الرئيسيةالقانونية

الإجهاض والحريات الفردية في ضوء التجارب المقارنة

فتيحة شتاتو : محامية بهيئة الرباط
إن النقاش العمومي الذي يعرفه المغرب في الآونة الأخيرة حول موضوع حق النساء في الإجهاض الآمن، أو الإيقاف الإرادي للحمل، لا يمكن فصله عن نقاش أشمل يتعلق أساسا بالحريات الفردية، كما لا يمكن عزله عن سياقه الدولي، باعتبار المغرب من الدول التي صادقت على الاتفاقيات الدولية بشكل طوعي، والتزمت بالعمل على تنفيذها، بل وأقرت مبدأ سموها على التشريع الداخلي، وهو ما يعكس أهمية مناقشة موضوع الحق في الإجهاض من وجهة نظر بعض مقارنة، سواء من خلال بعض التشريعات الأجنبية (أولا)، أو الاتفاقيات الدولية (ثانيا).

أولا- التشريعات المقارنة من إباحة الإجهاض إلى تجريم المنع من الإجهاض
في الوقت الراهن أصبحت غالبية التشريعات المقارنة تسمح بالإجهاض، وإن كان ذلك بشكل متفاوت، حيث ترفقه ببعض الشروط التي تضمن سلامة الجنين وحقه في الحياة إذا ما اقترب اكتمال نموه، مع ضرورة احترام عدد محدد من الاستشارات الطبية، وإلزامية إجراء عملية الإجهاض أمام أطباء مختصين.
وهكذا فممارسة الإجهاض مقيدة في الزمان بشروط تتباين بحسب التشريعات المختلفة، فإذا كانت بلدان معينة لا تقيدها ككندا مثلا، نجد بلدانا أخرى تقيدها، مثل فرنسا التي تجيز إجراء عملية الإجهاض قبل نهاية الأسبوع الثاني عشر من تاريخ الحمل، مع ضرورة احترام عدد معين من الزيارات والاستشارات الطبية، ونشير في هذا السياق إلى أن القانون الفرنسي يقر الحق في الإجهاض ضمن مدونته الصحية، بل يعاقب على محاولة منع الإجهاض بمقتضى تعديل أدخله سنة 1993، سواء من خلال عرقلة الدخول إلى المؤسسات الصحية، أو تهديد العاملين فيها والنساء الحوامل، وتصل العقوبة إلى سنتين حبسا، وغرامة مالية قد تصل قيمتها إلى 30 ألف أورو.
ومنذ سنة 2017، قد تم تعزيز المقتضيات التي تعاقب على محاولة منع الإجهاض، حيث تم إضافة مقتضى يوسع من حالات العرقلة، لتشمل كل الوسائل بما فيها نشر أو توزيع عبر البريد الإلكتروني، أو على مواقع الإنترنت ادعاءات أو توجهات تتعمد التضليل بهدف الردع بشأن الطبيعة أو التبعات الطبية للإجهاض، وتخويف النساء من جراء ممارستهن للإجهاض. وفي السياق ذاته نجد أن القضاء الفرنسي بدوره يكرس الطابع الحمائي لحق النساء في ممارستهن للإجهاض، من خلال التنزيل الفعلي للمقتضيات القانونية المنظمة له، ففي قرار صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 1 شتنبر 2015، ملف عدد 14 -87441، حيث اعتبرت أن «تقديم معلومات هدفها منع النساء من الإجهاض وتخويفهن داخل المصحة هو بمثابة منع لحقهن في ممارسته، ومن ثم إقرار المتابعة الجنائية».

ثانيا: الاتفاقيات الدولية.. الإجهاض الآمن وحق المرأة في اتخاذ القرارات المتعلقة بجسدها
إن حق المرأة في اتخاذ القرارات المتعلقة بجسدها، وخاصة في موضوع الإجهاض منصوص عليه في عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي تكفل حرية اتخاذ قرار الإجهاض من عدمه، مع ضرورة احترام بعض الضوابط الصحية، إلى جانب الحق في الإجهاض، نجدها تشتمل بشكل أوسع حماية الحق في السلامة الجسدية، والحق في أن تقرر النساء بحرية ومسؤولية عدد أطفالهن، والفترات الفاصلة بين الحمل، والحق في الخصوصية.
وهكذا ينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في الفصل 17 منه على ضرورة احترام الحق في الخصوصية «لا يجوز تعويض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته».
وتقر اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في المادة 16 منها: حق المرأة في تحديد عدد الأطفال التي تريد، والمدة الفاصلة بين إنجابهن. وتنص على أن «….لها أن تقرر بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف، والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق..».
وفي السياق ذاته، سارت الاتفاقية الأوربية بشأن حقوق الإنسان في اتجاه تكريس حرية الفرد في ممارسة حرياته الشخصية دون أي قيد أو ضغط.
وبالعودة إلى المادة 8 من الاتفاقية نجدها تنص على أنه «لكل شخص الحق في احترام حياته الخاصة والعائلية وحرمة منزله ومراسلاته».
في السياق نفسه نص إعلان ومنهاج عمل مؤتمر بكين صراحة على أن قرار المرأة في حملها يشكل أساسا جوهريا للتمتع بكافة الحقوق الأخرى، وأكد على الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة في المجال الجنسي والإنجابي، وأكد في الفقرة 97 منه على تمكين النساء من التحكم في خصوصيتهن.
كما نص في الفقرة 223 منه على حق كل شخص في التمتع بأكبر قدر ممكن من الصحة الإنجابية والجنسية، وفي اتخاذ قرارات في ميدان الإنجاب دون أن يكون موضوع تمييز أو إكراه أو عنف.
كما ألزم برنامج العمل كل الدول بمراجعة كل القوانين المجرمة للنساء اللواتي يلجأن إلى الإجهاض قصد التخلص من حمل غير مرغوب فيه.
من جهته، أوصى الاتحاد الإفريقي بتمكين النساء من الإجهاض الطبي في حالة الاعتداءات الجنسية كالاغتصاب، وكذا حين يشكل الحمل خطرا على صحة الأم البيولوجية أو العقلية وخطرا على حياتها.
وأخيرا، يتبين أن المعايير الدولية أجمعت كلها على أن الإجهاض الآمن هو تكريس فعلي لحق المرأة في الحياة والحماية المتساوية والحرية الشخصية والمساواة في نطاق الأسرة والتمتع بأعلى المستويات الممكنة من الصحة النفسية والجسدية، كمداخل دنيا لا مناص منها لمحاربة كافة أشكال التمييز ومناهضة جميع أنواع العنف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى