الرئيسية

الانتخابات والأمية

سبق للرئيس الامريكي الاسبق جون كنيدي ان قال :”جهل ناخب واحدفي نظام ديموقراطي يضر بأمن الوطن كله”.قياسا على هذا المنطق الصريح الذي قال به كينيدي ،هل تصلح الديموقراطية لبلدان تتجاوز فيها نسبةالامية أكثر من 60٪من مجموع المواطنين ؟،ولماذا تم تصدير الديموقراطية الغربية الينا إذا كان جهل ناخب واحد يضر بأمن الوطن كله؟،ولماذا نطالب نحن كشعب وكنخبة بالديموقراطية وكلنا نعلم اننا نفتقد لأي من المقومات التي تكفل الحد الادنى لإنجاحها؟..
يعلم الجميع ان الدول الديموقراطية المتقدمة مثل اوروبا وأمريكا لم تتقدم الا بالاعتماد على أنظمة التصويت في الانتخابات التي تحصر هذا الحق بالمتعلمين لوضع السلطة ومستقبل البلد في ايد واعية ومؤهلة ومدججة بمعارف عصرنا ، هذا في وقت تجد فيه الاحزاب الرجعية الانتهازية المتخلفة في البلدان العربية كافة تعترض على اية إشارة لهذا التحديد –حصر التصويت بالمتعلمين-لأنها تعتمد اساسا على اصوات الاميين وغير المتعلمين الذين يشكلون صمام الامان لفسادها وبقائها مدى الحياة على كراسي المسؤولية، مما يجعلنا دائما نتوقع ان النتائج في كل محطة انتخابية محلية كانت او برلمانية سوف لن تأتي بالجديد ،وان الخارطة السياسية لمرحلة ما بعد تلك الانتخابات، تكون دائما طبق الاصل لسابقتها مخيبة للآمال. وفي بلدنا المغرب يجمع كل مرة البرلمان،على حق كافة المواطنين في الترشح لعضوية مختلف «المؤسسات المنتخبة»بحجة أنه حق من حقوق الانسان .ومع تسليمنا بكونية هذا المبدأ ،فتجربة بلدنا كما تتبعناها كل مرة تؤكد أنه حق أريد به باطل،إذ لايملك الأمي مؤهلات تطوير المشاريع والبرامج والمراقبة..كما أنه غير مستقل القرار ،وقد يسير بالبلاد نحو المجهول .
يعرف الجميع ان الديموقراطية قد تسير على هدى وقد تنجرف وهذا شيء طبيعي.. الديموقراطية متوفرة لدى الجميع من البشر،فيهم من يحسن استخدامها وفيهم من يُسيء وهذا شيء طبيعي ايضا.. الكرة الآن هي متوافرة في كل مكان ولكن هناك شعوب تحسن استخدامها، وشعوب تصرف وتبذل كل ما لديها وهي بعيدة عن الفوز والصدارة حتى كتب لها ان تتخلف في كل شيء..إن الديموقراطية عند الشعوب المتخلفة أو شبه المتخلفة كالشباك التي تُلقى في البحر يلتهم انواعا من الاسماك الجيدة والرديئة – وقد يبتعد الواعون ويقبل على الانتخاب جهلة واميون وانتهازيون وتكون لهم الغلبة .. وهذا مايجري دائما في بلدنا ،ولاغرابة ان ترى في المجالس النيابية أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يعرف علو الورقة من أسفلها، وماذا نتوخى من اناس جهال امثال هؤلاء؟، وكيف سيدافعون عن قضايا الناس وهم شتان بينهم وبين العلم والثقافة؟.. إن الفعل «الانتخابي» في وضع كهذا الذي سيطر عليه الاميون والجهال والانتهازيون أحد أهم أسباب الإخفاق في تحقيق تطوير سياسي مهم، وأحد أسباب دوران المجتمع في حلقة مفرغة . وعلى الرغم من عمق المأزق السياسي الذي تشهده البلاد بسبب سيطرة الاميين ومعهم رجالات ثقافة الانتهازية اصحاب المال والمصالح الخاصة ، فإن الجماعات السياسية الفاعلة انتخابيا ليس لديها ما تقدمه في التعامل مع هذا المأزق سوى طرح انتخابي متكرر يشتد حينا، ويخفت أحيانا، مراعاة لتوجهات القاعدة الانتخابية الامية وميولها الغوغائية اللحظية.فأغلب الاحزاب في البلد تتشبث بحقوق الانسان لأنها تفتقر الى الأطرالمتعلمة والمثقفة لترشحها في الإستحقاقات ،لأن فئات عريضة وخاصة الفئات الوسطى قطعت مع الاحزاب وزعاماتها لإنحرافها عن الخيار الديموقراطي وانشغالها بالريع..أحزاب تلهث وراء الاعيان الوسخين وأصحاب المال الأميين ليمثلوها في «المؤسسات المنتخبة»لإمتلاكهم ليس برامج تنموية بل ثروات مشبوهة تمكنهم من شراء الذمم في حفلات الزرود والهرج والمرج .
نعم نعرف ان للغربيين مستواهم ولهم ان يعملوا بمقتضاه ويؤمنوا بمعطياته ، ولنا مستوانا وظروفنا وعلينا ان نتحرك ونخطط ونبني بموجبها، لكننا علينا ان نعلم ان التغيير لن يتأتى لنا في مثل هذه الظروف والشروط التي يسود فيها الجهالة لأن الجهل أقوى من مائة فتنة كما يقال. فالقصة هنا هي قصة «الجهل» الذي هوبيت الداء، فهو الذي جعلنا نقف ونلف حول انفسنا بينما الدنيا كلها تسير بل تعدو ،فالجاهل يفعل بشعبه ما لايفعله الأعداء ببعضهم البعض وخاصة في الانتخابات برلمانية كانت او محلية .وربما هذا مادفع جون كنيدي ليدق ناقوس الخطر في مقولته عن خطر جهل ناخب واحدعلى أمن الوطن فما بالك بمجتمع سمته الجهالة والامية والغوغائية.ففي كل مرة نحن نصاب بخيبة أمل كبيرة حين ننتظر ما سيكون عليه خيار هذا الناخب الأمي الجاهل الذي لايأتي صوته الابأسوأ الحالات عبر صناديق الإقتراع. وفي كل مرة تفرز صناديق الإقتراع أميين جهلة ومثيري الفتن والغوغائيين والفئويين الذين يصدق عليهم قول الآية الكريمة :(وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله آنى يؤفكون).
لقد تبين لنا اكثر من مرة ان الدول التي لاتسعى الى حصر نظام التصويت ليكون وقفا على المتعلمين يسعون الى إعادة ترسيخ الجهل وتسويق الفشل وإعادة انتاج الفاشلين الى حد انك تعتقد ان المطلوب في هذه الدول هوالفشل وتكريس التخلف والجهل وجعل تواضع المستوى التعليمي هو القاعدة وليس استثناء كما هو حاصل في الكثير من البلدان التي تستعين بفلاحين وحرفيين في برلماناتها، وهو الذي يجعلنا نخاف على أن يكون ما نعانيه من تحجّر في الأفكار وعداء للمتعلمين وخاصة أصحاب المثل والمبادىءهو حالة مرضية مزمنة لا أمل في الشفاء منها.. واذا كانت نسبة الأمية عالية في بلدنا، والنجوع الريفية على وجه الخصوص، فهذا ليس ذنب هؤلاء الناس البسطاء الكادحين والذين منهم اباؤنا طبعا، وانما ذنب الحكومات المتعاقبة على حكم البلد منذ الاستقلال الى اليوم ، حكومات اهملت هؤلاء وتعليمهم، وحصرت التنمية الاجتماعية والثقافية في المدن الكبرى المركزية فقط .
تراجعنا الى الوراء خطوة بعد خطوة . وكلما اتسع زحف الاميين ورجال المقاولات اصحاب الاجندات الخاصة ورجال ثقافة الانتهازية التي تسمى في القرآن بالنفاق تراجعنا الى الوراء نافضين عن انفسنا ما كان في اذهاننا من إمكانية الاصلاح والتغيير. ولايعني كلامي هذا ان المتعلمين كلهم ملائكة وغيرهم شياطين، فقد تدافع منظفة أو فلاح أمي عن الامة ولايفعل من له عشرات الشهادات ، فالقراءة هي دائما تربية وتعليم والكارثة هي ان نفقد الإثنين معا..ونخشى أن يكون هذا ماحدث عندنا بالفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى