الرئيسيةسياسية

الحكومة الحالية تفترض احترام الحكومة المقبلة لتعهدات لم تحترمها هي

جدد بنكيران تهديداته التي ما فتئ يطلقها ضد الأساتذة المتدربين، بضرورة قبول الحل الذي اقترحته الحكومة على لسان والي جهة الرباط، والقاضي بتشغيل الفوج كله على دفعتين، ولكن مع اجتياز مبارتين. التهديد الجديد لرئيس الحكومة ذكر مرة أخرى بإمكانية إلغاء مباراة ولوج المراكز الجهوية، وبالتالي ضياع كل آمال هذا الفوج في التوظيف. رد الأساتذة المتدربين لم يتأخر سريعا، حيث جددوا موقفهم الداعي لإسقاط المرسومين، محملين الحكومة مسؤولية فشل الجولات الأربع للمفاوضات. وتوعدوا الحكومة بتصعيد أشكالهم الاحتجاجية، سيما وأنهم، قد أبانوا عن ليونة قياسا لمواقفهم السابقة، رغبة منهم في التوصل إلى حل، بشكل يضمن حقهم في الشغل من جهة، وفي نفس الوقت يضمن استفادتهم من تكوين في ما تبقى من السنة الدراسية، خصوصا عندما قبلوا في الجلسة الثالثة للحوار مع الوالي، مقترحا تقدمت به مبادرة المجتمع المدني والنقابات التعليمية، والقاضي بتشغيل الفوج كله في مباراة واحدة. لكن بسبب غياب الضمانات الكافية التي ستجعلهم مقتنعين بتشغيل الثلاثة آلاف الذين سيشملهم التوظيف في الدفعة الثانية، فإن هؤلاء قرروا الاستمرار في تنفيذ برنامج سطروه في وقت سابق للاحتجاجات على مستوى ربوع المملكة.

التكوين المهدور.. من يتحمل مسؤوليته؟
الحقيقة تقتضي القول بأن الحكومة لم تقدم بتاتا أي تنازل عما جاء في المرسوم القاضي بإجراء مباراة للتوظيف بعد التخرج. ففي الوقت الذي تم استدراج الأساتذة المتدربين للتنازل عن المطالبة أولا بإسقاط المرسومين والقبول بتعديل الأولويات المطلبية، كان هناك استخفاف من الجانب الحكومي بعدم تقديم جواب صريح ورسمي عن إلغاء الإجراء الخاص بمباراة للتوظيف، وتوضيح السبل القانونية الكفيلة بأجرأة الاتفاق لأن ذلك يتطلب كما هو معمول به إقرار مرسوم آخر قد يكون استثنائيا في حالة ما إذا كان سيشمل فقط الفوج الحالي. أما ما تدعيه الحكومة من توظيف عبر دفعات للفوج الحالي، فصدقيته منعدمة وذلك بالرجوع إلى اتفاقات وقعت مع الحكومة السابقة وأبطلتها الحكومة الحالية. ويتعلق الأمر، للتذكير والتأكيد، بما حصل مع اتفاق 26 أبريل ومحضر 20 يوليوز من سنة 2011 وقبلهما اتفاقات في قطاع التربية الوطنية في شأن إخراج النظام الأساسي للمبرزين، وتغيير الإطار للدكاترة عبر ثلاث دفعات وغيرها من القضايا الفئوية.
لم تفوت الحكومة عبر كل الناطقين باسمها أن أسباب نزول المرسومين تتعلق أساسا بالرفع من أعداد المكونين، وثانيا بتجويد التكوين وكل ذلك يدخل في باب ما سمته بالإصلاح المهم. أما السبب الأول فقالت إنها تريد منه توفير الأطر للقطاع الخاص. كلام يثير الكثير من الاستغراب من حال هذه التصريحات التي تستغبي ذكاء الناس. فإذا كان القطاع العام لا يقوى على توظيف 7 آلاف أستاذ سنويا بالرغم من الخصاص الهائل الحاصل والمتزايد فما هي إمكانات القطاع الخاص من التشغيل، علما أن النسب المتقدمة منه لا توجد إلا في رقعة جغرافية ضيقة. ثانيا تحدث مباراة التوظيف بقصد أو من دونه تصنيفا نوعيا سلبيا بين الفئة التي ستتمكن من احتلال المراتب التي تمليها فقط المناصب المالية المتوفرة للمباراة، وبين من لم يتمكن من ذلك. وهنا يطرح سؤال واضح هل سيقبل القطاع الخاص بمن لم «يقبله القطاع العام»؟ ألم تهدر الحكومة مالا عاما كثيرا في تكوينات سابقة قالت إنها من أجل التوظيف في القطاع الخاص؟ ويتعلق الأمر بالتكوينات في إطار الشراكة مع الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل ومع المدارس العليا للأساتذة والكليات…؟ ما السر إذن وراء إعادة تجارب معلوم مسبقا نتيجتها السلبية؟
أما ما يتصل بكلام تجويد التكوين، فلعلم من استفاق أخيرا ومتأخرا مفتيا في أمر التكوين، أن الجودة المطلوبة هي وسيلة وليست غاية، فالبحث عن جودة التكوين مدخل للارتقاء بتربية الناشئة. من الناحية المادية، أي جودة ستتحقق بأستاذ متدرب نمنحه 1200 درهم غير منتظمة الأداء؟ أي جودة نطلبها من أستاذ متدرب لا يقوى على تأمين الضروري من حاجياته في المأكل والملبس والمسكن والتنقل والمستلزمات الديداكتيكية للتكوين؟

البيداغوجيا.. السؤال المغيب
أما على المستوى البيداغوجي، ففي الوقت الذي كان جميع الفاعلين ينتظرون معالجة المشاكل المؤسساتية والقانونية والتنظيمية الخاصة بالمراكز لإرساء منظومة للتكوين تكفل دعم التكوين الأساس للأساتذة المتدربين وتكسبهم الكفايات المهنية اللازمة لممارسة صفية تتجاوز كل مظاهر النقص أو الخلل الذي تعاني منه مدرستنا، يبدو أن الزمن التربوي لا يدخل في إكراهات الحكومة، بدليل أنها غير مستعجلة في حل المشكل. هنا ومن باب الصراحة اللازمة، ينبغي القول أن تبعات ما أقدمت عليه الحكومة من تسرع في إقرار مرسومين دون استشارة ودون دراسة للأثر وما تلا ذلك من شلل للتكوين بالمراكز الجهوية، سيكون على حساب منظومة التربية والتكوين. معنى ذلك أن التجديد التربوي يبقى مؤجلا، أي سيستمر تلامذتنا بالتعلم بنفس الإيقاعات وبنفس الأساليب والطرق البيداغوجية التي ننتقد منها الجزء الكثير. ومعناه كذلك أن مشاريع الإصلاح البيداغوجي التي تحدثت عنها الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والتدابير ذات الأولوية للوزارة يصيران إلى التأجيل، لأن الحكومة للأسف في لحظة ما لم تفرق بين ما هو تقني وما هو استراتيجي، وأين ينبغي أن تُعمل حساب السياسة وأين كان عليها أن تُبعدها وتركن وتنتبه فقط إلى مصلحة أجيال من هذا الوطن. مصلحة بالإمكان تحقيقها بضخ 10 آلاف إطار جديد في القطاع، تلقوا تكوينا كما تنص على ذلك عدة التكوين بالمراكز، في تخطيط وتدبير وتقويم التعلمات واكتساب ما يلزم من أدوات البحث التربوي للممارسة ببعد تبصري، وراكموا ما يكفي من المقاربات الديداكتيكية التي تسعف في البناء المعرفي والمهاري والوجداني للمتعلم، الذي تشكو دراسات كثيرة ضعفه في تعلمات أساسية من قراءة وكتابة وحساب، وبوسائل متعددة منها تكنولوجيات الإعلام والاتصال، وعاشوا الحياة المدرسية بالكثير من تفاصيلها في وضعيات مهنية معتبرة. إمكانية تتطلب تقديرا خاصا للزمن البيداغوجي من كل الأطراف وعلى رأسها الحكومة التي تتحدث عن سنة بيضاء أو إلغاء المباراة كما لو أنها تتحدث عن استبدال قميص أو جهاز ولا يتعلق الأمر بإصلاح مجهض.

مباراة أم امتحان؟
يرى مهتمون بالشأن التربوي أن موقف الحكومة «منسجم» مع حقيقة أنها في آخر سنة تشريعية، وبالتالي لا يمكنها عمليا ضمان ما يمكن للحكومة المقبلة تخصيصه للتعليم من مناصب في السنة المالية المقبلة. فترك 3 آلاف منصب مرهونة بمباراة ستنظمها الحكومة المقبلة، هو حل «مناسب» لها، أكثر من تعيينهم في القطاع، وستكون الحكومة القادمة مجبرة على إدخالهم في السنة المالية القادمة. لذلك فمطالبة الأساتذة المتدربين بضمانات لتشغيل الفوج الثاني ضمن الحل الذي تقترحه الحكومة، هو أمر معقول جدا، ذلك أن تشغيل الفوج الثاني في دجنبر من هذه السنة، أي بعد انتهاء ولايتها من شأنه أن يقوي شكوك الأساتذة المتدربين في النوايا الحقيقية للحكومة. وبالتالي فعدم تشغيل الجميع في هذه السنة، يعني فقط أن هذه الحكومة ستقوم بتوريث مشكلة 3 آلاف أستاذ عاطل للحكومة المقبلة، ولا توجد ضمانات حول إمكانية التزامها بقرارات هذه الحكومة، تماما كما لم تلتزم حكومة بنكيران بقرارات التشغيل المباشر التي اتخذتها حكومة عباس الفاسي قبيل رحيلها سنة 2011.
الحل الذي اقترحته الحكومة يبدو متناقضا تماما، ذلك أن حل تشغيل الفوج كله بالمباراة يبقى حلا متناقضا. فالمبارايات تتميز بطبيعتها بكون عدد المناصب فيها يكون محدودا، في حين يكون عدد المترشحين غير محدود من الناحية الكمية، والهدف منها يكون انتقاء الأجود، لذلك يتساءل مهتمون بشأن التربية والتكوين عن الغاية من المباراة من الأساس إن كان عدد الأساتذة المتدربين محددا سلفا، وهو عشرة آلاف أستاذة وأستاذ متدرب. فالحل الأنسب لاقتراح تشغيل الفوج بالكامل هو امتحان تخرج، يفضي لوضع الناجحين في لائحة بحسب الاستحقاق، بينما النجاح هو مسألة مفروغ منها. والسؤال الآخر هو هل تعي الحكومة أن اجتياز المباراة يعني إمكانية عدم النجاح؟ ثم ما العلاقة بين وعدوها بتشغيل كل الفوج وإمكانات عدم النجاح في المباراة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى