الرأي

الإفك المبين في تغير موقف الإسرائيليين

من الملاحظات المهمة في هذا الصدد أن أفيجدور ليبرمان نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الحالي الذي يعد أحد رموز الإرهاب في إسرائيل امتدح في تصريح أخير العلاقة الاستراتيجية الناجحة بين إسرائيل ومصر.
إذ اعتبرها أهم حليف لبلاده في المنطقة.
وهو ذاته الذي صرح في عام 2009 بأن مصر أخطر على إسرائيل من إيران.
أسوأ من ذلك أنه دعا إلى قصف السد العالي وإغراق مصر، وكان ــ ولايزال ــ يسخر من عملية السلام (الصحفي أوري أفنيري اعتبر أن ضمه إلى حكومة نتنياهو عمل جنوني وانتحاري ــ هاآرتس 25/ 5/ 2016).
هذا التباين في موقف الرجل إزاء مصر قد يراه البعض تطورا «إيجابيا»، لكنني أزعم أن دلالاته أكبر وأعمق من ذلك التبسيط المخل والساذج. إذ لا يمكن لعاقل حتى في داخل إسرائيل ذاتها وبين عناصر اليمين هناك أن يخطر على باله احتمال أن يكون الرجل قد تغير.
لكن الذي تغير حقا هو الدور المصري. فحين تحدث ليبرمان عن ضرب السد العالي فإنه كان يرى مصر الكبيرة التي لا سبيل إلى التعامل معها وكسر كبريائها إلا بمثل ذلك الأسلوب.
لكن مصر بدت له على صورة أخرى في السنوات الأخيرة، إذ يراها صغيرة تستحق التعاطف والمهادنة وليس القصف والإغراق.
كما أنه رأى تأثير ذلك على أنظمة العالم العربي التي اقتنعت بأن عدوها الاستراتيجي بات إيران وليس إسرائيل.
وهو ما يؤيد ما سبق أن قلته من أن المتغير الحقيقي في المشهد كان الطرف المصري والعربى، في حين أن إسرائيل لم تتراجع خطوة واحدة إلى الوراء سواء في مخططات التوسع والاستيطان التي ترتفع مؤشراتها حينا بعد حين، أو في الإصرار على قمع الفلسطينيين وإذلالهم.
من أغرب ما روج له المطبعون الادعاء بأن إسرائيل تخطط لبناء شرق أوسط جديد تحتل فيه دورا مركزيا،
ولا ينبغي على مصر أن تقف متفرجة إزاء ذلك.
فذلك مستوى آخر من التدليس والتغليط يعظم من الدور الإسرائيلي ويلغي على نحو مدهش العالم العربي والإسلامى.
حيث لا يرى فيها سوى أنظمة منبطحة وشعوب عاجزة. وهم يتخذون لحظة الانفراط والانكسار الحالية من جانب الأنظمة لكي يبنوا عليها رؤية للمستقبل. غير مدركين أن تلك لحظة عابرة في التاريخ، اسهم الانكسار والانكفاء المصري بدور أساسي في إطلاقها.
في حين أن هذه ليست مصر الحقيقية. وأن الفوضى التي ضربت العالم العربي لا تعبر عن حقيقة الشعوب العربية. فضلا عن توتر العلاقات مع إيران أو مخاصمة تركيا ليس أبديا، ولكنه سحابة صيف لا تلبث أن تزول.
هم أيضا يسوغون الانبطاح بدعوى أنه بعد سبعين سنة من الخصام. فإن إسرائيل ازدادت تمكينا وقوة.
بالمقابل فلا المقاطعة أفلحت ولا فلسطين تحررت ولا العالم العربي استفاق ونهض.
وردي على ذلك أن الفشل ــ إذا صح ــ فإنه يحسب على الأنظمة وليس على الشعوب.
وأنه يعالج باستعادة صوت الشعوب ودورها وليس التسليم للعدو.
كما يكون بالسعي للملمة الصف العربي والإسلامي وليس تجاهله والارتماء في أحضان العدو.
وإذا تذكرنا أن الاحتلال هو الموضوع الرئيسي الذي لا يسقط بالتقادم. فلا حل له سوى المقاومة بأشكالها المختلفة.
الأمر الذي يعني أن التطبيع يظل غطاء للهزيمة الشاملة وإشهارا للانبطاح والإفلاس.
وإذا طال به الأجل، فنحن مسئولون عن الالتزام بالموقف الشريف ولسنا مسئولين عن نتائجه.
ولست أنسى في هذا الصدد ما سمعته من الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش بعدما وقع على اتفاق «دايتون» لإنهاء الحرب بين بلاده وصربيا (عام 1995) حين قال:
بوسع أي قائد أن يعقد ما شاء من اتفاقات لإقرار السلام.
ولكن يحظر عليه أن يتنازل عن حقه الأساسي، فربما استطاعت الأجيال اللاحقة أن تستعيد ذلك الحق. إذ بوسعه أن يتعامل مع الحاضر قدر استطاعته. لكنه لا يملك الحق في مصادرة المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى