التجارة بالتقسيط خارج المحل”(25.000 منصب).
وعاد الحزب ليقدم وعودا فشل في تحقيقها طيلة الخمس سنوات الأخيرة، رغم إقرار البرنامج الانتخابي للاستحقاقات المقبلة بأن النتائج التي حققتها الحكومة لم تكن في مستوى التطلعات، ووعد الحزب بتفعيل استراتيجية التشغيل وتجويد برامج إنعاش الشغل وتحسين أداء مؤسساته، وتفعيل استراتيجية التشغيل، وذلك بربطها بالاستراتيجيات القطاعية وتعزيز دور الجماعات الترابية: تفعيل اللجنة الوزارية للتشغيل كآلية لتتبع تنزيل الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، ووضع نظام معلوماتي يوفر المعلومات والتحاليل المتعلقة بالتطورات الدقيقة لسوق الشغل، ومد المرصد الوطني لسوق الشغل بالدعم الكافي ليقوم بدوره على الوجه الأكمل.
كما وعد الحزب بإيجاد الآليات اللازمة واتخاذ الإجراءات الناجعة من أجل ربط منظومة التربية والتكوين ومحو الأمية بالتشغيل، وذلك بغية الرفع من مستوى الموارد البشرية وتهيئتها للاستجابة لحاجيات سوق الشغل المتغيرة، وإيلاء أهمية قصوى للرفع من نسبة السكان النشيطين بالمغرب، والقيام بتقييم شامل لبرامج إنعاش التشغيل للتأكد من نجاعتها وإدخال التعديلات الضرورية عليها للرفع من فعاليتها أو إلغاء بعضها إذا ثبت بأنها لا تقوم بالدور المنوط بها، ومراجعة آليات الوساطة سواء تعلق الأمر بالوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات أو بمؤسسات الوساطة بالقطاع الخاص، وذلك حتى تتمكن من القيام بدورها في التقريب بين طالبي الشغل وأرباب العمل بنجاعة أكبر.
ووعد الحزب في برنامجه بتقييم أداء وفعالية الوكالة الوطنية للمقاولات الصغر ة والمتوسطة في أفق تحسين حكامتها، وتطوير آليات تدخلها لتقوم بدورها في تيسر إنشاء ونمو المقاولات الصغر ة والمتوسطة في إطار اتفاقية-برنامج مع الحكومة، كما التزم الحزب بتجويد الترسانة القانونية وتفعيلها، من خلال إدخال بعض المرونة على مدونة الشغل، وذلك في إطار مقاربة تشاركية مع الفاعلين الاجتماعيين، تصب في اتجاه حفظ الحقوق الأساسية للأجراء وتحقيق سلم اجتماعي يسهل نمو المقاولة وتحسين تنافسيتها وارتفاع معدل التشغيل، وإخراج وتفعيل القوانين المؤطرة للشغل إلى حيز الوجود وتغير وتتميم الموجود منها، خاصة منها المتعلقة بالإضراب والنقابات المهنية ومفتشي الشغل ومدونة الشغل، وتحسين وتبسيط شروط الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل، وتقوية جهاز مفتشية الشغل عبر الزيادة في عدد المفتشين، وتحسين تكوينهم وتوزيعهم على أرجاء البلاد حسب الحاجيات، حتى يتمكن هذا الجهاز من القيام بدوره كاملا في مراقبة تطبيق قوانين الشغل.

تعابير إنشائية ومشاريع متخيلة للنهوض بالاقتصاد الوطني

حدد البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية هدفا عاما، يتجلى في تطوير النموذج التنموي وفق رؤية استراتيجية شاملة ومندمجة، كما حدد الأهداف الاستراتيجية المتجسدة في توطيد الانتقال إلى مصادر جديدة للنمو وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، وتثمين الثروة البشرية وتعزيز كرامة المواطن للاستجابة لتحديات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وتكريس الحكامة الرشيدة، عبر تسريع مسار الإصلاح والرفع من قدرات الإنجاز، وتعزيز الإشعاع الدولي للمغرب.
ويضم البرنامج وعودا بتفعيل 295 تدبيرا وإجراء واقعيا، مصحوبة بمؤشرات ما أمكن ذلك، وذلك بناء على التشخيص الذي قام به الحزب للنموذج التنموي المغربي، محددا الخيارات الأساسية للنموذج التنموي، من خلال اعتماد المبادرة الخاصة الحرة، ونهج سياسة الانفتاح الاقتصادي، واضطلاع الدولة بدعم المبادرة الخاصة، وتقنين وضبط القطاعات الاقتصادية، مع سعي الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية والتنمية البشرية. كما وقف التشخيص على محدودية الخيارات الأساسية للنموذج التنموي، واستمرار وجود بارز لقطاعات يسود الريع فيها بقوة، وجهود القطاعين العام والخاص لم تكن كافية لتحسين القدرة التنافسية للمقاولات المغربية، كما ظلت القطاعات الحديثة في الصناعة والخدمات، إلى وقت قريب، الأقل استفادة من النظام التحفيزي، وتفاقمت الفوارق الاجتماعية والمجالية التي تكتسي مخاطر كبيرة على أمن البلاد وتنميتها الاقتصادية، وظل سؤال التنمية البشرية مطروحا بإلحاح رغم الجهود المبذولة.
وبخصوص الهدف الاستراتيجي الأول، المتعلق بتوطيد الانتقال إلى مصادر جديدة للنمو، وقف تشخيص حزب العدالة والتنمية على مجموعة من الإيجابيات، التي لخصها البرنامج في تحسن معدل الاستثمار، حيث تجاوز 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام منذ 2009، واحتلال المغرب للمرتبة الثالثة إفريقيا على قائمة أكبر المقاولات العالمية، وإقلاع العديد من القطاعات الصناعية، مثل قطاع صناعة السيارات الذي تحول لأول قطاع مصدر على المستوى الوطني. أما السلبيات فقد حددها البرنامج في عدم تجاوز معدل النمو لعتبة الإقلاع أي 7 في المائة (4,2 في المائة كمتوسط خلال الفترة 2008 – 2015)، وتجاوز العجز التجاري الهيكلي لنسبة 20 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وبروز قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، لكن حجمها لا زال ضعيفا في الاقتصاد ككل، وعدم تجاوز مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام لنسبة 16 في المائة.
ومن بين الوعود التي قدمها البرنامج، تحرير الإنتاج والمقاولة من القيود، وخاصة الريع وعدم تكافؤ الفرص والممارسات المخلة بالمنافسة واستغلال النفوذ، وغيرها من مظاهر الفساد، ومواصلة ورش تحسين مناخ الأعمال والاستثمار في إطار تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتنزيل إصلاح القانون البنكي الذي نص على إحداث تمويلات بديلة، بهدف تعبئة المزيد من المدخرات ووضع آليات تمويل جديدة رهن إشارة الاقتصاد، واعتماد استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة لتعبئة العقار لفائدة المشاريع الاستثمارية، بما يسمح باستباق الحاجيات العقارية لهذه المشاريع والحد بالتالي من ظاهرة ارتفاع أسعار العقار في المناطق ذات الجاذبية، وإعادة مراجعة نظام التحفيزات الضريبية المخصصة للقطاعات الاقتصادية لإعادة توجيهها نحو الأنشطة ذات الإنتاجية المرتفعة والمحدثة لمناصب الشغل ذات الجودة العالية وذات تأثير أكبر على الأنشطة الاقتصادية الأخرى، مع تعزيز آليات دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة المبتكرة، وتنمية التكوين المستمر من خلال تحسين نجاعة نمط تمويل وتنفيذ برامج هذا التكوين وزيادة أعداد المأجورين والمقاولات المستفيدة من هذه البرامج، واعتماد وتفعيل استراتيجية وطنية لتشجيع اندماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي الوطني بشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع استثمار الفرص التي توفرها أسواق «المنتجات الحلال» والمنتجات الأصيلة في العالم.

جمع الزكاة وفرض ضرائب جديدة لمحاربة الفقر

قدم برنامج حزب العدالة والتنمية مجموعة من الوعود لمحاربة الفقر، رغم إقرار الحزب باستمرار ارتفاع نسبة كل أشكال الفقر والتهميش، وخاصة بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال المشردين والنساء والرجال المسنين الفقراء. ورغم أن البرنامج تحدث عن ضرورة البحث عن موارد إضافية لمواجهة هذه الإشكاليات بشكل أنجع، سيما في المجال القروي والمناطق المعزولة، فإنه لم يقدم حلولا ملموسة وواقعية قابلة للتحقق على أرض الواقع، ما عدا تكرار الوعود نفسها التي قدمها الحزب خلال ولايته الحكومية الحالية، حيث التزم، في برنامجه الانتخابي لسنة 2011، بتقليص معدل الفقر بالنصف، ورفع معدل الدخل الفردي بـ40 في المائة في الخمس سنوات الأخيرة، لكن لا شيء من كل ذلك تحقق.
والتزم الحزب، في برنامجه، بالحد من الفوارق المهولة في الدخل ومحاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، وتمويل السياسات الهادفة إلى محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، واللجوء إلى التمويل التشاركي الاجتماعي، من خلال تفعيل صندوق الزكاة أو تشجيع تحبيس الأوقاف، مع إمكانية سن رسم إضافي خاص، لمواجهة الظواهر الاجتماعية التي لا تقبل الانتظار، بما في ذلك الأطفال المشردون والأطفال والمسنون المتخلى عنهم والأشخاص الذين يعانون من إعاقة عميقة، وتشجيع وتيسير تعبئة المساعدات الدولية والمساهمات الوطنية من طرف الجماعات الترابية ومنظمات المجتمع المدني، سواء كانت نقدا أو على شكل تجهيزات، أو مواد تصلح لتحقيق الأهداف المرجوة، وعقد شراكات بين الدولة والقطاع الخاص وجمعيات المجتمع المدني لإنجاز برامج بتمويل مشترك، ما يسمح للمقاولات المواطنة بالإسهام في تحقيق عدالة اجتماعية يكون لها أثر على تماسك المجتمع واستقراره، وبالتالي على المناخ العام للاستثمار.
ويقترح الحزب، كذلك، المراجعة الشاملة لحكامة منظومة الدعم الاجتماعي (المؤسسات، النظم الإعلامية، آليات الدعم والاستهداف، طرق التوزيع، المراقبة…)، وتنظيم نقاش وطني موسع حول السياسات والبرامج الاجتماعية يهدف، في إطار توافقي، إلى بلورة عقد اجتماعي يحدد معالم السياسات الاجتماعية وأهدافها ووسائلها، وسبل توفر التناسق والالتقائية بين مختلف السياسات والوزارات والمؤسسات المكلفة بإنجاز البرامج والمشاريع المقررة، مع إحداث منظومة لليقظة الاجتماعية يعهد إليها رصد وتتبع وتقييم وتصنيف الظواهر الاجتماعية، وإنتاج سياسة استباقية لمعالجة الإشكاليات بمجرد ظهورها، بدل انتظار استفحال الظواهر الاجتماعية قبل التدخل لمعالجتها، ناهيك عن وضع نظام لرصد الفئات الفقيرة والهشة، واعتماد قاعدة معطيات موحدة خاصة بهذه الفئات، وذلك بهدف ضمان استهدافها بشكل أكثر عدلا وفعالية.

وعود فضفاضة لإصلاح التعليم بعد فشل تحقيق الوعود السابقة

بخصوص التربية والتكوين، عاد حزب العدالة والتنمية لتقديم نفس الوعود التي قدمها في برنامجه الانتخابي لسنة 2011، معتبرا أن هذا الورش يبقى على رأس الرهانات الاستراتيجية المحددة لتنمية بلادنا، وأشار إلى أن المغرب يتوفر على رؤية استراتيجية متوافق بشأنها، ينبغي توفر شروط تنزيلها وإنجاحها، وأقر البرنامج بمجموعة من السلبيات التي أثبتت عجز الحكومة الحالية في النهوض بالقطاع، ومن بين هذه السلبيات الواردة في البرنامج، استمرار ارتفاع نسبة الأمية بنسبة 32 في المائة، وتصنيف اليونيسكو لنظام التعليم المغربي من بين 21 الأضعف في العالم، وتسجيل نسبة البطالة 20,8 في المائة ضمن صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و 24 سنة، وشاب من أصل 7 يحصل على البكالوريا، و78 في المائة من تلاميذ الابتدائي لا يفهمون الدروس الملقنة ويشكون من صعوبات في القراءة والكتابة. وسبق للحزب أن التزم في برنامجه الانتخابي لسنة 2011، بتقليص نسبة الأمية العامة إلى 20 في المائة في أفق 2016، و10 في المائة سنة 2020، والقضاء على أمية الفئة العمرية 15 ـ 24 سنة في أفق 2015، مع اعتماد برنامج خاص للتركيز على الأطفال الذي غادروا المدرسة و الذين مازالوا في سن التمدرس لإعطائهم فرصة ثانية.
ويقدم البرنامج مجموعة من الوعود التي سبق أن قدمها في برنامجه الانتخابي لسنة 2011، وفشل الحزب في تحقيقها أثناء قيادته للحكومة الحالية، ومنها إخراج القانون-الإطار للتربية والتكوين والبحث العلمي، اعتماد نظام فعال لقيادة المنظومة يستند إلى مرجعية وطنية للجودة وتفعيل اللجنة الوزارية الدائمة للتربية والتكوين، وإرساء التعاقد على مستوى الأكاديميات والمؤسسات كآليه للتدبر الناجع، مع منح استقلالية أكبر لمؤسسات التربية والتكوين، وإصلاح المناهج والبرامج، من خلال إرساء الإطار الوطني للإشهاد، وتأسيس وتفعيل اللجنة الدائمة للبرامج تقوم بمراجعة المناهج والبرامج والكتب المدرسية وفق إطار مرجعي واضح، وتفعيل الهندسة اللغوية الرامية إلى إتقان اللغة العربية والتواصل بالأمازيغية والتمكن من لغتين أجنبيتين وإرساء التناوب اللغوي في بعض المواد.
وفي جانب تأهيل وتدبير الموارد البشرية، وعد حزب العدالة والتنمية في برنامجه إرساء أطر مرجعية للمهام والكفايات لمختلف الفاعلين في المنظومة، وإعادة النظر في نظام التكوين الأساس في اتجاه ضمان المهننة والارتقاء بجودة التأهيل لممارسة جميع مهن التربية والتكوين والبحث، مع وضع وتنفيذ مخططات للتكوين المستمر تستجيب لحاجات التنمية المهنية لمختلف الفاعلين في المنظومة، ووضع نظام للتدبر الناجع للمسار المهني لمختلف الفاعلين في المنظومة، يقوم على المواكبة والتقييم، ويهدف إلى ربط الترقية المهنية بالاستحقاق.
كما وعد الحزب الحكام، بإصلاح التعليم الخاص، من خلال تطوير إطار التعاقد والشراكة مع الدولة، وتطبيق التدابر التنظيمية الخاصة، بالترخيص وضمان معاير الجودة والضبط والمراقبة والتقييم، والاعتماد والاعتراف بالشهادات، والتعميم التدريجي للتعليم الأولي واستثمار رصيد الكتاتيب القرآنية، واعتماد وتفعيل بيداغوجيات تتمحور حول المتعلم وتواكب المستجدات والتطورات التي تعرفها وسائط التدريس والتعلم، وخاصة عبر إدماج تكنولوجيا الاعلام والاتصال، وإرساء المشروع المندمج للمؤسسة الذي يمكن من تطوير وتنمية المؤسسة التعليمية بكل مكوناتها من خلال مقاربة تشاركية تمكن جميع الأطراف المعنية من بلورة رؤية المؤسسة ومخططها الاستراتيجي والمشاركة في تنفيذهما، وتعميم قاعات للمدارسة وفضاءات لغوية، وذلك من أجل تنمية قدرات المتعلمين وتحفيزهم على تعلم اللغات خلال فترات الاستراحة، ووضع مسار المشروع الشخصي والمهني على مستوى الإعدادي والثانوي بهدف تكوين الشباب على التفكر الموجه حول انشغالاتهم المهنية، وتأهيل فضاء التعلم وتعزيز البنية التحتية من خلال إنجاز عملية تأهيل وإصلاح واسعة لتوفر إطار ملائم للتعلم لفائدة المتعلمين والأساتذة، وإحداث مؤسسات جديدة في الجهات التي تعاني من الخصاص.
كما قدم الحزب وعودا بتشجيع المبادرات الهادفة إلى توفر النقل المدرسي في الجماعات المنعزلة ودعم تدبر لامركزي نموذجي لهذه الخدمة بمشاركة المستفيدين، وتمكين الأسرة المعوزة من الدعم الاجتماعي لمساعدتها على تعليم أبنائها، وذلك عبر تعزيز برنامج “تيسير” ورفع الغلاف المالي المرصود له، ومحاربة الهدر والانقطاع المدرسي من خلال إنتاج صيغ جديدة للدعم التربوي مع جعله واجبا من واجبات المدرس وحقا من حقوق المتعلم، وتمكين العالم القروي من شبكة مدارس القرب والمدارس الجماعاتية، في إطار شراكات بين الدولة والجماعات الترابية والجهات، ودعم تمكين أبناء المغاربة المقيمين بالخارج من تعليم مواز في الخارج، يضطلع بمهمة تعليمهم اللغتين العربية والأمازيغية ومبادئ الدين الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى