شوف تشوف

الرئيسيةبانوراما

الحقيقة الخفية لـ«سيريزا» اليوناني

إعداد: سهيلة التاور
مهما كانت نتائج الانتخابات، لا شيء سيرجع كما كان في السابق. حزب ألكسيس تسيبراس لا يزال مكسورا. الانقسام الداخلي بات متأججا منذ فترة طويلة ونجمت عنه وقائع من خيبة أمل واضحة وإفصاح عن تفرقة علنية.
انتزع ألكسيس تسيبراس تصويت البرلمان اليوناني على المقترحات التي قدمها للاتحاد الأوروبي حيث صوت لصالحها 251 نائبا من أصل 300، ولكن الصورة الحقيقية أكثر تعقيدا بكثير من هذه النسبة البسيطة.
في بداية السنة نجحوا سويا، هنأ بعضهم البعض أمام عدسات الكاميرات، وتبادلوا وعود الوفاء والتضامن الأبديين. لكن في وقت لاحق، بعد سبعة أشهر وعشية انتهاء المهلة المحددة للانتخابات غير المؤكدة، الكل تفرق وتمزقت الروابط. البعض تبع سيريزا، الآخرون، أي ما يعادل عشرين نائبا وبعض النشطاء انزاحوا للمعارضة، وسموا بالوحدة الشعبية، مع إشارة صريحة إلى التحالف مع سلفادور ألوندي. فعلى غرار أبطال فيلم Ettore Scolaالثلاثة المشهورين، الكل يمكن أن يعدل ويصلح بمجرد استحضار النوستالجيا. لكن الحقيقة غير ذلك إذا كان الإعلان عن الانفصال لم ينطق به رسميا إلا عند منتصف شهر يوليوز، بعد اعتماده من قبل أغلبية متنافرة من البرلمان التي تتبنى خطة مساعدات جديدة من 86 مليار يورو، فقد تزامن ذلك هذه المرة مع معارضة جذرية، وسوء الفهم هذا استمر لأسابيع، أو لأشهر، بل كان هذا منذ البداية.

كذبة منذ البداية
في بداية شتنبر، أمام جمع غفير من الصحافيين اليونانيين والأجانب، يتحدث الستيني صاحب مبدأ التقشف بنبرة صوت خافتة ورتيبة. لكن ما يقوله باناجيوتي لافازاني عن حزبه القديم يتلخص في تصريح له يقول فيه «حاليا هناك في اليونان أربعة أحزاب، بما فيها سيريزا، التي تعتمد في تقرير برامجها على المشرفين الذين يتفقون مع تطبيق سياسة إجرامية ومدمرة لبلادنا. ونعد الوحيدين الذين يستنكرون هذا النموذج الجديد للاستعمار». كلمات جارحة في حق صديقه القديم الرئيس الأول السابق ألكسيس تسيبراس. فمن العجيب أن صاحب الدراسات الرياضية هذا في سن 63 يشعر بخيبة أمل كبيرة عن تحالفه مع تسيبراس. لأن هذا الأخير قضي فترة تناهز 23 عاما، وخلالها عرفوا كل التشنجات التي مرت بها التحالفات التي تشكلت حول حركة سيناسبيسموس الذي التحق به سنة 1992 بعد مغادرته للحزب الشيوعي اليوناني، إلى أن تشكل الحزب الموحد سنة 2013. الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي والذي هيأ الوضع اليساري، لافازاني وزير الطاقة والإنعاش الإنتاجي وافق على المشاركة في الحكومة التي جرت في يناير بعد انتخابات النصر، واحد من المهمين، المقربين أو الحلفاء لأربع سكريتاريات بالدولة. فكانت فترة التآلف والانسجام والاعتراف. وهو كل ما كان يتمناه يسار اليسار الأوربي من المسيرين ليطبقوه على مستوى العاصمة اليونانية. وهو لا يعارض فكرة خروج اليونان من منطقة اليورو. إلا أن يانيس فاروفاكيس، الذي تموضع على رأس وزارة المالية، يكشف بكل شجاعة سخافة سياسة التقشف التي يريدون أن يطبقونها في البلاد. تناوب يبدو لا رجعة فيه، وكثيرون هم الذين يراهنون على أن هذا من شأنه تعزيز المعارضة الراديكالية في إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، وربما حتى فرنسا… فعلى أي حال، لا أحد يشك في عزيمة وقدرات ألكسيس تسيبراس في جعل هذا التقسيم والقطيعة في تناغم.
ورغم أن يانيس أعرب عن خيبة أمل واضحة من الحزب اليساري الذي كان يأمل أن يغير الوضع، فإنه فوجئ بمدى التنازلات التي خضع لها، لأنه كان يظن منذ زمن أن سيريزا يتواطأ مع زعماء من منطقة اليورو.
فالانفصال الذي تم في يوليوز ساعد بعض الأفواه أن تقهر الوزير السابق ببعض النعوت المشينة من قبيل السياسي الفاشل. حيث أن معظم الناس في هذه الدائرة مسلمون بأن ألكسيس وأصدقاؤه قد قرروا إدارة ظهرهم لفكرة القطيعة مع أوروبا الليبرالية وسلك طريق التواطؤ.

الانتخابات الأخيرة
سبعة عشر نائبا من حزب «سيريزا»، حزب رئيس الحكومة تسيبراس لم يصوتوا لصالح الخطة التي قدمها إلى بروكسل، حيث صوت اثنان ضدها، وامتنع ثمانية عن التصويت، وغاب سبعة نواب عن العملية بمن فيهم وزير المالية المستقيل يانيس فاروفاكيس، وتذهب الأمور إلى أبعد من ذلك مع تصريح وزير الطاقة والإنعاش الإنتاجي بانايوتيس لافازاني الذي قال «لا أستطيع أن أدعم خطة جديدة لإجراءات الليبرالية الجديدة والخصخصة والتي ستؤدي لتفاقم الركود»، مما يعني أن رئيس الحكومة سيكون مجبرا فور عودته من بروكسل بعد المفاوضات على القيام بتعديل وزاري قد يتفاوت من حيث الحجم، بل ويتحدث البعض عن تعديلات سياسية على مدى أوسع تمس القوى المشكلة لحزب «سيريزا»، ويمكن أن تؤدي لخلق تحالفات جديدة داخل البرلمان.
يروج الأوروبيون لمقولة استسلام اليونان لمطالب بروكسل، ويؤكدون أن مقترحات تسيبراس قريبة للغاية من المطالب الأوروبية، وهي مقولات ليست عارية من الصحة، ذلك أن أثينا تمسكت ببعض شروطها البسيطة بشأن ضريبة المبيعات على المنتجات الأساسية والاستمرار في دعم المناطق والجزر الأكثر فقرا ورواتب التقاعد المنخفضة، ولكن تسيبراس وافق في خطته على المحاور الأساسية لما يطلبه الدائنون، وحدد مطالبه الأساسية في إعادة جدولة الدين اليوناني وإطلاق خطة الاستثمار الأوربية في اليونان، وغداة تصويت البرلمان لصالح خطة تسيبراس أكد مصدر حكومي يوناني أنه لا ينبغي أن يبيع الأوربيون جلد الدب قبل قتله، فالنتيجة النهائية تعتمد على ما ستحصل عليه أثينا مقابل هذه الخطة.

ألكسيس وخطة التواطؤ
وإذا كان رئيس الحكومة اليونانية قد رفض، دوما، طرح احتمال خروج بلاده من نظام اليورو قائلا «إن انتصارنا في الانتخابات لا يعني أن اليونانيين منحونا تفويضا للخروج من منطقة اليورو» فإن الكثيرين من رفاقه وحلفائه يرون أن الوضع قد اختلف اليوم بعد نتيجة الاستفتاء على مطالب الدائنين التقشفية والتي رفضها اليونانيون بنسبة 62 في المائة، مما يعني، بالنسبة لهم، أن رجل الشارع اليوناني إذا وضع أمام الخيار بين خطة تقشف أكثر قسوة والخروج من منطقة اليورو فإنه يفضل الخيار الثاني، والمظاهرات التي خرجت في أثينا يوم الجمعة وشارك فيها أعضاء من حزب «سيريزا» اتهمت تسيبراس بالخيانة وردد البعض مقولة «إن لا تعني لا». الأمر يكشف أن من صوتوا بـ«لا» للسياسة التقشفية بناء على دعوة رئيس الحكومة لن يفهموا معنى أن يطبق «نعم» وسيكون من الصعب عليه اللجوء إليهم في أزمات مقبلة، كما أن امتناع نواب ووزراء من حزبه عن دعم مقترحاته يوحي بأنه خسر الجناح اليساري من «سيريزا» وهو يشكل 40 في المائة من العضوية، كل ذلك يضع تسيبراس تحت رحمة قوى سياسية يونانية أخرى لكي يتمكن من الحكم، كما يضعه تحت رحمة الأوربيين الذين لا يريدون لتجربته أن تنجح وتتكرر في أوروبا. وقد بدأ الأوربيون بالفعل، وعشية المفاوضات، بالحديث عن صعوبة التوصل إلى اتفاق، وعن انعدام ثقتهم في مصداقية اليونان لتنفيذ الخطة، بل وذهب رئيس مجموعة اليورو للقول بأن هذه الخطة غير كافية، بالرغم من دفاعه عنها كخطة الدائنين قبل أيام.

ألمانيا بين الرفض والقبول
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبالرغم من تصريحاتها المتشددة، فإنها تواجه خيارا صعبا بين أن تكون المسؤولة، تاريخيا، عن خروج اليونان من منطقة اليورو، مما قد يؤدي، على المدى المتوسط، لانهيار نظام العملة الأوروبية الموحدة، وبين أن تقبل بالتفاوض والاتفاق لتواجه، بعد ذلك، سلسلة من البلدان الأوروبية الأخرى مثل البرتغال، إسبانيا، إيطاليا وربما فرنسا التي تطالبها بمعاملة مماثلة لليونان.
إلا أن المأزق الرئيسي، بعد خمس سنوات من التقشف، وبعد أسابيع من أزمة متفجرة استخدم خلالها البنك المركزي الأوروبي كافة أسلحته الثقيلة ضد أثينا، يكمن اليوم في أن الاقتصاد اليوناني أصبح في وضع مختلف تماما عما كان عليه قبل أسابيع، ويشير بعض الاقتصاديين إلى أن خطة الدائنين التي عدلها تسيبراس بعض الشيء تجاوزتها الأوضاع، ولم تعد صالحة لمواجهة الموقف، وأنه سيكون على أطراف الأزمة العودة في القريب العاجل لبحث خطة أو خطط جديدة، بحيث يتحول الوضع إلى حلقة جهنمية من سياسات التقشف متزايدة القسوة، منبهين إلى تحول اليورو إلى رديف للتقشف في نظر اليونانيين، وأن خروجهم من منطقة اليورو قد يصبح الخيار الأفضل في
اعتقادهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى